هل مات المثقف؟

*يوسف أبولوز

ظهرت في السنوات العشرين الأخيرة مقولات أو مفاهيم كثيرة تتصل بالثقافة والفكر والأدب بشكل عام.. منها على سبيل المثال (موت الفلسفة)، وتداول الكتاب العرب في نوع من الشغف ما أطلقه «رولان بارت» حول موت المؤلف، وقبل سنوات قليلة ارتفعت وتيرة عبارة (موت الشعر) والبديل هو الرواية.. وبعد ذلك قام عدد من النقاد العرب بتشييع جنازة القصة القصيرة خلال مؤتمر عقدوه في العاصمة الأردنية.. وإلى آخر هذه التوصيفات ذات الصلة بمعنى أو فكرة (الموت)، ومنها أيضاً (موت النقد).
هذا (الموت) المعنوي المجازي، أو الذي يحمل شيئاً من الكناية المريرة يحيط عادة بالتراجع الذي تشهده الآداب والأفكار والفنون.. إلا (موت بارت) الذي يعني أن المؤلف فور انتهائه من عمله الأدبي يصبح خارج هذا العمل تماماً، أي أن المؤلف يصبح بعد النص مجرد فكرة.
التراجع، إذاً، في الأشكال الأدبية يعني موتها بالنسبة لمن يستخدمون هذه المفاهيم.. وعلى هذا المنوال.. هل يمكن لكاتب ما أن يتجرأ أو يجتهد بقول (موت المثقف)؟

كبيرة جداً عبارة (موت المثقف)، وهي عبارة مزعجة أيضاً لمن ينطبق عليهم تماماً تعريف كلمة (مثقف).. بل هناك أكثر من تعريف للمثقف، وعلى سبيل المثال مثلما اختلف من الكتاب العرب، بشكل خاص، على توصيف العلاقة بين المثقف والسلطة.. أو بين الثقافي والسياسي، أو بين الثقافي والاجتماعي.. اختلفوا أيضاً، أو لم يتوصلوا إلى تعريف قطعي نهائي ل (المثقف).. ولكننا، هنا، سنسلك أسهل وأبسط الطرق إليه: إنه الكاتب الذي يحمل فكراً، وينشغل جذرياً بقضايا فلسفية وجودية جوهرية، أو أن المثقف هو الشخص الذي يحمل عقيدة ما، أو توجهاً أيديولوجياً ما، أو قناعات ما يتحرك وفقها، ويعطي مواقف في ضوئها.. أو أن المثقف، هو ببساطة.. (شغيل) الثقافة ليس بالمعنى المؤسسي؛ أي أنه موظف في مؤسسة ثقافية، بل شغيل الثقافة هو من يسهر على مشروع فكري، أو فكري سياسي، أو مشروع نقدي، أي أنه في ذاته وبمفرده (مؤسسة) أو (ظاهرة)، أو أنه بمفرده حالة ثقافية بالغة الحيوية، ومن هذا النوع، أي المثقف (المشروع)، أو (المثقف الظاهرة) لا يغيب عن البال مفكرون عرب كبار مثل إدوارد سعيد، محمد أركون، عبدالكبير الخطيبي، هشام جعيط، صادق جلال العظم، جمال حمدان، المهدي المنجرة، محمد عابد الجابري، نصر حامد أبو زيد، جورج طرابيشي.. والقائمة طويلة وممتلئة، ولكنها تتناقص إما ب (التراجع)، أو بالاغتيال (حسين مروة مثلاً)، أو بالانتكاس، أو حتى خيانة الضمير أو خيانة العقل.
لا شك أن الزمن السياسي العربي اليوم في حاجة إلى مثقفين موضوعيين نقديين على درجة كبيرة من الحياد والاستقلالية والشجاعة، ولكن الزمن العربي اليوم ليس زمناً سياسياً فقط، إنه، للأسف، مرة أخرى، زمن الاصطفافات والانتماءات التي تفرضها أو فرضتها التحولات الجارية اليوم بسرعة، وبلا هوادة.
نشهد، بكل صراحة، وضعاً معقداً مركباً من دوائر وجزر وأرخبيلات سياسية وعقائدية وأيديولوجية متقاطعة، ونشهد في الوقت نفسه غياباً فادحاً للمثقفين.
بكلمة موجزة وصريحة: نحن في حاجة إلى مثقف عربي صادق مع نفسه وضميره أولاً.. يعلن بلا التباس ومواربة أنه ضد التطرف والعنف والإرهاب.. وضد جماعات التكفير والتجهيل والتخدير الفكري المرضي، الذي لا تعالجه إنسانياً وحضارياً ومدنياً.. إلا الثقافة.

_________

*الخليج

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *