الناشزون(1961): دراما كلاسيكية خالدة ومدرسة في التمثيل الأخاذ

 

خاص- ثقافات

*مهند النابلسي

سأتحدث بهذه المقالة عن فيلم “الناشزين”، الفيلم الذي كتبه آرثر ميللر وأخرجه جون هيوستون في العام 1961، وهو من بطولة كل من كلارك جيبيل، مارلين مونرو ومنتوغمري كليفت…مع أدوار مساندة لكل من ثيلما ريتر، اللي والاش وكيفن ماكارثي. يمثل هذا الفيلم الكلاسيكي الفريد العمل الأخير لجيبل ومونرو…تتعلق أحداث الشريط بمطلقة حديثة (مونرو) وكيفية قضاء وقتها مع كل من  الكاوبوي المخضرم جيبل ولاعب  الرودو كليفت في غرب صحراء نيفادا بنهاية الستينات، فشل هذا الفيلم تجاريا بعد اطلاقه، ولكنه تلقى ثناء نقديا لافتا للنص والأداء، وما زال يعتبر تحفة كلاسيكية خالدة، تزامن انتاجه مع انغماس المخرج هيوستون بالقمار والشرب، كما ان مارلين مونرو تورطت بادمان الكحول واالعقاقير، وقضت اسبوعين بالمستشفى.

تتحدث تفاصيل القصة عن وقوع مطلقة مثيرة في الحب مع كاوبوي “عجوز” يناضل للحفاظ على نمط حياته المستقل الرومانسي، فهو يسعى لمطاردة الحصن والخيول الناشزة، برفقة زميليه مونتعمري كليفت واللي والاش، وما هذه الأحصنة البرية الصغيرة “المسكينة” الا خيول شاردة لا تصلح لأية أعمال حقيقية، ويصيدونها لتصبح طعاما للكلاب!

تتضمن هذه الدراما المؤثرة الأداء الحقيقي لكل من كلارك جيبل  ومارلين مونرو ومنتوغمري كليفت بتمثيل فانتازي مدهش، تعود مارلين مونرو بآخر ظهور سينمائي لها لتبدو “كقديسة صحراء نيفادا الفاتنة” وتستحوذ بتقمص الدور بنمط غير مسبوق لا ينسى ويكشف مهاراتها التمثيلية الفائقة والتي اختفت بمعظم الحالات تحت سحر جمالها الساحر، ونرى الشخصيات الرئيسية الأربع مأخوذة بالحب والفخر والشغف، وضائعة ومشتتة وتعاني من اليأس والاكتئاب…نراها تتخبط تائهة بشقة في صحراء نيفادا، وتشارك برياضة الرودو العنيفة ثم تلاحق الخيول البرية الصغيرة المسكينة لتصنيع أغذية للحيوانات الأليفة في نفس الصحراء القاحلة…عانى هذا الشريط “السيء الحظ” من مشاكل مالية وعاطفية تمثلت بالاضطرابات العاطفية لمارلين مونرو بعد طلاقها من الكاتب آرثر ميللر، والتي دفعتها لادمان العقاقير والكحول، كما تعاطى كليفت المخدرات، مما أدى لارتفاع تكاليف الانتاج وتجميد “يونايتد آرتست” لميزانية الفيلم، كذلك تورط هوستن في ادمان القمار، ولكن خرج من هذا المزيج المضطرب  فيلم مثير للاعجاب تمثل فيه سحر وجمال مارلين وكاريزما “جيبل وكليفت”،  وبدوا يستدرون الشفقة كرعاة بقر تائهين في أيامهم الأخيرة، يكافحون لكسب قوتهم بمطاردة الخيول البرية “المسكينة” في صحراء نيفادا القاحلة!

“اريد أن أكون لوحدي ومع نفسي” آخر تعبير لكلارك جيبيل، وفي الليلة الأخيرة من حياته سئل كليفت اذا ما كان يرغب بمشاهدة الشريط على التلفزة، فأجاب “بالطبع لا”!

خلطة ساحرة من “العنف والبؤس والمعاناة والعبث والمطاردة والرومانس والحزن والقليل من الكوميديا”!

 

تلتقي المطلقة الثلاثينية الجميلة روزيلين (مارلين مونرو) مع كاوبوي تائه اسمه جيلورد (جيبيل) وصديقه شائق الشاحنة جيدو (والش)، فيدعوانها في نيفادا لتنسى معاناتها وطلاقها، دون ان يبلغها بدوره انه مطلق ايضا…يصلون لشقة “غير مفروشة” يملكها جيدو (والاش)، وقد كان قد بناها لزوجته الأخيرة التي توفيت أثناء ولادة طفلهما، ثم يقومون بالشرب والرقص، ويقوم جيلو بتوصيلها لمنزلها في رينو، وتنتقل روزلين معه للاقامة بشقة جيدو “النصف مفروشة” ويعملان على اكمال اصلاحها…وفي يوم ما بعد الافطار يخبر جيلورد  روزلين كيف انه يرغب في ان يكون والدا حقيقيا لأولاده اللذين لم يرهم منذ عدة سنوات، ومتأخرا بعد الظهر يتجادلان بحدة، عندما يعلن عن رغبته بايجاد وقتل الأرانب التي تأكل خضروات الحديقة المحيطة بمنزل جيدو…تندم روزلين لتورطها بحب قاتل الأحصنة الطريدة هذا، ويخبرها بشغف انه فعل أشياء لها لم يفعلها لأية امراة غيرها، مثل محاولة الاستقرار في منزل وزراعة الحديقة…وبعد مشاهد جامحة ومثيرة لكيفية مطاردتهم وأسرهم للأحصنة، تتوسل روزلين لاطلاق سراحها، ويعدها بذلك وتتعهد بدفع مئتي دولار تملكها، ولكنه يغضب رافضا، ثم يستغل جيدوالفرصة فيعد باطلاق الحصنة اذا ما تركت روزلين جيلورد، فتحتقره مدعية بأنه لا يهتم الا بنفسه ورغباته…ونرى جيلورد يصر على مطاردة الحصنة الشاردة وهزيمتها وتكبيلها، ثم يفاجئنا باطلاق سراحها معلنا بكبرياء “بأنه لا يريد لأحد ما أن يصنع له قراره الذاتي”!

ثم يذهبون جميعا للشاحنة مغادرين، واثناء السواقة تخبر روزلين بأنها ستغادر نهائيا في اليوم التالي، ونرى جيلورد يوقف الشاحنة فجأة لالتقاط كلبه، مستمتعا بمرأى روزلين وهي تداعبه مبتهجة، حيث يتأكد لكليهما بأنهما ما زالا يحبان بعضهما ويستمران بالسواقة خلال الليل في مشاهد الفيلم الأخيرة.

في منتصف احداث الشريط، نرى جيدو وايزابيل وقد قررا استئجار رجل ثالث لبيع سيارة الموستانج القديمة، وأثناء ذهابهم للرودو في دايتون يقابلان الشاب الجامح بيرس هاولاند (مونتوغمري كليفت) الذي يسعى للذهاب بدوره للمشاركة في الرودو، ويقترحان عليه دفع عشرة دولارات لدخول حلبة السباق اذا ما ساعدهما في ملاحقة الخيول الشاردة  تمهيدا لبيعها وذبحها…ونرى ايزابيل تقابل زوجها السابق شارلس وزوجته الجديدة، وتدعوهما لبيتها بدلا من ذهابها للرودو مع المجموعة…

قبل سباق الرودو يقرر الأربعة “جيدو، بيرس، روزلين وجيلورد” الشرب حتى الثمالة” في بار الدايتون، كما انهم يربحون مبلغا جيدا من المال بفضل مهارة روزلين الفائقة في لعبة الكرة الصغيرة المرتدة…ثم ينغمسون جميعا في عراك شديد على اثر ملامسة شخص لمؤخرة روزلين الرشيقة المتحركة بايقاع جذاب مع ارتداد الكرة الصغيرة…

واثناء حضورالرودو تنزعج روزلين عندما يخبرها جيدو عن كيفية تحضير “الحصن والثيران” الجامحة لحلبة السباق، وتعلق باستياء بأنه يجب منع هذه الرياضة القاسية، ثم يقذف لاحقا حصان هائج ببيرس ارضا بقسوة، وترجوه روزلين للذهاب للمستشفى، ولكنه يعاند ويصر على ركوب ثور جامح آخر لأنه تورط بعقد ركوبه، فيطرحه الثور أرضا بقسوة كبيرة تعرضه لجروح قطعية في الرأس…وفي المساء ترقص روزلين مع بيرس، ويغيب عن الوعي متأثرا بجروحه، وعندما يستعيد وعيه، يراها تبكي فوقه بحزن وشفقة، ويقول لها بأنه لم يعهد ابدا شخصا بالسابق يبكي لأجله وبأنه يأمل بوجود صديق  يتحدث معه ويشكو له همومه…ويخبرها بحرقة بأن امه قد غيرت  رأيها بعد وفاة والده، وبأنها اعطت المزرعة “الموروثة له” لزوجها الجديد…ويفاجئها جيلورد غاضبا بأنه يرغب بشدة بلقاء  اولاده اللذين توهم بأنه قد شاهدهم بالسباق اليوم، ثم اكتشف بأنهم غادروا بسرعة ولم يستطع مشاهدتهم، ويقع بحالة عصبية هستيرية!

لاحظت أن الكثير من الأفلام والتحف السينمائية لا تلقى حقها الذي تستحقه من الثناء والتقدير نظرا للتعامل السطحي معها وعدم فهمها بشكل كامل من قبل الجمهور والنقاد على حد سواء، من هنا فقد استدعى الأمر التعرض لمعظم التفاصيل السردية في هذا الفيلم الحافل بالمشاهد الجذابة ذات المضمون والمجاز والاعجاز التمثيلي الآخاذ. كما أود الاشارة لبراعة اخراج وتصوير مشاهد “الذروة” الحركية، بمراعاة قدم هذاالشريط (1961)، والتي تمثلت بطريقة ملاحقة الأحصنة البرية الناشزة وصيدها وتربيطها ومن ثم اطلاق سراحها، مما يمنح المهتمين دروسا مجانية في “الاخراج الحركي” الكلاسيكي الذي أجده بصراحة ضعيفا وربما “صبيانيا” في الكثير من الأفلام العربية الحديثة، وخاصة تلك التي تعرض في المهرجانات السينمائية!

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *