إسراء عبد التواب – القاهرة
( ثقافات )
عبر الروائي المصري المعروف “بهاء طاهر” عن استيائه من جو “اللا حوار” ،الذي أصبح سائدا بين القوى السياسية وجماعة الأخوان المسلمين مؤكدا أن كل تيار متمركز حول أفكاره ومبادئه وليس مستعداً، لسماع الطرف الآخر ، مشيرأ إلى أن الصراع بين الطرفين ليس وليد هذه اللحظة ولكن لديه تاريخ طويل لأنه صراع بين رؤيتين كانت جذورها ممتدة منذ بداية الانفصال عن الخلافة العثمانية، ثم بعد ذلك ورث أبناءه الحكم و أنقذ مصر من الهلاك.
ولكنه كان حكماً استعمارياً لا نظير له . وكان كل شيء ينتج يوجه إلى أسطنبول. وتطرق “طاهر”فى اللقاء الفكري الذى أقيم له بمعرض الكتاب فى دورته الرابعة والأربعين مؤخرا ، بحضور الدكتور”أحمد مجاهد” رئيس الهيئة العامة للكتاب الذى أدار اللقاء إلى حكم “محمدعلي ” الذى وصف مرحلة حكمه بالإصلاحية.
مؤكدأ أنه خلال تلك الفترة الإصلاحية أسهم فى إنقاذ مصر، ولكن هناك كثيرون رفضوا إنفصال مصر عن الخلافة الإسلامية معتبرين ما حدث مؤامرة على العقيدة، ومن قال ذلك فى البداية ورثه من يردده حتى اليوم .ومحمد علي كان حاكما مستبدا ولكن ما يشفع له رؤيته الإصلاحية وكان ساعده الأيمن هو “رفاعة الطهطاوى “.
وأشاد “طاهر ” بالطهطاوى الذى أعتبره أول شخصية رسخت لمفهوم “الأمة المصرية ” فى الوقت الذى لم يكن من قبله لمصر أي كيان مستقل ، والخطوة الإصلاحية التي رسخها أيضأ هو إنقاذ الإحساس بالوطنية المصرية ورفض فكرة أن نكون مجرد رعايا للسلطان العثماني كما كان من قبل ، والتأكيد على الوحدة الوطنية على الرغم من إختلاف الأديان وكانت الفكرة تؤكد تعبير ” المواطنة ” بتعبيرنا الحالي .
كما أشاد “طاهر ” بدور المثقفين والمبدعين خلال تلك الفترة في ترسيخ مبادئ الدولة الإصلاحية الحديثة، في وقت كان يتقدم فيه الوطن خطوة خطوة نحو الحداثة وكان هناك من رفض أصلاً فكرة الخروج عن الجامعة الإسلامية وهنا نشأ تيار معادٍ لفكرة الدولة المدنية وهذا قديم العهد وليس حديث العهد وكان من رواده “حسن البنا ” وسيد قطب والتيارات السلفية وكلها عارضت فكرة ” الدولة المدنية” .وظهر فى تلك الفترة رموز وطنية تقاوم هذه الفكرة مثل الإمام ” محمد عبده ” الذى تم مهاجمته بشدة.
وأضاف “طاهر” بقوله : تعمدت أن أقول هذا للتأكيد على أن الصراع والانقسام له جذور ممتدة منذ أمد بعيد، وليس وليد اللحظة الراهنة.
وردأ على سؤال “مجاهد ” كيف يرى مؤلف ” واحة الغروب”هذه الثورة وهذا الجيل فى ثورته، وهل كان يشعر بإرهاصاته ويتوقع بحدوثها ..؟؟.
قال “طاهر” لم أكن أتوقع أن يقوم الشباب الذى قام بالثورة بفعل ما عجزنا عنه ولكنه أبهرني شخصيأ بدرجة عالية من النضج والوعي الذى يختزن تاريخ الحركة المصرية وسمعة “الرموز السياسية الشابة”، التي تحدثت عن الثورة فى المعرض وتأكدت أنهم سبقونا فى الوعي بكثير، واستخدموا أدوات من الاتصال لم تكن متاحة لنا وهذا ما أدى لنجاح الثورة ، وشدد “طاهر” فى كلامه على أن الانقسام بين تيار الدعوة للدولة المدنية والتيار الإسلامي ممتد منذ الخلافة الإسلامية، وما زال قائما حتى الآن; يخمد تحت السطح أحيانأ ويتفجر أحياناً كثيرة ولا بد أن يعترف التيار المدني بوجود التيار الإسلامي والعكس صحيح، وإن لم نصل لهذا التوافق فلن نتقدم خطوة واحدة، ومن بيده السلطة عليه أن يخطو الخطوة الأولى ويجب أن يمد يده لمن هم فى المعارضة وإلا سيكون مستقبل الوطن فى خطر ولن يحقق أى تيار فرصة القضاء على التيار الآخر، ولا بد أن نحكم بالعيش فى الأرض الواحدة .
معبرأ عن تفائله من عدم حدوث حرب أهلية بين المصريين مشيرأ إلى أن ما يطمئنه ويجعله يستبعد فكرة الحرب بين المصريين.هو التكوين الذى يعيشه المصريون نتيجه وجودهم فى مجتمع زراعي يقوم على التعاون لا التناحر، لافتاً إلى أن هذا التراكم لديه 7 ألآف عام ،ولن يستطيع أحد القضاء عليه فى يوم واحد على عكس المجتمع الصحراوي الذى يعتمد في تكوينه على فكرة “الصراع.
