خاص- ثقافات
*جيمس وود/ ترجمة : د.محمد عبدالحليم غنيم
ـ 1 ـ
اتكأت تراقبه في هدوء وثبات ، كشفت لها صورته المنعكسة عبر مرآة الدولاب عن شاب طويل منحنى قليلا ولكن دون كرش منتصف العمر أو استدارة شاب في الثلاثين .
ـ تريدين كأسا ؟
بدا السؤال وكأنه جاء صدفة في حقيقة الأمر ، أجابت :
ـ أريد واحدا .
بدا لها صوتها هادئا ومحايدا ، إنه ليس صوتها الذي كان يضج بالسعادة منذ لحظات قليلة . استطاعت أن تسمعه في الطرقة وهو يمزج الشراب ، ياخذ وقته ، منتظرا ومتاخرا ، يعطي لها الفرصة لكى تغطي نفسها ، قال :
ـ لا أجد الصودا
تعرف أنه عذر لكي يشرع في دخول غرفة النوم ، ودائما هناك عذر ، على الرغم من أنهما ليسا قلقين من رؤية جسديهما العاري بعد الانتهاء من الحب ، إنه واحد من القواعد الغير مكتوبة للعبة .
ـ ستجده في مكان ما هناك .
ثم أضافت :
– ربما في الكأس بالخزانة .
وضعت ذراعيها في الروب وزرته ثم أعادت ترتيب مكياجها بسرعة .
عندما عاد إلى الحجرة ، تردد للحظات عند الباب ولكنها كانت كافية كي تشعر بوجوده داخل الغرفة ، فكرت فى عودة المحارب لأرض المعركة من جديد ؟ ولكن المعركة انتهت والعدو قهر ، شكلت الملاءات غير المرتبة تلالا وخنادق وأن النصر ليس لأحد ، وأن السلام الملوث كهدنة قد ملأ الحجرة .
ـ أشكرك يا حبيبي
ثم أضافت وهي ترتجف :
ـ في صحتنا
أجاب :
ـ في صحتنا
ثم شربا ببطء ، ببطء شديد
ـ أخبرتني بات أنها رأتك في حفل ديكسون ليل أمس .
ثم أضافت وهي تحاول أن تجعل صوتها طبيعيا :
ـ هل استمتعت بالحفل ؟
ـ الشىء المعتاد . . الجميع يتكلم ولا يقول شيئا . وسالي ديكسون مثل عجوز ينثر الحبوب أخذت تبعثر الشائعات المغرضة دون تمييز ، بالطبع .
في ابتسامة غير مقنعة :
ـ بالطبع . هل كان هناك أي شخص جديد ؟ شخص ملفت للنظر ؟
ـ كل رفقاء سالي لطفاء تماما ، مثل الأميبا لعالم البيولوجي أو الروث للخنفساء .
ضحكت ، لكن إجابته كانت أكثر فصاحة :
ـ هل حقا كانت بهذا السوء ؟
ـ رديئة يا عزيزتي ولكن ليست بهذا السوء ؟
ـ لذلك أعتقد أنك غادرت الحفل مبكرا ؟
فوجئ بالسؤال فكانت إجابته محملة بالاستياء :
ـ نعم ، فعلت ذلك في واقع الأمر !
عند ذلك تورد وجهها وابتهجت نفسها ولكنها قالت لنفسها أن عليها ألا تندفع وتتعجل الأمور وألا تتدخل فيما لا يعنيها .
ـ 2 ـ
ـ أريد كأسا آخر .
قالت ذلك وهي تحرك كأسها الفارغ وكأنه دلالة على المهادنة ، أخذ الكأس منها وهو يبتسم لها ابتسامة مختصرة وعينه تقول لن أجعلها تسمع أو تعرف ما تريد سماعه ومعرفته .
تقول العيون الكثير ،فكرت : تنقل الحب والكراهية والرغبة والاشمئزاز بين شخصين ، فى صمت انقطاع التيار الكهربائي ، لو لم تنظر في عينيه لاستطاعت أن تواصل التظاهر بعدم المعرفة ، قال :
ـ في الواقع كان هناك شخص جديد في الحفل .
لماذا يكرر دائما كلمات في الواقع ، عندما يريد أن يقول هذا إذا أرادت الحقيقة فها هي . سألت بعد انكشاف اللعبة :
ـ هل هو شخص أعرفه ؟
هز كتفيه :
ـ لا أعتقد ذلك ، إنها أحد أصدقاء تيد روجر ، إنه شخص وقح ، أتذكر ما التسلية المناسبة التي كانت ستقوم بها ، إذ كان من الواضح أنها غرة ، ربما أقحمها تيد في هذا . . صمت قليلا ثم قال :
ـ ليست من طرازك يا عزيزتي
وتوقف ليبحث عن الكلمة المناسبة ، فوجدتها هي وقالت :
ـ صغيرة
ـ كنت سأقول ساذجة ولكن كلمة صغيرة تؤدي الغرض تماما .
عضت شفتيها ، تريد أن تضربه أو تحطم ذلك الوجه الوسيم ، المتعجرف ، هذا الوجه الطفولي غير المنسق ، قالت :
ـ لا بد أن تقدمها لي ، ربما نستطيع أن نكتشف شيئا مشتركا بيننا بعد كل ذلك .
ـ لا أعتقد ذلك يا حبيبتي ، فهي من النوع النشيط المتحرك يمارس التنس والسباحة وركوب الأمواج في نادى اتحاد جاكس في برومس ، هذا الحماس والعرق يشير إلى حركتها الشابة .
ـ اللعنة ، يا لك من ابن زنا عفن ، لابد من هتمامات أخرى ، على الأقل تمضية بعض الوقت في اللهو ” اللهو ” انزلقت الكلمة على لسانه كخمر الفاكهة ، فأجاب :
ـ لا أفهم ماذا تقصدين ؟
ـ كذاب مخادع أثيم ، أنت تعرف عليك اللعنة ، ماذا أقصد 1
ـ ربما لديها معجبون آخرون بخلاف نيد ؟ إنه في خلال يومي . .
أوقفت نفسها ، ولكن متأخرا جدا
ـ في خلال يومك ؟
ـ آه . . لا شيء
ـ كنت على وشك القول أنه خلال يومك ؟ كيف هو الحال خلال يومك ؟ كانت متعته واضحة ، بالله أخبريني يا حبيبتي إنه دائما مبهر وممتع أن تعلم عن الأوقات الماضية .
صمت في المكان ، صمت طويل ، قالت برقة في الصوت : يريد جيرالد أن نقضي نهاية الأسبوع معه ، هل يمكننا فعل ذلك ؟
ـ 3 ـ
ـ ترى حقا هل يريد ذلك ؟
ـ بالطبع ، إنه يتمتع بصحبتك
ـ دعك من هذا يا مارجوي ، ماذا لدي وأنا مدير بنك متقاعد ؟ ما الشيء المشترك بيننا بخلافك ؟
راقبها عن قرب وهو يلوي السكين ، ثم قال :
ـ هل يستمتع برؤيتنا ونحن ممسكي الأيدي حيث نأوي إلى السرير طوال الليل فينصت إلى أصوات الحب من الحجرة المجاورة ، هل لديك أية فكرة عن مشاعره عندما يحدث هذا ؟
ضحكت في تردد وقالت :
ـ لا تكن أحمق يا حبيبي هو لا يهتم بهذا ، هو إلى حد كبير واسع الأفق .
ـ أنت لا تعرفين عن أي شيطان أتحدث ؟ أليس كذلك ، المسألة ليست كونه اسع الأفق يا حبيبتي ، إنها مسألة غيرة وكراهية و غل من العجوز الحرون .
نظرت إليه في حيرة :
ـ لا أفهم !
ـ لا هل حقا لا تفهمين ؟
ـ هل تعتقد أنه يحبني ؟ أو مغرم بي ؟ أهذا ما يقلقك ؟ ثم أضافت في صوت يومي بالاحترام لذاتها .
ـ ولكن ذلك سخيف . . جيرالد
فأكمل جملتها :
ـ عجوز جدا . لا يوجد عمر محدد للحب يا عزيزي ، ولكن ذلك يعتمد مع الحب على العمل
ـ إذن أنت تعتقد انه يغار منك ؟
ـ يغار من كلينا .
نظرة مرتبكة على وجهها جعلته يضيف باستمتاع :
ـ ربما كان يغار من شبابك الدائم ونشاطك الجنسي وربما كان يحسدك على موهبتك غير العادية في جذب الأشخاص الذين هم في منتصف العمر .
حاولت أن تضحك ولكنها قالت :
ـ الآن ، يبدو لي أنك احمق حقا !
ـ هل أنا كذلك فعلا ، ربما بطريقة عثرت على إكسير الشباب ، الحياة سر كبير ، فهي أنفس من المال وأكثر حسدا من الثروات .
ـ لا أرى ذلك مضحكا جيدا .
ـ إذن لم لا نواصل المزاح .
ثم اقترنت صوته هذه النغمة الشاذة فأضاف :
ـ وتكون النكتة مسلية فقط عندما يدرك كل إنسان أنها مضحكة بشكل واضح جدا
ـ ولكنها لا تكون مضحكة جدا عندما يكون المستمع مدفوعا للمشاركة
انطلقت الكلمات دون تفكير ، ثم أضاف وهو يشعر بالحقد
ـ أخيرا ، الحقيقة المرة حكمة العمر .
تلاقت الوجوه والأجساد بحركة لا إرادية وبهدوء بدأ جسد المرأة مستسلما مثل بالون يفرغ هواءه ، ثم تمتمت :
ـ أنا آسفة ، من الحماقة أن نتشاجر هكذا ، لقد قلت لنفسي أن هذا ليس وقت الشجار ، وانتظرت أن يأتي ولكنه لم يفعل ، مما كان منها إلى أن وصلت الدرج وأحضرت منه صندوق صغير وقالت :
ـ لقد اشتريت لك هدية ! كنت مارة على . .و …..
ـ 4 ـ
قاطعها بحدة :
ـ تعنين أنك ذهبت عن عمد إلى هناك لشراء شيئا ؟
ـ لا ، حدث فقط أنني . .
ـ يا الله . دعينا نوقف هذا الادعاء السخيف ! أنت ذهبت إلى المحل وسألت عن شيء غال الثمن ، شيء جميل يكفي لمقايضة شاب ذو جسم لين ، ربما لم تقولي هذا في كلمات كثيرة ، ولن تفعلي ! هذا هو الجزء الكامل من اللعبة ، نوع الفلسفة السلم والثعبان ، نطلع السلم عند الادعاء ، ثم ننزل فقط كلما اقتربنا جدا من الحقيقة .
عند ذلك قالت في مرارة :
ـ أنت حقا في لياقة جيدة الليلة .
ـ أنا دائما في لياقة جيدة ، وهذا هو ما تدفعينني إليه … آه لا تخبريني بأنك متفاجئة ؟ وأنك تجدين ذلك بغيضا ربما كان الحب مرضيا ، ولكن هذا الحوار كريه ،انزلقي على الثعبان ثم عودي إلى المربع الأول ..
ـ أعتقد أن عليك الذهاب الآن
ـ أذهب فقط عندما بدأت لأول مرة هذا المساء استمتع بنفسي
ـ من فضلك
ـ لكن تلك حرفتي ، عملي ، أن أرضي ، أن أمنح السعادة ، أنت تعرفين حقا درست القانون في الجامعة ، كان والداي يريدان أن أصبح محاميا ولكن هذا كان كئيبا ، محزنا ، ومثل هذا كان عملا صعبا ، بل أصعب من ذلك ، وكذلك لم يكن مجزيا .
تحسست الهدية ثم أخرجتها له آملة ، مثل طفل يقدم لعبته المفضلة في مقابل ابتسامة صغيرة ، ولكنه لم يبتسم ، انتهت اللعبة ، عرفت ذلك ، وأي قدر من التظاهر لن يستعيد ثقته ، ربما يلعبان نفس الشيء حتى النهاية ، ولكن في الواقع جاءت النهاية هذه المرة .فتح الصندوق الصغير ، وقال :
ـ أزرار أكمام .. هذا حقا ما كنت أريده .
قالت :
ـ ذهب
ـ أنا متأكد أنها كذلك .
ـ قال الرجل إذا لم تعجبك ..
فقاطعها على الفور
ـ أستطيع أن أعيدها واسترد المال .
ثم أضاف بعد صمت قليل :
ـ يا له من رجل لطيف ! لا أعرف بالضبط ماذا حدث لآخر زوجين من الأزرار أهديتهما لي ، أظنهما قد فقدا !
ـ لا تهتم .
توقفا عن الكلام ، يحول بينهما صمت محرج ، ولكنه استأنف قائلا :
-
من الأفضل أن نفترق ، الليلة مشغول …. أوقات سعيدة ، شكرا مرة أخرى على الهدية .