هنري ميلر: الكتاب مثل المال يجب أن يكون متداولاً

*عصام أبو القاسم

عاش الروائي والرسام الأميركي هنري ميلر، حياة ليست بالقصيرة امتدت بين 1891 1980، أمضاها بين الكتابة والرسم والتمثيل والتجوال بين الولايات المتحدة وفرنسا واليونان وسواها من بلدان العالم. وقد تعرف القارئ العربي إلى معظم روايات الكاتب الأميركي الجريئة والتي تتميز بطابعها البنائي الذي يمزج السرد والتداعي السيري والنثر الشعري وترتكز غالباً على حياته الشخصية. ميلر يظهر في كتابه «الكتب في حياتي» كقارئ واسع الاطلاع، بل كشخص لم يكن لديه من عمل سوى قراءة الكتب وتمحيصها وفرزها، قيمةً كانت أو رديئة، كما أن قراءة هذا الكتاب قد تغير كثيراً من انطباعات القراء حول الاهتمامات الشخصية لصاحب رواية «مدار السرطان»، الذي يورد في تقديمه لهذا الكتاب أنه لاحظ أن الشبان مؤخراً باتوا يميلون إلى قراءة الكتب الميتافزيقية والصوفية، بالإضافة إلى الإباحية والبذيئة، وهو يأمل أن يساعدهم كتابه الجديد في إيجاد أجوبة وإشارات تدلهم إلى ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم!

نقل الكتاب إلى العربية أسامة منزلجي، وصدر عن دار المدى في نحو 500 صفحة من القطع المتوسط، وكان مؤلفه يعتزم أن يضيف إليه أجزاء أخرى ولكنه رحل قبل أن يقدر.

ويندرج الكتاب في 14 قسماً، وفي كل قسم ثمة عشرات من أسماء الكتب والكتّاب في كل حقول المعرفة تقريباً، ولكن بصفة أوضح في الآداب والفنون، وفي نهاية الكتاب، ثمة لائحة من مئة عنوان لكتب قرأها ميلر وكان لها أشد الأثر عليه، ولا تتضمن أي اسم لكاتب أو مصنف عربي، وهناك لائحة أخرى لكتب تمنى أن يقرأها.
في تقديمه لكتابه، يتكلم ميلر عن رؤيته للقراءة ويستعرض عاداته، وهو يركز بصفة خاصة على مسألة تبادل الكتب بين الأصدقاء، ويلح على أن الكتب تبقى حية «عبر التوصية المحبة التي يقدمها قارئ لآخر»، مشيراً إلى أن الميل للتشارك بين الناس في أعمق تجاربهم لا يمكن أن يُخنق أبداً، مؤكداً أن قيمة الكتاب تكمن في تنقله بين الناس فـ «الكتاب مثل المال يجب أن يكون متداولاً». ويزيد موضحاً «عندما تمتلك كتاباً ذا عقل وروح، تغتني. ولكن حين تعطيه لشخص آخر تغتني ثلاثة أضعاف». وينصح الكاتب الأميركي بالاقتصاد والتركيز في القراءة، ويقول: «أقرأ أقل ما يمكن وليس أكثر ما يمكن».

وفي موضع متقدم من حديثه، يفرق بين أشكال صلاتنا بالقراءة، خصوصاً في أيامنا الأولى، ويورد في هذا السياق أن علاقاتنا بالكتب دائماً مرتبطة بحافز ما أو بعقوبة أو حالة شعورية مثل الكآبة، كما أن الكتب التي تصادفنا في أيام الطفولة غالباً ترسخ في أذهاننا بصورها وأحجامها وأغلفتها، ونحن لا ننتقيها وهي تفرض علينا، خاصة، إما عن طريق الوالدين أو المدرسة.

بتقدير عال يسجل ميلر في أقسام كتابه الأخرى أثر القراءة على حياته ومنجزاته الإبداعية وحياة وابداعات كتّاب عرفهم ولا ينسى أن يدون ملاحظاته ومشاعره كقارئ مخلص، مدفوعاً برغبة عميقة لمشاركتنا كقراء خبراته في هذا المضمار.
_______

*الاتحاد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *