روج ون(1)/ 2016: قصة حرب النجوم

خاص- ثقافات

*مهند النابلسي

“… فهذه حقيقة الحروب، حيث يظهر الطيبون كأشرار، والأشرار يظهرون كأخيار”!

(تقديم نمط جديد فريد من الكتابة النقدية السينمائية)

 

يقوم المتمردون وحلفاؤهم بمبادرة جريئة لسرقة “الخطط” من النجم الميت وتحطيمها قبل أن تنفذ وتسبب الكوارث، وتقودهم “جين ايرسو” ابنة مصمم السلاح الخارق “اللامبالي”…هكذا تستهل هذه “الساجا” السينمائية ببساطة، ملحمة فضائية رائعة من إخراج البريطاني “جاريث ادواردز” (صاحب غودزيلا)، ومن كتابة كل من “كريس وايتز وتوني جيلوري”، وتمثيل نخبة من الممثلين منهم: فيليستي جونز، ديغو لونا، الآن توديك، بين ميندلسون، دوني ميكلسن، ريز احمد، جيانغ وين وفورست ويتاكر…أما تفاصيل هذه القصة الفضائية “المتشابكة” الشيقة فسأعرضها في الفقرات التالية:

(1) يكون عالم الأبحاث القدير جالين ايرسو وعائلته مختبئين، عندما يجبره مدير “الأسلحة الامبرطورية المتطورة” اورسن كرينيك جالين للعودة صاغرا للعمل في “مشروع كرينيك” الغير منجز “النجم الميت”، الذي هو عبارة عن محطة فضائية قادرة على تحطيم الكواكب…وتحدث اشتباكات تؤدي لمقتل زوجة العالم وهروب الابنة التي يؤمن لها “سوجيرا” الحماية…وبعد خمسة عشر عاما، يقوم طيار مركبة الشحن الامبرطورية المخلص “بودهي روك” بتهريب رسالة “هولوغرافية” من العالم الهارب “جالين” للحلفاء المتمردين “كجيرا” في كوكب “جيدها”، ثم يتم تحرير جين من الأسر الأمبرطوري بواسطة المتمردين، اللذين كانوا يخططون لاستخدامها كرهينة لتعقب والدها وتصفيته لمنعه من اكمال مشروعه الخطير.

(2) تصل “جين” مع كل من قائد المتمردين “سايني آندرو” والأندرويد الطريف الذكي “K-2SO” ل”جيدها” لايجاد “جيريرا، حيث ينغمس المتمردون بهجوم مسلح ضد الأمبرطورية لاستخراج “كريستال” من الكوكب لشحن سلاح الدمار الشامل، بمساعدة محارب شجاع أعمى يدعى “شيروت ايموي” ومرتزق “بينر مالبوس”، وتتوصل جين اخيرا للقاء “جيريرا” الذي يأسر “رووك”، ثم يعرض لها “سو” الهولوغرام  الذي يكشف فيه والدها حبه الشديد لها وتفاصيل مشروعه السري ومنها “امكانية تفجير المفاعل من داخله”، ثم يخبرها بأن الخطط محفوظة بأمان في بنك معلومات سري في الكوكب “سكاريف”.

(3) يلتقي “جراند موف تاركين” مع “كرينيك” في الكوكب الميت ليسخر من مشروعه وطريقة ادارته، ويدافع كرينيك عن وجهة نظره بعرض قذيفة “متدنية القوة” من السلاح لتدمير عاصمة “جيدها” وقتل المسلحين تحت قيادة “جيريرا”، مجبرا “جين” ومجموعتها للهروب، فيما يقتل “جيريرا” بعد ان يقي يقاوم ببسالة، وهكذا يهنىء تاركين كرينيك، مستخدما اجراءآته المنية الصارمة للتحكم بالمشروع.

(4) تتعقب “جين” والدها لمرافق الأبحاث الامبرطورية، ولكنه يتعرض لجروح قاتلة أثناء الهجوم والمطاردات وتفجيرات الثوار، ثم يموت بين يديها، وقبل ذلك يعترف صراحة لكرينيك بأنه كان مسؤولا عن التسرب المعلوماتي، ولكنه لا يفصح تفاصيل التسرب، فيسعى “كرينيك” لاخلاء الكوكب، وينجح المتمردون بالهروب في مركبة شحن مسروقة!

(5) تتعقد الامور فتقدم “جين” خطة لسرقة مخططات “النجم الميت” من كوكب “سكاريف”، ولكن مع وفاة والدها ومقتل جيريرا وفقدان الهولوغرام، لا يملك قادة المتمردين وسيلة للتحقق من صدق روايتها، وبالتالي فهم لا يوافقون على الخطة، ويصيب ذلك جين بالاحباط، فتقوم مع آندرو و “K-2SO” وبعض الثوار المخلصين باستخدام المركبة المسروقة لغزو بنك المعلومات للبحث عن تفاصيل المشروع، بينما يقوم باقي المتمردين بزرع المتفجرات واشعال النيران بغرض تشتيت انتباه حراس الأمبرطورية…ثم يهرب المتمردون ويهاجمون “المحطة الفضائية” التي تتحكم في بوابة حماية الكوكب، وتحصل جين اخيرا على خطط “النجم الميت” من البيانات، بمساعدة “كرينيك” الذي يراجع اتصالات “جالين” لاكتشاف طبيعة “المعلومات المسربة”، ويتحطم الأندرويد الروبوتي ” K-2SO” أثناء هجوم قوات الصاعقة على الموقع، كما يقتل خلال العملية الهجومية الضارية كل من “رووك، ايموي، مالبوس وآخرين، وتحدث مواجهة حاسمة بين “جين وكرينيك”، حيث يعلن بدوره “الانتصار الحتمي للامبرطورية، ولكنه يقتل فجأة من قبل “آندرو”…

(6) يستخدم تاركين النجم الميت لتدمير القاعدة الفضائية، بينما تستخدم “جين” نظام الاتصالات في القاعدة لارسال مخططات النجم الميت للحلفاء في مركبة القيادة الفضائية المنطلقة في الأعالي…ثم يقتل كل من “كرينيك وجين وآندور” متأثرين باحتراق القاعدة…  وتقوم وحدة الأمبرطورية الضارية بقيادة “دارت فيدر” بمواجهة سفينة المتمردين الهاربين، ويستعيد “فيدر” الخطط المسرقة، بينما يحارب المتمردون بضراوة لاستعادة المخططات وينجحون بالهروب، وتعترف الأميرة “ليا” بأن الخطط المسرقة ستمنح المتمردين والثوار أملا جديدا في المستقبل…

يوضح المخرج “جاريث ادوارد” نمطية الفيلم المشابهة لفيلم حربي حديث…فهذه حقيقة الحروب، حيث يظهر الطيبون كأشرار، والأشرار يظهرون كأخيار، انها قصة سينمائية معقدة وذات طبقات مع سيناريو غني مدهش يسمح بانجاز ملحمة سينمائية لافتة…ليس غريبا على صاحب تحفة “غودزيلا” ومؤثراتها الصاخبة المرافقة للوحوش النووية النارية وزئيرها المرعب وتمزيق المدن وناطحات السحاب…ليس غريبا ابداع هذا التناغم المدهش في المعارك الضارية كما ظهرت في آخر الشريط، ولكن بالحق فقد أثرت كثرة المعارك والمطاردات والمواجهات لضياع قدرة المشاهد على متابعة مصائر بعض الشخصيات وبالرغم من ذلك فقد انبهرنا حقا بجماليات المشاهد القتالية ومع التنوع الجاذب المبتكر لأنواع الروبوتات المتمثلة بالمركبات والطائرات والمدرعات والكائنات القتالية والوحشية المظهر التي اعطتنا فكرة عبقرية عن التصميم المستقبلي لهذه “الكائنات والوحوش والروبوتات” الفضائية الخارقة (ولا أفهم شخصيا كيفية التغلب الانساني عليها بمثل هذه البساطة والبسالة القتالية التي ظهرت في الشريط!) ، ومن منا يمكنه أن تجاهل مقولة “الراهب الأعمى” وهتافه العنيد الغريب “أنا مع القوة والقوة معي” في “فانتازيا الخيال العلمي الخارقة ” هذه…كما أبدع الممثلون جميعا باداء ادوارهم باحترافية عالية وتقمص مدهش: فيليستي جونز، ديغو لونا، آلن توديك، دوني ين، بن مندلسون، مارس ميكلسن وريز احمد، وقد وصف الممثل “راين ويلسون” الفيلم بأنه “مدهش وممتع ومثير، ورائع بشكل لا يصدق”…وبالرغم من كثرة التفاصيل في الشريط الا ان قصته بسيطة للغاية فهو يتحدث عن ابطال يقومون بمهمة سرقة مخططات النجم الميت التي تمثل سلاح الامبرطورية الخارق، وهنا تكمن المفارقة فالحدث الرئيسي يروي  امكانية تحويل الناس العاديين لأبطال خارقين يتفوقون على أنفسهم، كما يتحدث الفيلم الفضائي حول نفس الثيمة تقريبا: امكانية مواجهة النظام الأمبرطوري الكوني من قبل عصابات يائسة  ومحبطة وذات عزيمة من المتمردين والثوار، والسؤال الجدلي الصارخ هنا يكمن في مغزى استمراية ثلاثية “الاستبداد والطغيان والشر” في مستقبل البشر الفضائي؟ فهل ستتطور التكنولوجيا وغزو الفضاء والمجرات والكواكب، ويبقى البشر على وحشيتهم وهمجيتهم وصراعاتهم البيولوجية الجينية بلا تطور ورقي وارتقاء حضاري توافقي انساني: “أنت تخلط بين السلام والارهاب” تحتج “ايرسو” ويسخر “كرينيك” “حسنا، عليك ان تبدأ من مكان ما”! هكذا يتم احياء روح القيادة لدى الفتاة الجامحة من قبل المتمردين لتقودهم لعمل بطولي خارق، كما يستحضر الفيلم الشيق الصور”الأيقونية” لحروب “النورماندي وفيتنام” بضراوتها وقسوتها ووحشيتها، ويدخل للسلسلة الفضائية شخصيات جديدة متنوعة كالصيني والمكسيكي والبريطاني الأسود ويستثني العربي (ولا اعرف لماذا؟) في مقاربة فضائية بصرية مدهشة ولكنها تخلو من العظمة والعمق والاستبصار، وتفتقد لحبكة سردية كما تفتقد للسحر والنزوات، مع تركيز كبير على “المعارك الضارية والقتل والتدمير”، وانحصرت الطرافة بشخصية الروبوت الأندرويدي (مثله آلان تودايك) فكان صوته “معبرا وجاذبا وكوميديا وحتى متشائما أحيانا”!

انها ساعة القتال الآن والمكان مهيأ تماما للصراع المحتدم وخرائط المجرات والكواكب جاهزة، وكذلك مخابىء المتمردين والأقمار الغامضة والقواعد الامبريالية، يقول المخضرم “فورست ويتكر” معبرا لجين عن واقع الصراع واحتدامه: “لدينا طريق طويل ما زال امامنا”…ثم نرى مشاهد اطلاق النار الكثيف على قمر جديد مختلف، ومن الواضح ان الأمر جدي للغاية، حيث تبدأ المعارك الجوية والمركبات القتالية المدرعة، وتنفجر القنابل اليدوية بلا هوادة، وينغمس القناصة بمهماتهم القتالية الدقيقة…”روج وان” لا يتطابق كثيرا مع معارك الحرب العالمية الثانية ولكنه يذكرنا بها  مع المزيد من تفاعلات العاب الكميوتر المدمجة والمتقنة والجاذبة واللاهثة، وهو يستخدم عددا من المواهب ثقيلة الوزن مثل ويتيكر ومارس ميكلسن وجيمي سميتس وبن دانيلز، مع طاقم جديد خفيف الوزن وجذاب مثل ديغو لونا وشخصية البطلة “جين” الكاريزية الجامحة، كما لعب المخرج باحتراف على الشخصيات الرقمية الروبوتية، وبالغ احيانا بالحشو والاثارة محافظا تماما على التكامل المشهدي البانورامي الجميل، معيدا للاذهان الحنين السينمائي لثلاثية “لوكاس” الخالدة، ومعبرا عن نموذج جديد لشخصيات غريبة لافتة كشخصية “الراهب الأعمى” الذي لا يثق الا بالقوة…نخرج من هذا الفيلم منبهرين ومنتظرين بشوق كبير النسخة الثامنة من “حرب النجوم” في ال2017…

من تعبيرات وايمائات الفيلم اللافتة:

كل شيء حسب مشيئة القوة…حمتني القوة! “أنا متحد مع القوة  والقوة معي”!

المقاومة مبنية على الأمل— حماة معبد كايبر— الحقيقة والعدالة— وجدنا ثوار “سو”— هل عرفت انه ليس انا؟ كل شيء حسب مشيئة القوة…حمتني القوة! “أنا متحد مع القوة  والقوة معي”! انك تحمل سجنك معك حيثما تحل…الراية الأمبرطورية تغمر المجرة… استهداف مدينة “جيدا”… انه خلل صعير داخل نظام وحدة المفاعل… وقد أحدث انفجارا تسلسليا صاعقا… انقذ المقاومة ونفسك ايضا… علينا قتل “غالن ايرسو”… لقد صمم شركا داخل المفاعل: فهناك نقطة ضعف تفجيرية موقوتة… باتت نسبة الاخفاق 35%… انه مستودع المكوكات فوق”الحيد الفضائي”… سيتعطل النظام برمته ان فجرنا وحدة المفاعل… لن تفوز ابدا… انها نجمتي المتألقة… احذر من الاختناق في طموحاتك…انها نجمة الموت… مرة اخرى: انها المقاومة المبنية على الأمل… حان وقت القتال… مخططات نجمة الموت… اقدر دعمك… نريد ان نتطوع لمحاربة الأمبرطورية… انها قضية جديرة بالعناء: احملواالسلاح…لتكن القوة معنا فالحرب محتومة… سأرسل بطلب “الجيداي”…”سكاريف” انه مجمع حماية الأمبرطورية… ناذن لمكوك الشحن بالهبوط… سنجد طريقة لايجادها… يتردد النداء المحفز: “اجعلوا العشرة يبيدون مئة”!… أصبح المقاومون في كل مكان… أحضروا التعزيزات… ثلاثة أنواع من القادة:”الذهبي والفضي والأحمر”… اقفلوا كل من المنفذ الميداني وبوابة الدروع وأحدثوا ثغرة… سلوك غير متوقع لجين ارسو…انها ديناصورات قتالية عملاقة… علينا الاتصال ببرج الاتصالات… انها مدمرات النجوم… هذا مجمع المخططات… قاعدة برج الاتصالات… ملف عن النجمة المتألقة… لقد انتحر”الروبوت” لاغلاق الدرع… أهمية فتح ثغرة في الدرع لارسال المخططات… مشاهد قتالية ضارية ونلاحظ أن قادة الامبرطورية يسيرون بنفس مشية الألمان النازيين الشهيرة (انه مجاز معبر عن طبيعة الصراع القائم)__  ثم تكرار مقولة “أنا متحد مع القوة والقوة معي”!… ابحث عن القوة وستجدني (يقول الراهب الأعمى المستبسل قبل ان يلقى مصرعه بوابل من الرصاص)! فقدنا قوة المحرك، ولكن المخططات معنا، أخيرا حدث “تراصف” للهوائي واصبح جاهزا للبث ونقل المخططات…انطلاق جسم هائل لخارج الفضاء وبدء الاشتعال… واخيرا المركبة “روغ وان” تنطلق بنجاح: لتكن القوة معك!

وقد قصدت حقا أن أصيغ هذا السرد بهذا الاسلوب “الوصفي-المختصر” وبهذا النمط “الفريد-الغريب”، ملتقطا أهم الثيمات والتعبيرات والأوصاف والحوارات لكي اوضح للقارىء الكريم حيثيات التفاعل مع هذه التحفة السينمائية “الخيالعلمية” المكلفة المدهشة، بحيث يكاد يشعر أثناء القراءة وكأنه شاهد الفيلم مستمتعا بأبعاده السردية والحركية والتصويرية الجمالية، وخاصة مع العدد الكبير من الصور المرافقة لهذه المقالة التي تتماهى “انطباعيا” مع ابداع الفيلم وخيالاته. وأخيرا من يكتب بهذا النمط من “الاخلاص والشغف والحرفية والتفاصيل”؟ …أي ناقد سينمائي عربي يفعل هذا وبلا مقابل؟ أخبروني ان عرفتم أحدا غيري قادر على تقديم هذا النمط الجديد الفريد من النقد السينمائي!

 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *