الملتقى الدولي الرابع للكاريكاتير في مصر : 500 عمل فني لتجسيد حال المرأة وقضاياها

*محمد عبد الرحيم

أقيم في (قصر الفنون) في دار الأوبرا المصرية، «الملتقى الدولي الرابع للكاريكاتير». ويتناول في دورته الحالية موضوع (المرأة) بمناسبة اختيار عام 2017 عاما للمرأة في مصر. ـ
شكل دعائي وللتلفيق السياسي أقرب، فجاءت الأعمال التي تقارب الـ 500 عمل فني، وبمشاركة 272 فنانا من دول عربية وأجنبية، من أصل 2172 عملاً، على تباينها موضحة للمشكلات التي تعانيها المرأة، من تسلط ذكوري أو تهميش اجتماعي مقصود. ويبدو الملتقى بهذا الشكل فرصة لمشاهدة أعمال بعيدة عن المتلقي المصري، وعن عالمه وما يحيطه، لكن الفارق كما يبدو يكمن في الفكرة والتقنية، وكيفية التعبير عنها، ومدى ما تحمله من طرافة وابتكار. وبالطبع تم إبلاغ المشاركين عن محور الملتقى الحالي، ومن هنا جاءت حالة التباين في هذه الأعمال، ما بين اجتهاد حقيقي أو استسهال، وصولاً إلى أعمال تتنافى وفكرة الملتقى نفسه. ومن ناحية أخرى كانت المقارنة بين رؤية فناني الكاريكاتير المصريين والعرب، وفناني الغرب أو الأفارقة، فالفارق شاسع ما بين الرؤيتين، وفي الأخير تأتي الصورة التي يتبناها الغرب من خلال الصحف والفضائيات، بما أن مصر مكان الملتقى، وهو ما أثر على العديد من الأعمال، التي لم تر المرأة سوى جسد مُنتقب يبحث عن حريته. وسنحاول في إيجاز استعراض بعض من سمات هذه الأعمال.

الديني والذكوري

قد يبدو الانفصال ما بين كل من السلطتين، إلا أن معاناة المرأة العربية تبدو من خلالهما. انتهاك دائم لجسدها وعقلها، بداية من تبخيسه واستغلال لوجودها. تبدو هموم المرأة العربية هنا من خلال زواج القاصرات على سبيل المثال، أو فرض الحجاب أو النقاب على النساء، بحيث يختفي وجهها تماماً، ويصبح فقط الجسد هو محل الاحتفاء، رغم الإصرار على حالة الإخفاء المقصود. هذا بدوره يؤكد النظرة الدونية للمرأة، وأنها خُلقت للقيام بكافة الأعمال، وما الرجل إلا ظِل شبحي لا يستمد وجوده الفارغ إلا من مدى تسلطة على المرأة. وإضافة أخرى نجدها في أحد الرسوم الكاريكاتيرية، وهي التي تكشف عن سُلطة أعلى تتحكم في الرجل، الذي بدوره لا يجد إلا المراة ويُمارس عليها تسلطه، وكأن الأمر أقرب إلى الثأر من تهديد وجوده، يد مجهولة الصاحب تمسك بقفص بداخله رجل، الذي بدوره يمسك بقفص آخر داخله امرأة، وهكذا متوالية السلطات ودوامات الانتقام، التي تصبح المرأة آخر درجاتها. هنا نجد أعمالا من مصر ولبنان وأفغانستان، وبعض من دول الخليج.

من التحرش إلى الانتقام الأنثوي

اتفقت أغلب الأعمال على ظاهرة التحرش والاستغلال الجنسي للمرأة، لم تتغير الرؤية سواء لفنان شرقي أو من العالم المُتحضر، ولكن بالطبع كان للشرق النصيب الأكبر من هذه الظاهرة، وإن جاءت في شكل مباشر وفج في بعض الأحيان. شكل آخر ينتقد ظاهرة تسليع المرأة، وكأنها ضمن معروضات سوبر ماركت كبير. من ناحية أخرى لم يغفل الفنان أن يرسم ملامح العلاقة بين المرأة والرجل في شكلها المختلف، حيث تقوم المرأة بدورها الانتقامي والقاهر للرجل ــ معظم الأعمال صاحبة هذه النظرة جاءت من العالم الغربي ــ كذلك نجد العديد من الفنانين لم يزل يُصر على رمزية المرأة كحالة للإغواء، حتى أن فنانا مصريا يجعل من الشيطان الأبله يجلس في الفصل الدراسي، بينما المعلمة/المرأة المثيرة تقوم بالشرح والتعليم ــ تماماً كنظرة العامة ــ قدرات الشيطان، إذا ما قورنت بقدرات المرأة. وبخلاف المقارنة الفجة، هناك حالة مختلفة من الانتقام، وهي حالات الحب التي تصبح رصيداً للمرأة، فكم من قلب رجل قضت عليه.

تمجيد المرأة

العديد من الأعمال حاول أن توضح دور المرأة في الحياة، وتمجيدها من خلال تربية أطفالها ورعاية أسرتها، إضافة إلى ضغوط العمل وما شابه من صعاب الحياة التي تقوم بها في صمت. وتتباين هذه الواجبات ما بين الفنانين وطبيعة مجتمعاتهم، ما بين الأشغال الشاقة التي تقوم بها المرأة الشرقية ومثيلاتها في الغرب.

الاحتفاء المصري العجيب

لا مفر من التعليق على أعمال الفنانين المصريين، فالفئة الأغلب منهم جاءت أعمالهم غاية في التقليدية والمباشرة، أعمال دعائية في المقام الأول، العديد منهم يرسم لوحات لنساء مصر الشهيرات، وأم كلثوم المثال الأكبر، توقف التفكير كيفما اتفق وحالة الاختفــــاء برمز أنثوي مصري والسلام، هذه المباشرة وهذا التكــــرار لهذه النماذج جاء كالنغمة النشاز وسط باقي الأعمال، التي من الممكن التوقف أمامها واستكشاف طرافة وعمق الفكرة المراد التعبير عنها.

بما أننا في عالم العرب

كثير من الفنانين الغربيين جاءت أعمالهم متماشية مع المناخ العربي، والصورة النمطية للنساء المقهورات، بداية من ملابسهن ووجوههن المغطاة، بحيث تصبح المرأة عاراً يستوجب تجنبه، بإخفاء ملامحها وجسدها، وهنا يتضح الفارق ما بين أعمال المستشرقين على سبيل المثال، وعالم ألف ليلة الذي استمدوا منه أفكارهم عن الشرق، وعالم الشرق الأوسط اليوم، وهو ما يطالعونه على شاشات الفضائيات، ورغم أن الرؤية الأخيرة للواقع أقرب، إلا أنها مغلوطة أيضاً إلى حدٍ ما، فالصورة التي أصلها المستشرقون في الوعي الغربي عن الشرق تقابلها اليوم صورة الشرق الذي يتحدث عن نفسه، من خلال المتشددين والمتطرفين، الذين يتباهون في كل لحظة بما أنجزوه وما أنعم به الله عليهم ــ وفق اعتقادهم ــ من آيات الرجولة والبطولة والشرف المرسوم فوق ملامح امرأة مُحتجبة.
______
*القدس العربي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *