مرافعة “جنونية” ضد “النمط الهوليوودي”(2000): “سيسيل ديمنتد” كوميديا سوداء متعثرة!

خاص- ثقافات

*مهند النابلسي

يقوم مخرج أفلام مستقلة “مهووس” وطاقمه “الجامح” بخطف نجمة معروفة من ممثلات هوليوود وإجبارها على التمثيل بفيلمه الغريب، هذا الفيلم”غير التقليدي” من بطولة ميلاني غريفت وستيفن دورف بدور البطولة  واليسيا ويت، ومن تأليف واخراج جون ووترز…

تقوم فرقة الإخراج “الإرهابية” هنا بإعادة كوميدية وإسقاط على قصة الخطف الشهيرة التي تمت بالعام 1974 لباترشيا هيرست، وقد رشحت جريفث لجائزة أسوا ممثلة لدورها هنا “هوني ويتلوك” بجائزة “جولداسبيري” (وربما بقصد لنجاحها بتجسيد “جنون مفتعل” يخدم المغزى)!

يقوم صانعو الأفلام المهووسون  بقيادة ستيفن دورف بتحويل الاخراج السينمائي لحالة من الجنون الخطير بلا ضوابط، حيث يحمل كل واحد منهم وشما ويتقمص شخصية مخرج مستقل مرموق من أمثال كل من: اوتو برمنجر، كينيث انغر، سام باكنباه، ديفيد لينش، سبايك لي، هيرشيل جوردون لويس، رينيرفاسبندر، بيدرو المودوفار واندي وارهول.

 

كما يعزى اسم الفيلم الأول تكريما للمخرج العالمي الراحل “سيسيل دي ميل”، والطريف أن صانعي الأفلام المهووسين هؤلاء يسمون نفسهم بمسمى “الكاميكاز” الانتحاري الياباني الشهير، وينجح المخرج الافتراضي “سيسيل ديمنتد” بإقناع النجمة “هوني” بأنه سيخرج تحفة سينمائية خالدة، ويقتحمون موقع تصوير فيلم “فورست غامب” في بالتيمور، كما يتسلح الفريق الإخراجي بالأضواء المبهرة والكاميرات والأسلحة والمسدسات و”الشجاعة الهوجاء”، وفي المشاهد الأخيرة اللافتة يطلب  المخرج من النجمة أن تضيء شعرها بالنار ، وبالفعل  تقدم على ذلك بلا تردد

وكأنها منومة مغنطيسيا! وينتهي الفيلم بفوضى عارمة وصراخ وممارسات جنسية علنية، قبل أن تصل الشرطة، حيث يقدم سيسيل على حرق نفسه لإعطاء الفرصة لهوني بالهروب الآمن..

.كما يحاول بعض العاملين الهروب فيما يتم تبادل عنيف لنيران الأسلحة بين الطرفين،ويصاب البعض أو يقتل، ونرى السلطات وقد قبضت أخيرا على النجمة “هوني” فيما تلقى التأييد والتعاطف من الحشد المتجمهر!

كلف هذا الشريط تسعة ملايين دولار، وبدت فكرته واعدة وذات إمكانات سينمائية، ولكن هوس المخرج واستعجاله أدى ربما لفيلم غير متماسك يتعثر من مشهد لآخر(كما يبدو ظاهريا)، مع القليل من الابتكار والاستمرارية المشهدية، وتورط المخرج بمعالجة سخيفة”مجنونة” (ربما بقصد)، وتحولت الكوميديا الساخرة إلى افراط  مبتذل وهيجان انفعالي وسلوكي،  وكم هائل من التعابير البذيئة التي تنطلق بسهولة وسرعة تضاهي سرعة الرصاص، والغريب  هنا أن هذه البذاءة  تحديدا شكلت النسيج الدرامي للفيلم وحولته “لفتنة اضحاكية” فريدة من نوعها!

كان يمكن لهذا الشريط الغريب أن يشكل مرافعة قوية وفعالة ضد النمط الهوليوودي الغالب من السينما التقليدية، وأن يتحول إلى منبر للدفاع عن القيم الفنية للسينما المستقلة ولسينما المؤلف تحديدا، ولكن “ووترز” انجرف مع السيناريو وارتجل وربما فقد (فيما يحاول أن يظهر لنا) السيطرة الإخراجية، هكذا أصبحت الأحداث المتصاعدة تخرج ذاتها بتلقائية عجيبة وكم كبير من الهيجان بلا سيطرة…فاحتوى على عنف للسخرية من العنف وعلى بذاءة مستفيضة للسخرية من البذاءة، وتحولت شخصية “ميلاني غريفيث” إلى “حالة كاريكاتورية” للسخرية من النجوم الكبار ، وانغمست بالدور وكأنها فقدت شخصيتها الأصلية، وتضخمت النكهة السيريالية إلى ما يشبه “الفانتازيا التسجيلية”، حيث نرى المخرج يستخدم معظم الأدوات الفنية—التقنية الفعالة للسينما الهوليوودية!

لم يلق هذا الفيلم تأييد النقاد (للوهلة الأولى وأنا منهم-وقد شاهدته مرتين-)لأنهم لم يفهموا ربما المغزى “الخفي”، وحاولوا استخدام وسائل نقدية تقليدية لتقييمه، وربما لأنه خرج بجراة عن نمط ما يسمى بسينما المؤلف، وانتقل لحالة فريدة من تحطيم المعايير القياسية بغرض إعادة بناء مفهوم “سينمائي” جديد لا يطمح بالتميز والثناء، بقدر ما يهتم بتسليط الأضواء على الواقع “الإبهاري-التجاري” البائس للسينما الهوليوودية المهيمنة، لذا فقد سعى المخرج (باعتقادي) لاستخدام “حالات مدروسة” من الجنون المفتعل بهدف توصيل الفكرة العقلانية، وهذا رأي شخصي مغايرومثير للجدل!

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *