خاص-ثقافات
يوسف غيشان*
تقول الأسطورة ” إنه في قديم الزمان ، حيث لم يكن على الأرض شريعة ، كانت الفضائل والرذائل تطوف العالم معاً. ثم بدأتا تشعران بالملل. اقترح الإبداع لعبة أسماها (الاستغماية) أحب الجميع الفكرة. صرخ الجنون: أريد أن ابدأ أولا. أنا من سيغمض عينيه ويبدأ بالعد وأنتم عليكم الاختفاء مباشرة بعد ان انتهي. ثم اتكأ على شجرة وبدأ يعد: واحد ، اثنان ، ثلاثة.. فيما بدأت الفضائل والرذائل بالاختفاء
وجدت الرقة مكاناً لنفسها فوق القمر فيما اخفت الخيانة نفسها في كومة نفايات. تسلل الولع بين الغيوم ومضى الشوق الى باطن الأرض. وقال الكذب بصوت عال: سأخفي نفسي تحت الحجارة ثم توجه الى قعر بحيرة
استمر الجنون بالعد: تسعة وسبعون ، ثمانون ،. خلال ذلك أتمت كل الفضائل والرذائل تخفّيها ، ما عدا الحب. كعادته ، لم يكن صاحب قرار ، فلم يقرر أين يختفي. صعب عليه أن يختفي. فاذا استطاع ان يصمت تحكيه العيون ، واذا لم تحكه ، يظهر على الوجه وتحكيه الأنفاس. وان لم يكن ظاهراً على الجسد فان له رائحة (كرائحة البرقوق) تفوح من كل أماكن الاختباء.
تابع الجنون العد: خمسة وتسعون ، ستة وتسعون.. وعندما وصل الى مئة قفز الحب الى وسط حديقة ورد واختفى داخلها. فتح الجنون عينيه وبدأ البحث صائحا: أنا آتْ اليكم ، آتْ اليكم. كان الكسل أول من انكشف لانه لم يبذل أي جهد في اخفاء نفسه. ثم ظهرت الرقة المختفية في القمر. بعدها خرج الكذب من قاع البحيرة منهكاً مقطوع الانفاس واشار على الشوق ان يرجع من باطن الأرض.
وجدهم الجنون جميعاً. واحداً تلو الآخر. ما عدا الحب. كاد يصاب الجنون بالاحباط واليأس في بحثه حتى اقترب منه الحسد وهمس في أذنه: الحب مختف في حديقة الورد. التقط الجنون شوكة أشبه بالرمح وبدأ في طعن شجيرات الورد بطيش جنوني. لم يتوقف حتى سمع صوت بكاء حزين.
ظهر الحب مخفياً عينيه براحتيه والدم يقطر من بين اصابعه. صاح الجنون: يا الهي ماذا فعلت؟،، كيف اكفّر عن خطأي بعد أن افقدتك البصر؟ أجابه الحب: لن تستطيع اعادة النظر الي. لكن ثمة ما نستطيع فعله لأجلي: كن دليلي
ومنذ ذلك اليوم يمضي الحب أعمى ، يقوده الجنون.
______
*كاتب أردني
ghishan@gmail.com