خاص- ثقافات
*ترجمة : خضير اللامي
كان آلان مور ، كاتبا ساخرا مشهورا بتأليف القصص المصورة ، لا زال على قيد الحياة ؛ لكن لم يعد يكتب ذلك الجنس من الادب ، وكان على مدى العقد الماضي ، يشتغل بدلا عنْ ذلك ، على روايته الثانية ، القُدس Jerusalem ،) هنا ، ليس ثمة علاقة بين هذا القدس وبيت المقدس ، او القدس الفلسطيني .. المترجم . ( وهي عمل ملحمي يغطي مسافة زمنية تمتد الى مرحلة الموت الحراري في الكون لكنها جغرافيا تتسع الى نصف ميل مربع الى بيت مور في مدينة نورثامبتون في المملكة المتحدة . وفي منطقة تسمى االبوروس Boroughs ، مستخدما على وجه السرعة خارطة التآكل السريع لجيرانه عمال الطبقة العاملة كلوحة كنفاسية ، ينسج من خلالها قصة الحياة ومابعدها مستخدما ادوات السرد الذي يحتوي تيار الوعي ، stream of consciousness ، والشعر ، والمسرح ، بما فيه اسلوب الرجال الجوف لجويس ؛ وتضمَّن ذلك ، الذروة في عمله بوصفه كاتبا راديكاليا مهاجرا وفنانا مشهورا . وهكذا ، وبإثارة عظيمة جلستُ للحديث مع آلان مور عن انجازه المتوَّج بسيرة حياته ..
روب فولمار : إنَّ رواية القدس تنبني على ثيمات وتقنيات بدأت في اعمالك مبكرا كما هو في عمل من جهنم ، From Hell ، لكنها تجسَّد بوضوح في روايتك الأولى صوت النارFire Voice the. وفي الآونة الأخيرة ، وتزامنا مع ثنائك لصديقك ومستشارك الروحي ستيف مور Steve Moor ، على روايته النبش Unearthing ،هل يمكن الحديث عن الرسم البياني النفسي psychogeography ، وكيف استطاع أنْ يلعب دورا مهما في عملك ؟
آلان بور: ما وصفته بالبيان النفسي ، سيكون منطلقا للفهم في تجربتنا للمكان – إنه الإرتباطات، والأحلام ، والخيالات ، والتاريخ – إنه كل المعلومات التي لها علاقة في المكان الذي نقوم بتجربته حين نتحدث عنه . هذا ما نتحدث عنه . إننا في الواقع لا نتحدث عن الصخور الصلبة أو قذائف الهاون .
نعم ، ذلك كله ، الذي يمكن أنْ نقيس به العالم المادي . لكن ذلك ليس هو الجوهر الذي نشعر به حين نتحدث عنْ مكان خاص الذي يعني شيئا ما لنا . إنه دائما تلك التاثيرات السايكولوجية للمكان التي تؤثر فينا والتي ستكون جزءً اساسيأ من المكان . وهذا هو ما نطلق عليه البيان النفسي – مع طريقة الأخذ بالإعتبار المشهد مِنْ حولنا الذي سيكون اكثر من مركَّبات سايكولوجية ، والاعتراف أنَّ هناك الكثير مِنْ كل ذلك في العالم المادي . والقسم الأعظم من تجربتنا ننفقها في الغموض . والانجراف الكلي في عالم متهور بالإرتباطات .
وإنني افترض هنا ، لأول مرة ، إنني سمعت بذلك المصطلح . ولا بد أنْ يكون في سياق اكتشافي الأول للعمل الإستثنائي إيان سنكلير Iain Sinclair. خلال المراحل الأولى لرواية مِن الجحيم ، أرسلت نسخة من حرارة Lud Heat ، التي ضمت القصائد الاولى المكثفة جدا الذي كان على وشك أنْ يحولها الى رواية نثرية . وقد تعامل مع وقته الذي ينفقه في تشذيب عشب حدائق الكنائس في شرق لندن حين كان يعمل لدى المجمع الكنسي . واغلب هذه الكنائس هي نيكولاس هاوكسمور وبدأ إيان يلاحظ انحيازات بين هذه الكنائس كان مكشوفا ، وقد وظف هذا كله في حرارة لود Lud Heat.
كنت مبهورا لأنَّ هذا بدا لي طريقة جديدة للجذب نحو المكان . وغالبا ما يكون ذلك المكان مهمّا جدا في اعمالي ، ومنذ الأيام الأولى لسيرتي الأدبية . حتى وإنْ كان شيئا متوسطا الى حد ما عن بطل خارق كما هو في رواية القبطان الانجليزي Captain Britain ، أو شيئا مُعيَّنا مِنْ هذا القبيل في هذا البلد ، وأردت أن اتخذه في لندن الحقيقية بحيث إنَّ الناس المعاصرين سيشخّصونه . وكنت حادا جدا في أنْ أقوم بأشياء مرئية ودقيقة مثل من اجل الثأر V for Vendettaالتي صدرت في لندن .
ولمْ يكن ذلك حقيقيا حتى اكتشفت اعمال إيان التي رأيت فيها نوعا من تركيزه الذي كان قادرا عليه في الوقت الذي كنت انا افتقده ؛ لكن سرعان ما ادركت أنَّ هذا لايمكن أنْ يكون من ابداعات ايان . إذ هناك كان جميع اصناف الناس الذين كانوا ” يسيرون على وفق برنامج ، agenda ” كما يسميها ايان ليحولها الى نوع من الفن . وهناك ارثر ماشين Arther Machen ، الذي اعتاد أن يتمشى تحت الإنارة حول لندن .وهناك الكوميديون ، والسورياليون وهم يتمشون ايضا كما لو أنهم يخططون لتجارب اعمالهم . وهناك المتسكعون . وهؤلاء جميعا يمشون وينظرون للأشياء في البحث عن بعض المواد الخام لأعمالهم القادمة .
وهذا ما نرى شيئا منه في رواية صوت النار Voice of The Fire، وافترض أنني كنت افكر . ” نعم ، كان هذا عملا جيدا ذلك الذي اتخذ مِن تلك عيّنات التربة ومن مختلف مكانات تاريخ مدينة نورثامبتون ومِن ثم يضعونها في مختبر تحليلاتهم .” بإمكانك أنْ تتحدث كثيرا عن المكان عبر قرون عن مجريات السرديات الاثنتي عشرة ، ولكن في نهاية النهار ، سيتولد لديك نوع من الايحاء أنَّ المدينة الخاصة كلها تهبط الى قصة الاثنتي عشرة شخصا . وانا اعتقد أنني قمت بما يشابه ذلك في رواية القدس، أردت أنْ اقوم بعمل كبيروغني بنسيجه الجميل .
في الواقع ، ما أردت أنْ اتحدث عن أسماء شهيرة في التاريخ ، رغم إنها تستحق بشكل واضح مكاناتها ، لكنني أردت الحديث عن أسماء غامضة في التاريخ ،أسماء مِنْ تاريخ العائلة ؛ من تاريخ جيراني ، الذي يبدو لي أنَّ كل جزء منه بارز كما لو أنني اشيرالى أناس مشهورين . سيكونون زخما دافعا خلف رواية الُقدُس.
فولمار : إنَّ رواية القُدس فريدة في تركيزها على الناس البسطاء الذين يلعبون دورا أساسيا في تشكيل الأحداث التي تبدو محتومة في اعادة سردها لتنتج رجالا عظام أو قوة زخم هائلة في العمل الروائي . ما هي التحديات المرتبطة بإعادة خلق حيوات الناس الذين هم الى حدِّ ما يدفعوننا كثيرا للتفكير بالتاريخ ؟
مور : هناك بعض التحديات ، لكنها ليست كثيرة كما تعتقد . هناك بعضها ، لكنني أعتقد أنها كلها تشير لسبب أو لآخر لماذا أنني كتبت رواية القُدس : إنني رأيت أنَّ هناك حاجة ملحة للتعبيرعن أصوات الطبقة العاملة في الادب الانجليزي . إنني لا اقول أنْ لا احد كتب في هذا الموضوع . سلاما! ، فهناك أمامنا شكسبير ، وانا لست بعيدا عما كتب كما اكتب انا ، وهناك أيضا اتحاد الارستقراطيين الذين يريدون أنْ يكونوا بموضع شكسبير لسبب أو لآخر .
بيد أنَّ النقطة الهامة هي ليس هناك اصوات كثيرة في الرواية للطبقة العاملة ، وحين يكون هناك صوت للطبقة العاملة في العمل الروائي ، ففي هذه الحال هناك، عموما ، أسلوب واحد أو أسلوبان سيستخدمان في الرواية : فإنك إما أنْ تستهجن اسلوب الطبقة العاملة لسوقيتهم او لقرارهم الفقير الذي يصنع حياتهم البائسة وهو اسلوب اللغة العامية لقرارهم الضعيف الذي يعبَّر عن حياتهم المبتذلة والمدقعة الرهيبة التي تنتاب التعبيرعن غبائها وعن حياتهم المثيرة للعطف وتشفق عليهم لاشياء مزعجة يملكونها . ناهيك عن اسلوبهم في الحياة التي يعيشون .
والان فعلا ، ليس ثمة من هذه الطرق تفكر فيها الطبقة العاملة للتعبير عن نفسها . ونحن ابطال السرد إيانا جميعا. بالطبع ، نحن كذلك . لهذا السبب نرى السذج جدا في العمل الكوميدي هم بالفطرة سخفاء جدا. وليس هناك مَنْ في العالم يريد أنْ يطلق عليهم تسمية ” الدكتور الشيطان ” لاننا جميعا ابطال قصصنا إيّانا .
في محاولة لمخاطبة ذلك ، فليس ثمة صعوبات كثيرة حقا . فإن أنا جربت أنْ احاول أنْ أتحدث عن شخص مشهور – كأن اقرأ إشارات متعددة في كتاب الى السيدة ديانا سبينسر – وهناك ، ومع هذا الكتاب ، أقوم ببحثي . فإنني احتاج أنْ اقرأ المصادر وبذلك ، سأذهب الى مداخل الويكيبيديا ، فينبغي عليَّ أنْ اقوم فعلا بقدراستطاعتي لجمع صور تلك المرأة وسيرة حياة عائلتها .
وكان من الأسهل كثيرا في الواقع ،أنْ اجمع ايضا التفاصيل غير الدقيقة والمُتخيَّلة لتاريخ عائلتي واساطيرها ، فضلا عن تاريخ الجيران ، ويكون هذا كله مِنْ خلال الأحاديث الشفاهية ، وهذا لا يتوافر في موقع الويكيبيديا . والكثير عن ذلك ، والكثير عن تلك الأيام وتلك الأشياء الجيدة . ولكن هناك شيء آخر ، هو أقدم من منهج نقل المعلومات من جيل الى آخر . ذلك هو التراث الشفاهي ، الذي يعاصرنا حتى في زمننا التكونولوجي الغني هذا. والأهم مِنْ هذا كله يبقى الناس أغنياء بالقصص .
وما هو اكثر من السرد المتنوع الذي انسرد لي كجزء مِنْ تاريخ حياة عائلتي ، وأساطيرها ، أو حتى قصص عن الجيران ، فهناك كتاب محدد مِنَ المحتمل أنْ يكون حجر الزاوية لرواية القُدس . هذا الكتاب يطلق عليه عنوان الذاكرة الحية ،وقد طُبع في مؤسسة تنمية الفنون في نورثامبتون في ثمانينيات القرن الماضي، وكان عبارة عَنْ سلسلة مِنَ المقابلات، مع الجيران حسب ، أسألهم فيه ماذا يتذكَّرون . كان تماما شيئا إستثنائيا . ولولا مساعدة صديقي رتشادر فورمان ، ربما لنْ ترى رواية القدس النور ، أوعلى الاقل لنْ تصدر بصيغتها النهائية هذه .
وهناك بعض الأشياء الإستثنائية جدا، كانت أشياء قد وجدتها هناك . على سبيل المثال لا الحصر، ذلك أنني اعرف ما هي انشغالات جدَّتي مِن جهة أبي . إذ أعرف أنها واحدة من تلك النساء الإسطوريات اللائي يسكنَّ في الشارع المجاورلنا ذلك أنكِ اذا كنتِ حاملةً وانكِ على وشك الوضْع او اذا كان لديكِ مَن انتقل الى اليوم الآخر فعليكِ أنْ تذهبي الى الجارة دون الحاجة الى القابلة او الى دفان . وستجدين هناك امرأة في الشارع المجاور ، فقط بشلن واحد ستأتي لتقوم بعملية الولادة أوبدفن الجثة . وقد عرفتُ أنَّ رجلا هنديا يعمل في تلك المهنة ايضا. ولم اشخص ذلك الى أنْ قرأت ذلك الكتاب الذي يطلق عليه أولئك الناس ” تاجر الموت ” واعتقد انك ستتفقين معي انه هدية الى أي روائي .
ومنحني ذلك الكتاب سردا مثيرا للاهتمام . وقد أوحي لي ايضا بكتابة رواية شارلي الأسود Black Charlie ، كنت قد سمعت به ، لكنْ لا املك معلومات كثيرة عنه . وكي اكتشف أنه عبدا رقيقا موسوما . فإننا في الواقع نشير هنا الى تجارة العبيد ، إذ ثمة لدينا اعادة استنساخ العبودية هنا. ولنأخذ أصل قصته . فإنه قد انطلق في مدينة تينيسي . ومن المحتمل أنه قد تحرر حين بلغ الثلاثين من عمره تقريبا ، ثم عاد الى نورثامبتون ، ويبدو على نحو غير متوقع ، انه انفق وقتا في مدينة ويلز Wales، قبل مجيئه . وهو الآن في الأربعين من عمره . وهكذا ، فإنني تخيَّلت بعض الأجزاء مِنَ الرواية ، ولكن الجوهر الحقيقي لقصة الرجل ووجوده كان الشيء الذي حصلت عليه من كراسة صغيرة مليئة بالفقرات العجيبة ، وكثيرا منها اعتمدتُ على نصف التذكّر من احاديث والدي وجديَّ لكنها تعطي تفاصيل كثيرة في صفحات رواية الذاكرة الحية .
ورغم ذلك فإنَّ اولئك الناس يلفهم الغموض . وهنا نشير الى العالم الأعظم . رغم ذلك ، فهم ما زالوا يتذكرون المكانات التي كانوا يعيشون فيها ، لكن إنْ تلاشت تلك المكانات تدريجيا فعلى الاقل إنَّ غموضها النسبي الان هو في رواية القدس . وهنا أحثّ أيَّ شخص ، وفي أيّ مكان، اذهب الى هنالك الى تلك المكانات . وتحدث مع كبار العمر. اسألهم ماذا يتذكرون . واعتقد أنك ستجد تراثا عظيما وانتظر حسب قليلا في الازقة التي تؤدي الى الشوارع .
فولمار : كنت قد دوّنت السؤال التالي قبل مجيئي الى هنا ” لماذا مدينة نورثامبتون بالذات ؟ “ومن ثم خربشت جوابا بدا لي واضحا . ذلك هو بيتك . ذلك المكان الذي قدمت منه ، والقسم الأخر من ذلك إن كنت استطيع الإجابة عن السؤال ذاته عن تلك الأمكنة التي قدمت منها انا . والمشكلة هي ليست مع المكانات لكنها مع ما يكمنْ في داخلي .
مور : إنها تجعل مِن الحياة اكثر غنى كي نفهم في الواقع أين انت وغالبا ما تكون القصة مدهشة حين تتناول كيف جاء ذلك المكان . ولا تشبه ذلك أنها من النوع نفسه لممارسة فكرية . وانا اعتقد أنها خلفيات اصيلة تشعرك أنك في العالم وتمنحك رؤية واسعة فيه .
ومن المحتم علينا أننا نعكس خلفية معمارية حولنا بسايكولوجيتنا الداخلية . فإن وضعت الناس في مكان يبدو ليكون مصيدة فأر ، ويبدو في كثير من حضارتنا الداخلية أنها احياء فقيرة ، وإن عاش الناس في تلك البيئات لتربية اطفالهم في تلك البيئات ، ربما لجيلين او ثلاثة ، فإنه من المحتم أنْ تصل المكان الذي كنتَ تفكر فيه . ” إنني اعيش في مصيدة فأر . لذلك ، ربما إنني فأر .”
إنها الطريقة التي نستوعب فيها المشهد أو نذوُّته حولنا ” أي نجعله ذاتا من ذواتنا . المترجم “. نعم ، إنْ هم فهموا حتى الآن الثراء تحت الصخور المعبدة التي يسيرون كل يوم عليها ، وإنْ فهموا الأنسنة أو الميثولوجيات المدهشة التي ترتبط بعلائق مع هذه المكانات ، والتواريخ ، فإنهم من الممكن في هذه الحالة أنْ يشعروا اكثر أنهم كانوا يمشون على مدينة ذهبية خالدة ، فإنْ هم ذوتوًّا تلك المدينة ، سيخامرهم شعور شبيه بتفويضهم أنهم مخلوقات اسطورية .
من الواضح ، أنني اكتب عن مدينة نورثامبتون لأنها ذلك المكان الذي أنحدر منه ، هذا المكان الذي أعرفه جيدا. وهو ايضا تحول الى مكان غني وله تماس بمجرى التاريخ الذي يسير في شعابه . وإنني افترض أنه أي المكان هو ذاته في كل مكان . فإنك إنْ نظرت بعمق بأمِّ عينيك ، فأنا متأكد تماما أنك ستجد السرديات في أي مكان معادلا لمكان في رواية القدس ، فهناك الكثير من إسقاطات الهذيان في هذه الرواية ، ولكن ، بعد ذلك ، فهناك الكثير من إسقاطات هذه الهذيانات في حياتنا اليومية . اعتقد أننا بحاجة الى الاعتراف لأنه احد الأشياء الذي يدفعنا بالاتجاه الذي نريد .
فولمار : اعتقدت أنها كانت رواية ممتعة بالطريقة التي بنيت فيها افكارك عن اليوم الآخر . ورغم ذلك فإننا نعرض هذه الرؤية عن الخلود كي نمتِّع انفسنا ، والشيء الوحيد الذي يهمنا هو مافعلته انت ومازلتَ حيا ترزق .أما وانت ميت ، فإنَّ اعظم تفاعلاتك مع العالم الحي هو إعادة خلق للأشياء التي قمت بها الان ، ما عدا ذلك ، فإنك تماما تبدو متفرجا غير متدخل في أحسن الأحوال .
مور : من الواضح ، ما اقترحه أو أقدمه في رواية القُدس ليس هو دينا . لا شيء من هذا القبيل . بل هو سيناريو من ذلك النوع عن اليوم الآخر، وتعلقا بي ، فأنا لديَّ قاعدة علمية . إذ كان العالم آنشتاين يؤمن بذلك الشيء ذاته . وانا أريد أنْ أقدِّم طريقة مغايرة للنظر في كلية الشيء التي لا تؤجل الفعل حتى انتقالنا الى العالم الآخر، وذلك لا يؤجل السعادة حتى بعد وفاتنا لأنني لا اعتقد أننا نستطيع الاعتماد على ذلك .
إنها رواية العالم الآخر، مليئة بإدهاشات عالم ما بعد الحياة ، والكثيرمنها أريد أن اعترف بها بصراحة . إنها نوع من ورقة ملفوفة تحتوي على مخدِّرعن الفكرة الرئيسية عن سايكولوجية العالم الآخر . وهذا لا يعني أنني ازعم أنَّ العالم الآخر هو شيء ينبغي أنْ نركز عليه . وكما جاء في كلامك ، أنَّ الرواية تركز تماما على الحياة التي نعيش ، ففعلنا هو في تلك الحياة . التي لا تضع مركز الإنتباه على ما يحدث بعد الحياة او الموت . بل ، ما يسبق ذلك . وينبغي علينا أنْ نركز عليه لأنه فضاء حيث نملك فعلنا. وحيث نستطيع أنْ ننجز اشياء ونحن في الجانب الأيمن من القبر .
يقول آنشتاين إننا نعيش في كون فضائي ذو ابعاد أربعة على الإقل . وينبغي أن تكون ابعادا فضائية ؛ وبالتالي يجب أن يكون ذا بعد واحد ، لأن آنشتاين قال إنَّ زمن الفضاء أو ما بعده هو منحنٍ. لذلك نحتاج الى بعد واحد كي نكون منحنين فيه . وإنَّ الأبعاد الأربعة هي ليست الزمن ، لكن ، الى حد ما ، أنَّ الزمن هو تلك الطريقة التي نجرب حركتنا فيه خلال تلك الأبعاد الأربعة . وإننا في الواقع ننوجد في ما يسمى بالعالم الكتلة وهو زمن كتلة الفضاء الهائل الذي ننوجد فيه في كل لحظة حيث يكون فيها وجودنا أو أننا سنعيش فيه للأبد .
هذه النزعات تقودنا الى حيوات شخصيتنا التي ستكون نوعا شبيها مِن مستودع لقاح سيبقى معلَّقا للأبد دون تغيير في ذلك ضغط الدم الضخم . ذلك الذي يتضمن حقيقة أنَّنا أحياء خلال سبعين أوثمانين سنة نقضيها على هذا الكوكب . إننا أحياء . إننا نشعر . وهذا هو خلود ، وذاك هو ثبات . إنني لأشك إننا حين نصل الى نهاية حقبة الحياة ، فليس ثمة مكان لإستمرارمشاعرنا باستثناء الرجوع نحو البداية . فحياتنا كّلها تكرار ، تلك هي دائما الطريقة الدقيقة في كل زمان .
وهناك ، تضمينات كثيرة تأتي من أفق ما. أحدها هو أننا نعيش في عالم محدد مسبقا ، اعتقد أنه عالم فيزيائي حديث في الغالب ) رغم إنهم لا يحبّون هذه الفكرة حقا.( بإستثناء طبيعة الكون الذي نعيش. هذا بالطبع ، ينفي حالا فكرة الإرادة الحرة ويسبب مختلف المشاكل الفيزيائية . وسيكون من المحتمل أنْ يسبب ايضا بعض المشاكل في العلوم لأنَّ التحديد المسبق يغني قوانين السبب والنتيجة ، أو ، على الاقل ، يجعلهما ضئيلتين واكثر غموضا .
وهذا يجعل من الأشياء صعبة جدا من جهة الدين ، وأنا افترض هنا ، أننا جميعا ، في عالم محدد مسبقا كما ذكرنا سابقا ؛ وأنه من الصعوبة بمكان أنْ نحقق افكارا سيئة أو جيدة . وحتى الان، كلنا نشعر أنَّ الناس الطيبين سيلقون اعجابنا أما الناس السيئون فسيلقون اللوم علينا. وأرائي حول هذه المسالة أنُّها لا تلقى إستحسانا ولا تنال لوما . إنها تشبه كثيرا لعبة لا خيار لنا فيها في عملنا ، وهذا فقط ، حينما ننظر من الأعلى إلى الأمور . ننظر اليها من مكان ما اكثر من أربعة ابعاد . ويبدو لنا أنَّ الأمر دائما أننا نملك إرادة حرة .
أردت أنْ أرى كيف يبدو العالم مِن خلال تلك العدسة . فإنْ كانت تلك العدسة تخبرنا أنَّ كلَّ شيء هو خالد ، وكل شخص هو خالد ايضا ، وكل مكان خالد – ومن ثم إنك تسحب تلك العدسة الى مساحة كمدينة بوروس Boroughs ، او الى أرض غيرنافعة . إذن ، كيف يبدون لك الناس هنا ؟
فولمار : اذا عدنا للنظر في عملك مولد برقع الجنين Caul ،كان هو الشيء المبكرالذي استطعت أنْ اكتشف فيه علانية كما أيِّ سيرة ذاتية autobiography ، وصوت النار Voice of the Fire هي ملامح كسرتَ فيها الجدار الرابع . والان وفي رواية القدس ، نلحظ ظلالك في القصة باستثناء شخصية المرأة . إنني سأكون فضوليا إنْ التمستك أنْ تتحدث لي قليلا عن قرار تجد نفسك فيه تتقمص دورالأنثى . فإذا أوكيف أنَّ ذلك فرصةالمبدع الذي يغيِّر الطريقة التي عبَّرت بها عن نفسك .
مور : إنه من المحتمل أنْ أشير أو أوضح الى أنني أملك بعض الصيغ الماضيةعن ذلك . حين كنت اكتب رواية الارقام الكبيرة Big Numbers ،فإنَّ شخصياتها ربما تتطابق في الأغلب او الشخصية التي حلَّت محلّي كانت امرأة ايضا .
ولا اعرف حقا لماذا قررت أنْ أتقمص شخصية امرأة . وقد اشرت الى ظهورها في الرواية كمزلقة ، ربما للتبسيط . فقد اردت الحديث عن أسرتي هنا . أوالحديث عنْ جيراني ، أو الحديث عنْ تاريخ أسرتي لأنني جزء مِن هذا التاريخ .
ولا استطيع أنْ أزيل نفسي عنِ السرد . وينبغي أنْ يكون هناك شخص في العمل السردي الذي هو من النوع الذي يشبهني. وعلى كل حال ، إنْ كان ذلك الشخص هو آلان مور، علينا أنْ نجلب جميع انواع الحقائب الى العمل السردي الذي لا أريد أنْ أخاطبه . وعنْ طريق تخيُّل الشخصية ، أخلقها بوصفها فنانا بدلا من مؤلف – تعيش في عنوان مختلف – وهي الى حد ما كما لو آلان مور ذاته تماما .
لكن بالطبع ، هناك فرق في الإسلوب بين مشاعر الرجل ومشاعر المرأة . وثمة اختلافات أخر بينهما تزن كلاهما . ففي فصل الألماThe Alma ورغم إنها شخصية مخيالية ، فإنها تتمتع بنكهة من حياتي دون أنْ تحدث مشكلة كبيرة . لكاتب ملتح معروف لدي الجميع ويتخبط في وسط الى حد ما لتكون رواية ممتعة . واعتقد أنَّ رواية ألما برأت نفسها افضل في سياق رواية القدس اكثر مما أردتها انا .
فولمار : في تحضيري لهذا الجزء من المقابلة كنت افكر برواية شجرة الحياة Tree of Life ، والمسار من القمر الى الشمس الذي تذكرته بدقة والذي يطلق عليه إسم الفن .
مور : إنه ايضا يسمى احيانا الزهد Temperance ، وانا افضل أنْ اطلق عليه اسم الفن Art.
فولمار : وإسم المسار هو إسم إنثوي مرتبط بالقمر ” إسم القمر في البلدان الأوربية هو مؤنث ايضا .. المترجم ” . وانا اتذكر ايضا أنَّ ذلك المسار هو عبر جهنم .
مور : نعم ، هذا جزء رئيسي . هذه هي الكاهنة الكبرى High Priestess . وذلك هو المسار الذي ذكرته اليستيركراولي Aleister Crowley ، وهذا ما يبدو خفيّا عن الانظار حين قراتها لأول مرة ” وإن جميع الطامحين للسحر هم مِن الرجال . كما أنَّ منظمة السحر هي من النساء ..” ولم افهم ذلك ، الّا من خلال اكتشاف ذلك النوع من الاقليم الخلفي حينما كنت اكتب رواية بروميثا prometha ،” سارقة النار . المترجم ” ، وفهمت تماما ماذا تعني . ربما سمعتني اقول ذلك ” إنَّ السحر هو كلمة مرادفة لكلمة الفن .” وهذا مثال لرابط القوى .
اذا كنت فنانا ، او ساحرا ، ومهما كان جنسك . فإنك تنطلق بوصفك رجلا لأنك الشيء الذي يخترق الغموض ، إن كان ذلك الغموض سحرا أو فنا . وفي نقطة محددة تماما في سيرتك الذاتية ، أنك قد تحوَّلت الى أنثى . ذلك أنك تحوَّلت الى الغموض الذي يحاول الآخرون إختراقك فيه. وهنا تتغير قطبيتك . وذلك هو التغّير وهو مسار الكاهنة العليا الذي تحدثت عنه .
وهنا ، أريد أن ازعم أنني كنت اقوم بافعال واعية اثناء كتابتي لرواية الما وارين Alma Warren. إنني لن استبعد إنني كنت اقوم بذلك بعلمية لاشعورية . وكنت اكثر وعيا ذلك أنني لست انا الذي يحاول أنْ يخترق السحر مرات عديدة او احاول أن اخترق الفن اكثر من مرة . وكنت بارعا فيه . هذه هي حياتي . وهذه هي مشاعري . وعلى كل حال ، ثمة أناس يريدون أنْ يخترقوا تلك الحياة وتلك المشاعر ليكتشفوا ماذا يعني الغموض لهم . وهذه هي الطريقة ذاتها التي حاولت فيها أن اخترق عمل اوستن اوسمان سبير ، ووليام بوروس ، او أيّا من أولاء من الذين اشرنا لهم وذلك ما وجدته في مساري إيّاي .
وهكذا ، افترض أنه من المناسب بل ، ما ينبغي أنْ اتحول الى امرأة في دوري في رواية القدس . رغم إسنني لست ذكيا بما فيه الكفاية لاتخذ فكرتي عن ذلك بنفسي لاستذكر. وهذا ما ازعمه .
_________________
عن مجلة” الادب العالمي اليوم” الصادرة في كانون الثاني— شباط 2017 لجامعة اوكلاهوما الاميركية ..