خاص- ثقافات
*حلا السويدات
في لحظة يتأتى للمرء أن يبدي ما في جوفه على قارعة البياض، يبحث عن (الهُنا) في عسى أن تكون سرديّة عن الذات المجزأة والمسلوبة في المكان، وأي مكان هذا غير تلك الجدران محكمة الإغلاق المعدّة لخنق الروح، وليس أن تكون كلّ الأماكن خانقة، وكل المخنوقين هم مخنوقون في الأصل، فما قيمة أن يمشي المرء الهوينى على أسنان النّصل المدنيّ دون أن يمرّس جلدَه على عدم النّزف، القصيدة أن ينزف العربيّ حتّى يسيل من دمه دمٌ جديد، وأن تُفقأ عين قلبه، فيبصر المدى خاويًا من المعاني.
هكذا تتوالد اللغة في رأس العربيّ، ذاك الذي يسقط تاء أنثاه في الحرب، ويقوّمها في أغانيه، هكذا يبدأ حديثه عن المكان السّجن، الذي يمشي له يومًا دونما أن تزلّ خطاه، غداة أن يفرّج الصّبح عن فيه، وغداة أن يغمس جفنه في خمر الصّحو، هكذا يرتبك المرء بعد فقد صوته، هل اللّغة صوت، أم الصّوتُ لغة، وأيهما أقبح؟ أنين الصّوت أم شعره؟ أيّهما يا عربيّ لا يدقّ وترَ الصّورة؟
” الصّورة: عربٌ كثيرون في المشهد، زُحام في الزوايا لكنّ الهيئة دائرة، ووتر يلفّ المكان”
الوتر كشباك البلدان، لكّن أصابع كثيرة تتمرس على إخراج نوتة، لا تأتي الموسيقا من قلب الوتر بل من خارجه، والداخل يصدح بالوجوه، يشاع أن الموسيقا تصدح من جوف فارغ، فإنّ دائرةً يجتمع فيها العرب لداخلٌ فارغ، ينتظر أن تحرك أوتاره أنامل مبعوث من المكان الآخر، ويظلّ يحمل في نفسه فخر الصّوت، الخارج من الصّورة، والصورة جثث هامدة في الزوايا، شباكٌ يعزف عليها اليهوديّ والغربيّ والفارسيّ، شباكٌ يتعفف عنها الهنديّ الأحمر وينصرف منها إلى جثثه الحائرة على رفوف التاريخ.
يقف المجازيّ حائرًا، وهو من يتمرس بالاستعارة حتّى يفلس من ملامح واقعه، لا الأبواب أبوابًا بوصفها حائرة ناقمة على غير هدى تدخل، ولا الحدّ الفاصل فاصلاً بذاته، يعاني العربي الآن من الإتاحة التي تدفعه لتقويض نفسه ليصبح مادةً لقصيدة، ما أكثر المجازات وما أقل الشعراء!
هكذا يقال
هكذا يدعيّ
هكذا يصمت الجميع
وهكذا، لا نعرف من أنفسنا غير من أنغام العابرين بنا.