*لطفية الدليمي
يمثّل هذا السؤال واحداً بين أكثر الأسئلة الجوهرية أهمية بشأن الرواية الحديثة، ويصحّ السؤال ذاته بشأن الأشكال الروائية الأخرى (كلاسيكيّة، واقعية، مابعد حداثية،). مما لاشكّ فيه أنّ قدراً عظيماً من الدراسات والأوراق البحثية بشأن الرواية الحديثة مازالت تُكتب حتى يومنا هذا، وقد يتصوّر بعض القرّاء من غير المعنيين بالرواية أن مفردة (الحديثة ( Modern تعني (المعاصِرة (Contemporary أينما وردت في الدراسات النقدية والسردية الحديثة في عصرنا الراهن، وهذا خطأ فادح مردّه إلى شيوع الفهم السائد بأن كلّ لون روائيّ ينفي (جدلياً) اللون الروائيّ السابق له ويركنه في رفوف النسيان، وهذا أمر يمثّل خطأً من الناحية المفاهيمية، إذ لايمكن الحديث (سواء من الناحية الواقعية أو من الناحية المفاهيمية) عن موت أيّ جنس روائيّ ؛ إذ لايزال الكثير من القرّاء يجد لذّته العظمى في قراءة الكلاسيكيات الروائية أو الروايات التي وسمت عصر الحداثة أو مابعد الحداثة – الأمر الذي يوفّر دليلاً مادياً ملموساً على استمرارية حياة تلك الألوان الروائية. يمكن القول أنّ الرواية تعيش عصوراً ذات مواصفات محدّدة كفيلة بتمييز كلّ عصر بسماتٍ خاصة ؛ فيقال عصر الرواية الكلاسيكية أو عصر الرواية الحديثة ،،، الخ .
ويُلاحظ عند دراسة تأريخ الأفكار أن كلّ عصر أسقط بعضاً من الخصائص الفكرية السائدة فيه على منتجاته الروائية، مثلما يمكن القول إن روائييّ تلك العصور تمثّلوا تلك الخصائص ووظّفوها في رواياتهم، ومازالت هذه الحالة التبادلية جارية حتى يومنا هذا . يمكن دون شك أن يطال الانكفاء والتراجع تلك العصور بفعل المؤثرات التقنية والفكرية (مثلما فعلت ثورات الحداثة في شكل رواية الواقعية التصويرية على سبيل المثال وجعلتها ترتقي الى مصاف رواية الحداثة)؛ غير أن الواقعية صارت في خضمّ رواية الحداثة تأخذ أشكالاً غير مطروقة من قبل، ويبدو هذا الأمر أقرب إلى نوع من التأثير الجدليّ الذي يصحّ مع كلّ المنتجات الفكرية التي تتأثر بعوامل الزمان والمكان والبيئة السائدة.