شيللا هيتي تحكي «كيف يجب أن يكون المرء»




*شاكر نوري

تلقي الكاتبة الكندية الشابة شيللا هيتي، التي حققت روايتها “كيف يجب أن يكون المرء؟”، أخيرا، أفضل المبيعات في الولايات المتحدة وكندا، الضوء على ظروف تأليفها روايتها الكبيرة، من خلال هذا الحوار الذي أجرته معها ليز هوغار، ونُشره الملحق الأدبي “ذي نيو ريفيو” في صحيفة “الأوبسرفير” البريطانية، في 20 يناير 2013.

-أجريت في عملك “كيف يجب أن يكون المرء؟”، بعض الحوارات مع الأصدقاء، من خلال بريدهم الالكتروني، وأطلقت عليه عملاً فنياً وليس مذكرات.. ما سبب ذلك؟

يصّب جزء من تأليف هذا الكتاب، في جوهر السؤال التالي: “هل أستطيع أن أؤلف كتاباً بحيث لا أكون مؤلفته الوحيدة؟ أي أن أشرك معي مؤلفين آخرين، دون أن أكون الكاتبة الوحيدة. ولكن رؤيتي تأثرت بما قابلته في الناس، وما تعلمته من الناس. فالعملية الابداعية تذهب إلى أبعد من الجمهور.

وعرضت العمل على صديقي مارغو ويليامسون، وعلى عدد من الأصدقاء، على امتداد الزمن. كنت أفكر بمصدر مفتوح على برنامج الكتروني، إلا أن الذين لا يفهمون في ماهية تقنيات العمل عبر الكومبيوتر غير قادرين على الدخول فيه. ولذلك يجب القول إنني استوحيت روايتي من مقالة على الانترنيت وهي”الكاتدارئية والبازار”. وطبعا، لم أكن أرغب في تشييد كاتدرائية بل أردت من الكتاب أن يكون عبارة عن سوق ضاجة بالأحداث.

مونولوج

-هل يعني ذلك، أن العمل تسوده العامية من حيث اللغة والأجواء؟

إن اندفاع الكاتب يؤدي إلى تكوين جمل وعبارات جميلة بقدر الامكان، بل عليه أن يذهب إلى أبعد من الكلمات، ولكن ذلك ربما لا يعني شيئاً بالنسبة لكتابي، لأنه عبارة عن مونولوج، شخصية تتحدث إليك. ولافت هنا أن بعض الناس يعتقد أنني لا أعرف كيف أكتب: (تضحك من أعماقها). هذا أمر سخيف. فكتابي ينضوي تحت تصنيف اللغة الأدبية. أمضيت وقتاً طويلاً من أجل فهم العامية التي يتحدث بها الناس.

عالم صامت

-هل تربيت على فكرة الخوف من الثقافة، كونك ابنة مهاجرين مهمشين، ما رأيك في هذا الخصوص؟

لم يكن مسموحاً لي أن أشاهد أفلام الفيديو عندما كنت صغيرة. تلك كانت البيئة المحيطة بي. وأحسست بطغيان موسيقى البوب على ثقافتي. ولم أكن أتصوّر أن أضع كتاباً بهذا الشكل. فقبل تأليفه لا أعرف عن موسيقى البوب أكثر من ما كنت أعرفه عنها قبل عشرة سنوات. إنني أعيش في عالم صامت، عدا عن بعض النقاشات.

-يقال إن مسلسل “التلال” التلفزيوني، استوحى بعض حواراته من كتابك، هل هذا صحيح؟

صحيح. نسخت بعض المشاهد ودهشت، أن هذه الشخصيات تتحدث مثل ما يتحدث الناس في الواقع. ويشبه ذلك ما يقوم به الكاتب الايرلندي الكبير صموئيل بيكت، ذو الروحية المنفتحة والغامضة. عادة ما نقابل شخصيات لا نجد معها موضوعاً للمحادثة، بل مجرد كلمات، ولكن سرعان ما نتعمّق مع الشخصيات التي يتولد التواصل معها.

” احب الرسم”

-هل يمكن أن تخبرينا عن تجربتك مع الرسام مارغو، بينما كنتما تعيدان رسم لوحة مانيه الشهيرة “غداء على العشب”؟

مع كل مخاوفي من الرسم، أكن حباً كبيراً إلى مانيه. فعندما عرض لوحاته في صالون باريس، وُجهت إليه انتقادات كونه رجلا عاميا ولوحاته قبيحة. وهذا ما لا أجده بمثابة المأخذ. فحين تنظر إلى لوحاته في الوقت الحاضر، تتبين أنها توحي إليك بأنها تعمل على تغيير الأشياء من حولك.

رؤية خاصة

-يرى النقاد أن المشاهد الجنسية قوية في روايتك، فهل تأثرت في هذا الصدد، بهنري ميللر، مثلاً؟

إنني أحب هنري ميللر وطريقته في معالجة الموضوعات التي تتحدث عن الجنس في حياتنا، من دون زخرفة وتنميق يجافيان الواقع ويبتعدان ع الشفافية. . أعتقد أنه يمكن الحديث عن القضايا الإنسانية بطريقة عميقة وهادئة، من خلال هذه الركائز.

-هل قرأت رواية “خمسون ظلاً لغري”؟

حاولت قراءة هذه الرواية، لكن هناك صفحات لم أتمكن من قراءتها.

“ذائقة الرواية”

-هل يمكن أن تُنقل روايتك إلى الشاشة؟

هناك فكرة لنقل روايتي إلى الشاشة، لكن النهج السردي هو الشيء المهم فيها. ولا أريد أن يرى الناس هذه الممثلة أو تلك لكي يتخيلوا شيللا، بطلة الرواية، عندما يقرؤونها. أقول لا لنقلها إلى الشاشة من أجل الحافظ على تذوّق الرواية.

حبكة إبداعية تمزج السيرة الذاتية بالفن والفلسفة

نُشرت رواية “كيف يجب أن يكون المرء؟”، في سبتمبر من عام 2010، حيث تصف فيها شيللا هيبي، الحقائق التي اعتمدتها على تسجيل الحوارات مع أصدقائها، وخاصة الرسام مارغو ويليامسون. والرواية نُشرت للمرة الأولى في كندا، قبل أن تنشر في الولايات المتحدة في عام 2012، من قبل هنري هولت.

واختارتها صحيفة ال “نيويورك تايمز”، ضمن قلئمة أفضل 100 رواية لعام 2012 . كما عدها الناقد جيمس وود في مجلة “نيويوركر” روايتها، أفضل كتب العام. وهذا بينما كتبت شيللا عن روايتها: “إنني قليلة الاهتمام بالكتابة عن الناس المتخييلن، لأنه أمر متعب، فمن الصعوبة البالغة أن نخلق شخصية متخيلة وقصة مزيفة. لا أستطيع أن أفعل ذلك”.

سرد شائق

أحدث نشر الرواية في الولايات المتحدة، ضجة كبيرة واستحوذت على قطاع كبير من القراء والنقاد، لأنها عبارة عن مزيج من الذكريات والرواية والفلسفة، تتميز بسردها بناء على صيغة المسلسلات التلفزيونية. وبطلة الراوية هي شيللا أيضاً، مثل اسم الكاتبة، وهي كاتبة مسرحية، مطلقة حديثاً، تعاني من عقدة الكاتب الكلاسيكي. وجدير ذكره هنا، ان شيللا (الروائية)، تطلقت فعليا، في الحياة الحقيقية، من زوجها منذ ثلاثة أعوام. وكذا هي تحاول كتابة مسرحية لفرقة مسرحية نسائية، ثم تحولت منها، إلى كتابة رواية “كيف يجب أن يكون المرء؟”.

تقع أحداث الرواية في المدينة الأصلية للكاتبة، تورنتو الكندرية. وتطرح الرواية، أسئلة تعود إلى القرن التاسع عشر مثل: ماذا يعني أن تكون فناناً؟ ما هو القبيح، وما هو الجميل؟ كيف نعيش في خضم حياة أخلاقية؟

وتكمن أهمية الرواية، في أنها وضعت فيها الكاتبة، تفاصيل حياتها الشخصية، تماما مثلما فعل هنري ميللر في رواياته.

مقطع من الرواية

“..في تلك الليلة، بعد أن أمضى عدة ساعات في تمثيل دور النجم في مسرحيتي المستحيلة، قررت في نهاية المطاف أن أخبر المسرح لكي أسحب الدور منه. كنت أعمل على هذه المسرحية لسنوات عديدة، ولم أتمكن أبداً أن أقترب من جعلها شيئاً جمالياً.

كانت تقاومني كلما اقتربت منها. لذلك غادرت شقتي، مكبوتة، وخرجت لحضور حفلة احتفال بصدور ثلاثة كتب شعرية في العالم. كانت الحفلة تجري في غرفة كرنفالية واسعة، مع وجود دكة هي عبارة عن مسرح.

والسقف مصبوغ باللون البني. وهناك ديسكو كبير موضوع في الوسط، والخشب كان مدهوناً بأصباغ لماعة.. تساءلت فيما لو أستطيع أن أحب الصبي الواقف الذي رأيته في آخر الغرفة، شعره بني داكن، كأنه مغسول للتو، وكان لونه طبيعياً”.

وتضيف الكاتبة في روايتها: ” عندما خطا من بين الحشد المكتظ وتقدم نحوي. التوت معدتي. استدرت نحوه وشعرت بالانجذاب إليه. لم أستطع أن أترك نفسي تتكلم. عندما بدأت أحدق فيه من الجانب، شعرت بإحساس ضعيف، وبأن مصيري مرتبط بمصيره. كما لو أننا لم نكن واقفين بجوار بعضنا البعض في السلم، بل واقفين على قمة جبلين منفصلين بعيدين، وواد عميق وممر ضيق يفصل بيننا.

في تلك اللحظة، أيقنت واعية في جسدي، كم كان مستحيلاً أن أعبّر ذلك المدى البعيد لكي التحق به. .ارتجفت وأنا أتحدث إليه، بدأت أقلق حول الانتهاء من كتابة مسرحيتي.. شعرت بأنني التصق بالأرض بجواره. وعندما سألني أن أغادر معه الحفلة، بدأت أقول لنفسي:( إنني عزباء الآن)..

تجولنا سوية أثناء الليل البارد، لساعتين أو ثلاث ساعات، على الطريق الممتدة إلى البحيرة. قلت له: يمكنني أن أتمشي معك في كل مكان. لاحظ أشكال البنايات، وأشياء أخرى لم ارها، وهو يؤشر إلى هذه وتلك من الأشياء. رفض أن يتفق معي حين قلت له بأنه قادر أن يحب أي شخص. قال: لا. إنني سعيد بأنك تسرين في دمائي وتتمتعين بمصاحبتي”.
___________
* (البيان)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *