“واحة الغروب” بين قلم بهاء طاهر والدراما الرمضانية
يوليو 17, 2017
خاص- ثقافات
* سهير نحاس/ (كندا-عكا)
تدور أحداث المسلسل في إطار بوليسي اجتماعي خلال نهاية القرن الـ19، فبعد فشل الثورة العرابية، تقوم السلطات بنقل ضابط بوليس ذي أفكار مؤيدة للثورة إلى واحة سيوة، في إجراء ظاهرُه تكريم وباطنه عقاب، وتصحبه زوجته الايرلندية المهتمة بالآثار، ليصطدم الاثنان بالوضع الأمني وحالة الحرب بين أهالي الواحة.
يشارك في بطولة المسلسل مجموعة ضخمة من الفنانين هم منة شلبي، خالد النبوي، أحمد مجدي، سيد رجب، الأردنية ركين سعد، اللبنانية كارول الحاج والفنانة رجاء حسين، فيما قامت الكاتبة مريم نعوم بكتابة السيناريو والحوار للقصة المأخوذة عن رواية بهاء طاهر، وهو من إخراج كاملة أبو ذكري وإنتاج “العدل غروب”.
تم التصوير للمرة الأولى في الصحراء البيضاء التي أصبحت حاليا محمية طبيعية إذ يعد إضافة للمسلسل، فعنصر الصورة؛ الصحراء في شروقها وغروبها والانعكاسات الضوئية والشموع المضاءة المرافقة لمعظم المشاهد الداخلية أضفت طابعا ذات خصوصية وجمالية عالية.
منصب مأمور الواحة بما يتخلله من مهمّة جباية الضرائب من أهلها، يُعرِّض حياة محمود (خالد النبوي) للخطر لتمرد “الزجالة والأجواد / الفلاحين وقادة القبائل” ورفضهم دفع الضرائب، وإقدامهم على قتل أكثر من مأمور سابق، كان محمود عبد الظاهر يعلم بخطورة الرحلة إلى سيوة التي ستنطلق في قافلة عبر الصحراء من كرداسة، وستمتد إلى أسبوعين في الظروف الحسنة، كان يعلم مدى الخطورة إذ أن جيشاً فارسياً جراراً هلك في الطريق قبل الوصول لغزو الواحة، كان “محمود” متأكداً أن نقله إلى الواحة لم يكن على سبيل الترقية وإنما كان عقاباً على تبنيه أفكار عرابيه وتعاطفه مع الثوار المصريين، لتتصاعد الأحداث في بيئة متوترة كارهة لنائب السلطة المتواطئ مع الاحتلال، والاضطرابات الداخلية بين القبائل، متناولة تناقض النفس البشرية، وصراع الخير مع الشر، والوطنية مع الخيانة، واجترار أحزان الماضي وهزيمة وانكسار الوطن، ومتاهات الحيرة والبحث عن الذات، والتيه بين حقيقتي الموت والحياة.
عند قراءتي للرواية تساءلت عن المعالجة الدرامية للكم الهائل من المعلومات التي حوت الفصل الثامن باسم “الاسكندر المقدوني” عن نشأة وحياة وحروب وامبراطورية وألوهية الإسكندر المقدوني، كونه جزء تاريخي بحت في عمل درامي يُصنَّف كجانر تاريخي اجتماعي .
وايضاً تساءلت عن المعالجة الدرامية للفصل الثالث عشر الذي يجمع بين كاثرين ومليكة في موقف يوحي ببدء علاقة مثلية جنسية.
المخرجة كاملة أبو ذكري بدت اهتماماً كبيراً بأدق التفاصيل، بدءً في مشاهد عبور القافلة الصحراء وسط الكثبان الرملية، والعواصف الصحراوية، ونفوق الجمال، ومشاهد المعارك الحربية بما فيها من بوارج وأساطيل ومدفعية وخيول، ومشاهد الاقتتال والحرق ونيران الرشاشات.
تحويل رواية “واحة الغروب” لعمل درامي بمثابة السهل الممتنع ارتقى إخراجها بالشكل اللائق للعمل الروائي وارتفع مجدداً مؤشر نجاح أبو ذكري .
إحدى الإشكاليات في السرد التي لمستها في السبع الحلقات الأولى من “واحة الغروب”، حيث فيها محمود عبد الظاهر من الثورة العرابية، وفي الحلقتين التاليتين حكايته مع زوجته الايرلندية، ثم واحة سيوة، دون أن يحدث “تضفير” للثلاث حكايات، عملية فصل أو قطع، فكل فصل يبدأ وتكون له ذروة ثم نعود لنبدأ من أسفل في الحكاية الجديدة، وهي طريقة ليست سليمة في السرد، وتسببت في شعور الجمهور بالملل، وكان لا بد من كسرها بفلاش باك أو بأي وسيلة للكسر، مثلا كأن نرى صورة لإيرلندا عندما تحكي عنها “كاثرين”، وفقا لقوله . تم ضبط مشكلة السرد لاحقاً بالانتقال إلى واحة سيوة، ليبدأ عبد الظاهر في ممارسة مهام عمله كمأمور .
لكن يجدر الإشارة إلى أن المسلسل تفوّق بجدارة في المجالات التقنية في الإخراج، أداء منة بشكل عام ممتاز، أماكن التصوير عظيمة، وديكور رائع إشراف فني لفوزي العوامري، تصوير عظيم لنانسي عبدالفتاح، عناصر تقنية عظيمة جدا .
أحد المشاهد التي أثارت نقاشاً عند بعض النقاد هو المرأة (الجارية نعمات) الموجودة مع الضابط في “السرير” بينما في النص الروائي لا وجود لشخصية الجارية بل إنما كانت شخصية “الدادة ” وهي في سن أمه والتي قامت بالاعتناء به . ومع هذا فقد لاقى هذا المشهد استحسان المشاهدين والنقاد إذ جعلت المخرجة المشهد مع فتاة عشرينية ليبدو كأنهما اثنين يحبان بعضهما، مراعية في ذلك أنهم يتوجهون لجمهور أعرض .
لاحظ متابعو المسلسل بعد عرض أولى حلقاته أن القنوات الناقلة تحذف مشاهد، وذلك بالمقارنة بين ما يظهر على شاشات التليفزيون وعبر الإنترنت.
ويبدو أن الحلقة التي شهدت حذف عدد أكبر من المشاهد عن الحلقات السابقة؛ من بينها مشهد يجمع الممثلين خالد النبوي ومنة شلبي في الفراش، ومشهد آخر للمأذون الذي يعقد قرانهما، وهو ما جعل الكثيرون يعبّرون عن استيائهم من الحذف، معتبرين أن ذلك يشوّه المسلسل ويفسد عليهم متعة المشاهدة.
حسب رأي بهاء طاهر، التزم القائمون على العمل في الحلقتين الأولى والثانية بما كتبه داخل الرواية، قائلًا: أسعدني ما شاهدته حتى الآن”.”
هل التشبيه مع فان كوخ.. مقصودا؟ً
لفت النظر في الحلقة الثالثة من مسلسل “واحة الغروب” كادر أقرب إلى التكوين السينمائي , بطلهُ شخصية تشبه الفنان التشكيلي الهولندي الشهير فينسنت فان كوخ. المشهد عبارة عن رجل أجنبي، يشبه فان كوخ كثيرًا في ملامحه وملابسه، بينما يظلل عليه بالشمسية طفل أسمر صغير يعاني هو من أشعة الشمس. من بعيد يرقبهما الضابط محمود عبد الظاهر .
هل كان الشبه مع فان كوخ مقصودًا؟ نعم، بدا ذلك واضحًا فيما نشرته الصفحة الرسمية للمسلسل عن ذلك الشبه، في إشارة إلى إنه سيتضح مع تقدم حلقات المسلسل لماذا كان مقصودًا. فمن المعروف عن كاملة أبو ذكري، مخرجة العمل، أنها متأثِّرة بشخصية فان كوخ، والاضطراب النفسي والعقلي الذي كان يعاني منه في سنواته الأخيرة حتى قطع أذنه اليمنى، ورسم نفسه أكثر من عشرين مرة.
للتعرّف على بطلي الرواية/ المسلسل وثلاث شخصيات نسائية في المسلسل :
محمود عبد الظاهر
متقلِّب المزاج، يفعل الشيء ونقيضه، في وقت ما كان مدمناً للخمر والنساء؛ كان حاضراً في حلقات الذِكر، وقارئ ومتابع للشيخ جمال الدين الأفغاني . رفض ان يكون كأي مأمور انجليزي يستخدم العنف والرشوة وسياسة فرّق تسد لتحصيل الضرائب, مصري وطني عانى الانفصام بين الاداء الوظيفي وحبه لمصر .
كاثرين
أيرلندية تكره الإنجليز، مسيحية كاثوليكية، أرملة، تكبر محمود بسنتين، عاشقة للآثار والقراءة في التاريخ، شجاعة قوية، تتقن أكثر من لغة وعلَّمت نفسها اللغة الهيروغليفية، وتحمَّست للسفر إلى الواحة وعبور الصحراء للبحث عن آثار مقبرة الإسكندر المقدوني. تكشف الرواية للقارئ حالة الانفرادية الذاتية لها كمستشرقة غير مكترثة ومراعية للحاجز والبعد الحضاري بين مطمحها وبين الحساسية الناجمة عن تحقيق مُرادها .
ثلاث شخصيّات نسائية يجب التوقف عندهن:
نعمة.. ليست سمراء
” السحر ده للي روحهم وحشة، أنا روحي وحشة يا سيدي؟” قالتها نعمة، جارية الضابط محمود عبد الظاهر، لتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كاقتباس، لكن بقيت شخصية نعمة، الساحرة، غامضة حتى كشفت عن نفسها.
هي الفنانة مها نصار، صاحبة الوجه الأبيض, اتقنت الدور ببراعة رغم صغره واختفت حاملةً معها تأنيب الضمير وهاجس العودة.
الشخصية الثانية “مليكة”
برز دور شخصية مليكة المتفرد والاكثر نقاءً وصدقاً في الواحة بعد وفاة زوجها رضوان (أحمد مجدي) أثناء الحرب بين الغربيين والشرقيين لتتحول مليكة (الممثلة الاردنية – ركين سعد) إلى غَولة، أي أرملة توفى زوجها حديثًا، تمتلك عينًا قوية حسودة تجلب سوء الحظ، ترفض ان يلمسها زوجها الثاني الذي فرض عليها , تتهم بالجنون والسحر وبالتالي يتجنبها الجميع.
الشخصيّة الثالثة – فيونا ( شقيقة كاثرين) وهي الممثلة اللبنانيّة كارول الحاج
برز دورها في الحلقات الثلاث الاخيرة , جاءت لتضيء النور في ظلمة ووحدة وفتور العلاقة بين محمود وكاثرين , تمثّل شخصية الإنسان الغربي غير المنتفع والذي يحترم الشرق والانسانيّة جمعاء دون مآرب شخصية او استعمارية.
سبق وقدّمت رواية “واحة الغروب” كمسلسل اذاعي عام 2012
الرواية سبق أن تم تناولها في مسلسل إذاعي على البرنامج العام في رمضان 2012، وحصلت على الجائزة الذهبية كأحسن مسلسل إذاعي لهذا العام، بالإضافة إلى جائزة مهرجان تونس للإذاعة والتليفزيون، بطولة أحمد السعدني وراندا البحيري ومادلين طبر وكتب أشعار المقدمة والنهاية الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وغناء علي الحجار.
اغنية مسلسل “واحة الغروب” :
أصبحت أغنية مسلسل “واحة الغروب” الأولى من حيث الانتشار بين أغاني مسلسلات رمضان، لاعتمادها على موال من تراث الموسيقى الصعيدية، وصوت المطرب وائل الفشني، الذي بدا ذا لمسة صوفيّة:
فراق الحبايب.. مُرّ يوجعني
سافر حبيبي وداخل لي يودعني
بكى وبلّ المحارم
وأنا قلت إيه يعني؟
والله فراق الحبايب مُرّ يوجعني
الرواية والمؤلف.
صدرت الرواية في اكتوبر 2006، وفازت بجائزة بوكير العالمية للرواية العربية عام 2008. الرواية مكتملة البناء، رشيقة الأسلوب بديعة العرض، لغة السرد بضمير المتكلم جذبت القارئ حتى النهاية، تفاعل القارئ مع الأحداث وتأثر من دوامات الشجن والمعاناة.
قدَّم بهاء طاهر الإهداء في مقدمة الرواية إلى زوجته السويسرية “ستيفكا أناستاسوفا” ، والرواية مقسمة إلى جزئين في عدة فصول، عنوان أغلبها كان بالتبادل بين اسمي البطلين, مفعمة بالمونولوج أو حديث مع النفس في نسيج رائع على لسان الأبطال يتأرجح بين مواقف في الحاضر ونقاط في الماضي.
يعود بهاء طاهر فى روايته الجديدة والبديعة «واحة الغروب» والتي لاقت نجاحا جماهيريا واستحسانا نقديا كبيرا، إلى نهايات القرن التاسع عشر، وبداية الاحتلال البريطاني لمصر .
حيث يُرسل ضابط البوليس المصري محمود عبد الظاهر، والذى كان يعيش حياة لاهية بين الحانات وبنات الليل، إلى واحة سيوة لشك السلطات في تعاطفه مع الأفكار الثورية لجمال الدين الأفغاني وأحمد عرابي.
فيصطحب زوجته الايرلندية «كاثرين» الشغوفة بالآثار، والتي تبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر، لينغمسا في عالم جديد شديد الثراء والخصوصية يجبرهما وأهل الواحة على مواجهة أنفسهم في زمن اختلطت فيه الانتهازية والخيانة والرغبة بالحب والبطولة .
تعكس أحداث الرواية أيضا مزجا إبداعيا بين الماضي والحاضر بين الذاتية والموضوعية بين التاريخ والحاضر ليعبر من خلالها عن هموم الوطن, كما يقدم تجربة العلاقة بين الشرق والغرب على المستويين الإنساني والحضاري بما فيها من صراع وتوافق.
تميّز الكاتب بهاء طاهر بإبداعه في السرد وفن الرواية، وأناقة التعبير وتقديس الكلمة، والغوص في العمق الإنساني، وساعدته دراسته للتاريخ لصبغ الأحداث وصياغتها من خلال أكثر من حقبة زمنية في إطار أدبي متماسك بديع، بالإضافة أنه يقوم بتجسيد الشخصيات المختلفة في إطار إنساني محاولاً الابتعاد عن الصور النمطية لكل ثقافة.
باعت دار الشروق رواية “واحة الغروب” لشركة “العدل غروب” دون الرجوع إلى المؤلف