وأضاف طاهر إنه ينتمي إلى التيار المدني وسيظل ينتقد التيار الديني مؤكدا فى الوقت نفسه على أنه شديد الإيمان بهذا التيار المدني لأنه أنقذ مصر وأعطى المرأة حقها فى المجتمع ، وليس من حقنا ولا من واجبنا أن نعمى عن وجود التيار الديني ولابد أن نعترف أن له قواعد كثيرة تؤمن بمنطلقاته.
وخاطب “طاهر ” التيار الديني بقوله :لا يمكن له أن يغتر بقواعده لأنه ليس من السهل شطبنا بجرة قلم ولا يمكن أن يواجه كل انتقاد لأخطاء النظام بمواجهة من جانبه بفرض رأيه ضد النقد فليس من حقه فرض حصانة على قرارته ضد المعارضة لأن هذا إخلال لصفة التعاقد بين الناخب والسلطة.
وردأ على سؤال يتعلق بحدوث تغيير فى تكوين المجتمع المصري فيما يتعلق بتغيير القناعات السياسية بسرعة مذهلة قال :من الواضح أن التغيير الذى أشاهده هو التغيير مع الغالب فمن له أفكار معاكسة للتيار الديني بدأ يتجه للسلطة، هناك جذور للتيار المدني والديني ولا يمكن أن تجتث بجرة قلم وأؤكد على تلك الفكرة مرارأ وتكرارأ .
كما تطرق “طاهر ” إلى تأثير الثقافة الخليجية على مصر، والذي اعتبرها مدمرة ومقترنة بنزوات التاريخ الذى حققته المجتمعات الخليجية ورغبتها المحمومة فى السيطرة على المجتمعات الزراعية، مردداً في تعجب :إيه الشيء المهم لقطر أن تمتلك “قناة السويس” !!
وردأ على سؤال من أحد الحاضرين بالندوة حول تجاهل مؤسسة الرئاسة لدور المثقفين وتجاهل التحاورمعهم فى اجتماع الرئيس المصري الدكتور مرسي معهم قال “طاهر”: المثقفون دائما يتم ضربهم وإبعادهم لأنهم يقومون بنشر الوعي وكل ما وصلنا إليه من تراجع هو نتيجة لضرب المثقفين ، وكان عبد الناصر يعترف بالمثقفين حينما أعطى رئاسة التحرير لأحد الصحف ل”طه حسين ” ومنذ السبعينات بدأ عزل المثقفين ،وكان فى موقف ملتبس من قبل الثقافة لعبد الناصر ولكن السادات كان له مشروع مختلف لأنه اتجه يمينأ وكانت النكتة السائدة عنه والتى تتعلق بهذا النهج هو أن السائق الخاص به وصل لمفترق طرق فقال له ” السادات” إعطِ إشارة يسار وخش يمين ” وكان من أهم صفاته أن يستبعد المثقفين ، وبدأت المسألة بغلق جميع المجلات الثقافية منها ” الكاتب” و”الطليعة ” وكذلك غلق جميع المنابر الثقافية والتنويرية فى العهد الناصري والتى كانت تلعب دورأ رئيسيا فى تنمية الوعي.
وحول رؤيته لمستقبل الأدب الذى أفرزته ثورة 25 يناير .أعتبر “طاهر”أنه لا يمكن أن نسمي ما كتبه الشباب عن يومياتهم “أدب ثوري” ولكنها مجرد تعبير آلي عن الثورات لحظة حدوثها ، فالمذكرات التى يكتبها الشباب عن يوميات الثورة هى حالة رائعة عن ما يكتب فيما بعد ، وبعضها بالغ العذوبة ولا يمكن أن تكون أبدأ” أدب ثورى”،ولكنه أشاد فى الوقت نفسه بديوان”الأبنودى” الميدان ” الذى أكد أنه تعبير صادق عن الثورة لخبرته العميقة فى كتابة إنفعالاته بعيدأ عن المباشرة، معتبراً الديوان مثال بالغ الندرة للتعبير المباشر والصادق مضيفأ بقوله ” الأبنودى استغل خبرته الطويلة وباعه الطويلة فى الكتابة الشعرية المعبرة عن الواقع وشاهدت أعمال شعرية عن الثورة لم تحقق نفس التأثير الذى حققه الأبنودى فى ديوانه،
داعيا فى الوقت نفسه كل من لديه شهادة أن يكتبها وينشرها حتى تكون بداية للتعبير الحقيقي عن الثورة بعد إستيعابها بالكامل والتعبير عنها برؤية عميقة وقراءة حقيقية.
وحول رؤيته للمرحلة الحالية وسط تدخل الإمبريالية الأمريكية فى رسم سياسات الشرق الأوسط ومن بينها رسم خريطة الحكم فى مصر قال “طاهر “: دائمأ متفائل برغم كل ما يحدث ،الثورة لم تحقق أهدافها بعد عامين ; هذا طبيعى ونحاول أن نبحث عن الأسباب بداية بأخطاء المجلس العسكري وأخطاء أطراف سياسية عقدت اتفاقات مع تيارات سياسية آخرى ، وسط تدخل الأصابع الأمريكية فى رسم السياسات. حتى أن القاضية “نهى الزينى “قالت أصابع أمريكا كانت تدخل فى كل شيء فى مصر ،ولن تحقق العيش والحرية والعدالة الإجتماعية إلا بالتخلص من سيطرة الهيمنة الأمريكية ، وقوة الشباب التي ستقرر المرحلة القادمة، لأنهم دفعوا ثمن الثورة من أرواحهم وحتى الآن لم يجدوا لا عيش ولا حرية ولا عدالة إجتماعية
* صحفية وكاتبة من مصر