خاص- ثقافات
عن دار (الآن؛ ناشرون وموزعون) في عمّان، صدرت الطبعة الجديدة والمزيدة والمنقّحة من كتاب (الدولة والمذهب؛ جدل السُّلطة والسُّلطة الموازية في الفكر الإسلامي) لمؤلفه الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق. الطبعة الجديدة من الكتاب جاءَت في (140) صفحة من القطع الكبير ووشِّحت بلوحة للفنان صلاح شاهين، وقد اشتمل الكتاب على مقدّمتين وخمسة مباحث ومسرد خاص بالمصادر والمراجع فضلا عن قائمة بإصدارات الكاتب. وقد تناول الكاتب في المبحث الأول علاقة الأمويين بالمذهب المالكي في الأندلس مرورًا بالمذهب الأوزاعي وتوقّف مطوّلا أمام محنة أتباع المذهب المسَّرِّي على يد عبد الرحمن الناصر، ودرس في المبحث الثاني التصوّف في القرن العباسي من خلال تجربة أبي يزيد البسطامي مبرزًا ذلك الإمعان في قمع الذات تمهيدًا لما تمخّضت عنه الصوفية من حركية اجتماعية وسياسية أفضت مع الطريقة القادرية وصلاح الدين الأيوبي إلى استئصال المذهب الفاطمي من الشام ومصر والمغرب العربي، وقارب في المبحث الثالث موقف ابن خلدون من علم الكلام والفلسفة مظهرًا الوجهة البراغماتية في الفكر الخلدوني والتي تجلّت في تغييب دور المعتزلة على صعيد التأريخ لعلم الكلام وإبراز دور الأشاعرة ثم العمل على نفي الحاجة إلى علم الكلام والفلسفة برمّتهما تناغمًا مع المزاج السلفي الصوفي السائد في مصر، وعاين في المبحث الرابع موقف السلفية الحديثة من المركزية الأوروبية من خلال تجربة جمال الدين الأفغاني، وسلط الأضواء على محنة السُّنّة في العصر العباسي من خلال المواجهة التي اضطر الحنابلة لخوضها مع المأمون وخلفائه من بعده.
الطبعة الجديدة التي أهداها الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق إلى (“العقل الجميل” بكل تجلّياته؛ وهو يضيء ردهات أرواحنا التوّاقة لتلمّس أطراف الحقيقة) استهلها في المقدّمة الثانية قائلاً: (حينما صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في عام 2000، صادفت كثيرًا من الاستحسان لدى المشتغلين في الفكر العربي والإسلامي، فيما تصدّى لها بعض الأدعياء بالنقد، انطلاقًا من زعمهم بأن الوطن العربي -آنذاك- كان يتهيّأ للقيام بقفزة كبيرة باتجاه الحداثة والديمقراطية وتكنولوجيات الاتصال، وقد بدا لهم هذا الكتاب -في ذلك الوقت- ضـربًا من النكوص باتجاه إشكاليات الماضـي السحيق التي لم تعد مؤهَّلة للحضور أو للفعل في الواقع العربي! ومع ضـرورة التذكير بأن هؤلاء الأدعياء، كانوا يديرون أسطوانة لا يفقهون مفرداتها، بدليل أنهم سلّموا بأن الكتاب ينتمي إلى الماضـي السحيق لمجرّد أنه يحاور عددًا من إشكاليات وثنائيات القرن الثاني والثالث الهجريين بوجه خاص – دون أن يلمّوا بتفاصـيلها طبعًا- فقد فاتتهم حقيقة أن هذه الإشكاليات والثنائيات ظلّت تُنْتَج ويُعاد إنتاجها بصورة أو بأخرى على امتداد الوطن العربي، إلى الحد الذي يمكن الزعم معه بأن الوطن العربي هو الحاضنة المثلى لتلك المقولة العتيدة (التاريخ يعيد نفسه)؛ وهذا ليس بالمستغرب في ظل سرديّة نمطية يمكن التنبؤ سلفًا بدوراتها التاريخيّة وما يصاحب هذه الدورات من أفعال وردود أفعال).
المؤلّف الذي أهدى الطبعة الأولى من الكتاب في عام 1999 إلى (الصديق والأستاذ والمفكر العربي الكبير الدكتور فهمي جدعان) نوّه في المقدّمة الأولى للكتاب بذلك (التطابق في الأدوار على رغم التناقض في الرموز على نحو تراجيدي؛ فالمأمون العباسـي في بغداد يشـرع في حملة تطهير فكري ظاهرها عقائدي وباطنها سـياسـي بحت، فيذهب ضحيتها غير قليل من أئمة السُّنّة الذين رفضوا التسليم بمعظم مقولات المعتزلة. والناصـر الأموي في قرطبة، يشـرع بعد أكثر من مئة عام، في حملة تطهير فكري ظاهرها عقائدي وباطنها سـياسـي أيضًا، فيذهب ضحيتها غير قليل من رجالات المعتزلة «المسَـرِّيّين» الذين لم تستهوهم مقولات المذهب المالكي. ومما يسترعي النظر في هذا التناقض في الرموز وهذا التطابق في الأدوار، مبادرة الخليفتين إلى إعلان «التطهير» في أعقاب نجاح كل منهما في تطويع الجبهة الداخلية بوجه خاص والإبقاء على الجبهة الخارجية مشتعلة بوجه عام، عبر رسالتين موجّهتين منهما إلى موظّفيْن تنفيذيّين. كما يسترعي النظر اتجاه معظم المؤرّخين والباحثين قديمًا وحديثًا إلى تحميل المعتزلة وزر المحنة التي شنّها المأمون ومن تلاه، وإلى تحميل فقهاء المالكيّة وزْر تعصّب الأندلسـيين والمحنة التي شنّها الناصـر ومن تلاه).
وبخصوص الجديد في الطبعة الثانية للكتاب، يستدرك الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق قائلاً: (حتى لا تبدو هذه الطبعة الجديدة من كتابي (الدولة والمذهب)، مجرّد استعادة حرفية للطبعة الأولى، فقد رفدتها بمبحث عن التصوّف في العصر العبّاسي، من خلال استقراء وتأويل تجربة وعبارات أبي يزيد البسطامي الصوفية. ومع أنني أعترف سلفًا بأن تجلية إيقاع الصراع قد خفتت في هذا المبحث خفوتًا شديدًا – مقارنة بسائر مباحث الكتاب- إلا أن حرصي على استيفاء المشهد المذهبي في العالم العربي الإسلامي، قد أملى عليّ ضرورة ملء هذا الفراغ؛ فليس من العدل أن تشتمل الطبعة الأولى على مقاربات – بنسب متفاوتة- للسُّنَّة والشِّيعة من جهة، ولمذاهب الأوزاعية والخوارج والمالكية والحنابلة من جهة ثانية، ولمذاهب المعتزلة والأشاعرة والظاهريّة من جهة ثالثة، ثم لا تشتمل الطبعة الجديدة على مقاربة للتيار الصوفي الذي مثَّل – وما زال يمثِّل- طيفًا إشكاليًا رئيسًا في الواقع العربي. كما رفدت المبحث الخاص بمحنة المعتزلة وبفكر الدكتور فهمي جدعان باستدراك ضروري في ضوء كتاب (تحرير الإسلام) الذي يجسّر الفجوة التاريخية القائمة بين القرن الثالث الهجري والقرن الواحد والعشرين).
ويذكر أن الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق الذي درس الفلسفة والأدب العربي في الجامعة الأردنية وتخرّج منها في عام 1996 حاصلاً على الدكتوراه في النقد، يعمل عميدًا لكلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا الأردنية ورئيسًا لجمعية النقاد الأردنيين، وقد أصدر تسعة عشر كتابًا حتى الآن، في حقول السّرد والنقد الأدبي والفكر العربي؛ حيث أصدر في السّرد: نقوش البياض، قصص قصـيرة/ 1992، ليالي شهريار، قصص قصـيرة/ 1994، ما تيسَّـر من سـيرته، رواية قصـيرة/ 2010، بعض ما أذكره، سـيرة ذاتية/ 2016، لذّة السّرد؛ النصوص القصصية ومراياها/ 2017.
وأما في حقلي النقد الأدبي والفكر العربي فقد أصدر: الزمان، المكان، النص: اتجاهات في الرواية العربية المعاصـرة في الأردن/ 1993، مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني/ 1994، الأخلاق في النقد العربي: من القرن الثالث حتى القرن السادس/ 1999، جهة خامسة: دراسات تطبيقية في أدب نجيب محفوظ/ 1999، الغاية والأسلوب: دراسات وقراءات نقدية في السـرد العربي الحديث في الأردن/ 2000، بين الموروث والنهضة والحداثة: صور من جدل النقد في الأدب العربي/ 2001، ثلاثاء الرّماد: مقالات حول الغرب والعرب في عام الحقيقة/ 2003، الثقافة والحياة العربية: معاينات في ضوء مقولة صدام الحضارات وتحديات العولمة/ 2006، تأويل الكلام: دراسات تطبيقية في الشعر وأحوال الشعراء/ 2007، حنين مؤجَّل: دراسة، مقالات، حوارات مع احسان عباس/ 2009، الأعرابي التائه: مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية/ 2010، الرَّمز والدلالة: مقاربات تطبيقية في الشعر العربي/ 2010، بساط الريح: دراسات تطبيقية في أدب الرحلات/ 2015، الصوت والصدى: مراجعات تطبيقية في أدب الاستشـراق/ 2016. كما سبق للكاتب تيسير النجار أن أصدر عنه ومعه كتاب بساط السؤال؛ حوارات مع غسان إسماعيل عبد الخالق (1992-2002) في عام 2002.