نحن أمام شخصية غامضة إلى حد كبير ، إنها شخصية الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي ، الخليفة السادس في سلسة الخلفاء الفاطميين بمصر ، (تولى 386 هـ ـ فقد 411 هـ) ، شخصية كثرت عنها الأبحاث كثرة بالغة اشترك فيها أهل الاستشراق والشرقيون على حد سواء ، ولا يزال أهل البحث حتى يومنا هذا يكتبون عنه دراسات مقتضبة أو مستفيضة ، ومع هذا فلا يزال الحاكم بأمر الله غامضًا ، حتى ليبدو أنه انطوى ومعه كثير من الأسرار و الأخبار .
ويوشك هؤلاء الباحثون أن يتفقوا على بعض التصرفات الغير منطقية التي كان يقوم بها الحاكم ، كذلك يتفقون على أن هناك نوعًا من الإضراب العقلي أو الانحراف الفكري الذي كان يعاني منه .
وفي رأينا المتواضع أن مصدر ذلك الاتفاق بين الباحثين أن الواحد منهم يأخذ قضية من الآخر فيسلم بها دون فحص أو تمحيص ، ويحاول أن يجد مزيدًا من الأدلة لتأكيدها ، ومع أن طبيعة ما نكتبه هو مقال أو دراسة صغيرة تملي علينا الاختصار والإيجاز ، فإننا نريد أن نسلك في كلامنا عن الحاكم بأمر الله طريقًا جديدًا ، بمعنى آخر نريد أن ندرسه دراسة مستقلة لا تقع تحت تأثير كاتب أو باحث سبقنا إلى الكتابة عنه ، وهذا يستدعي أن لا نجعل قضية من القضايا عنوانًا لأي جزئية نكتبها ، ثم نحاول التدليل عليها بما يؤيدها .
أقول لكم : إننا نريد أن نسلك طريقًا مختلفًا بعض الشيء ، نريد أن نجمع المعلومات من هنا وهناك حتى تقودنا هذه المعلومات إلى نتيجة من النتائج من حقنا جميعًا قبولها أو رفضها .
لقد تولى الحاكم بأمر الله مقاليد الحكم وعمره إحدى عشرة سنة ، وفتح عينيه فوجد نفسه خليفة متوج على ملك فسيح مهده له والده العزيز بالله نزار أبو منصور (تولى 365 هـ ـ توفي 386 هـ) ، ومن قبله جده المعز لدين الله / معد أبو تميم (تولى 341 هـ ـ توفي 365 هـ ) ، و قد عين عليه (برجوان ) التركي وصيًا ، وقضى هذا الوصي كما قضت ظروف القصر والحياة في تلك الآونة أن يلقن الحاكم علومًا خاصة وفي قمتها علوم المذهب الشيعي ، بالإضافة إلى علوم الفلسفة وعلوم الفلك .
ومن الطبيعي أن الحاكم اطلع بوسيلة أو بأخرى على علوم غير العلوم الشيعية ، فأثرت هذه فيه ، وأوقفه ذلك أمام طريق مزدوج ، ولعل الحاكم رغب في مزيد من العلوم المعتدلة والدراسات الإسلامية الهادئة .
ولكن رجال القصر الفاطمي والمشرفين على تعليمه وتثقيفه ، ما كان لهم أن يتجهوا به هذه الوجهة ، فحرموه ما أراد ، ومنحوه ما أرادوا ، فقد كان اتجاهه يحمل في طياته انهيار النظام الفاطمي ، وبالتالي انهيار سلطان أصحاب الجاه في مصر ، واندماج مصر من جديد في إطار الدولة العباسية السنية في بغداد .[1]
ونمى الحاكم بأمر الله ، فتفتحت عيناه على قصر يعج بعناصر متعددة من الناس : بربر وعرب ومصريين وأتراك وزنج ، ولكل من هؤلاء أهداف واتجاهات ، وفي القصر كذلك أديان متعددة ، فأم الحاكم بأمر الله مسيحية لم تدخل الإسلام حتى بعد زواجها من والده العزيز بالله ، وزوجة أبيه أم أخته / ست الملك مسيحية كذلك ، وفي القصر عناصر يهودية وشيعية وسنية ولا دينية محايدة ولا دينية هدامة متطرفة .
أي يصح لنا القول أن القصر الفاطمي ما هو إلا صورة مما في المجتمع الفاطمي من اتجاهات وأديان ومذاهب .
وفي الواقع كان المجتمع الإسلامي في عهد الحاكم ، وليس فقط المجتمع الفاطمي يمر بأقسى فتراته ، ففي أسبانيا أو الأندلس الإسلامية ضعف وانحلال بعد عهد المنصور بن أبي عامر وأولاده ، وفي العراق تفكك البوهيين وتشيعهم بعد أن اعتدوا على خلفاء بني العباس ، ثم أنهم لم يقبلوا في الوقت نفسه الالتحاق بالفاطميين الشيعة .
وتؤكد المراجع والمصادر التي بين أيدينا على أن الحاكم بأمر الله كان في السنوات الأولى من حكمه شديد العناية بأداء و اجباته كرئيس للدولة ، متفانيًا في خدمة البلاد والعباد والعمل على إسعادهما وازدهارهما ، فاستقدم من مدينة البصرة العراقية ، العالم الطبيعي ، والرياضي المشهور / الحسن بن الهيثم ، الذي نقض بالأدلة والبراهين العلمية في كتابه الرئيسي (كتاب المناظر) نقض نظرية إقليدس القديمة القائلة بأن الإبصار يكون بخروج شعاع من البصر إلى المبصرات ، وقرر ابن الهيثم عكس ذلك .
وابن الهيثم هو الذي انتهت إليه زعامة علوم الضوء والفيزياء في أوربا أيضًا حتى ظهور العالم / كبلر ، والحق أن الحسن تعهد للحاكم بأمر الله بأن يعدل فيضان النيل الذي كان أساس خصب البلاد المصرية .[2]
ومن هنا تكون صحة الرأي القائل أن الحسن بن الهيثم هو أول من فكر في بناء سد جنوب مدينة أسوان المصرية ، وقد خطط لذلك بالفعل ، ولكن يبدو أن الإمكانيات في ذلك العصر لم تساعد الرجل على إتمام مشروعهم ، حتى نفذته مصر في الستينات من القرن العشرين .
و يدو أن الفساد كان مستشريًا بين القضاة في مصر على عهد الحاكم الذي أراد إصلاح هذا الأمر ، ولذلك يقرر الكندي أن الخليفة الحاكم بأمر الله أراد أن يحول بين القضاة وبين أخذ الأموال بغير حق ، فأمر بأن يضاعف للحسين بن علي بن النعمان رزقه وصلاته وإقطاعياته ، وشرط عليه ألا يتعرض من أموال الرعية لدرهم فما فوق .[3]
ويقال أن الحاكم مرة أمر أهل بعض الرجال للشهادة بأن أقر عدالتهم ، ولكن قاضي القضاة أعلمه أن بعض هؤلاء لا يستحقون العدالة ، ولا يوثق بهم في شهادة ، فأذن لهم بتصفحهم ، وإقرار من يرى إقراره منهم ، ولم يتمسك برأيه فيهم .[4]
وهذه الأقوال واضحة الدلالة على أن الحاكم بأمر الله كان مخلصًا لدولته كفئًا لحمل أعبائها ، عالمًا يكرم العلماء والأدباء ، وأهل الفكر والأعيان .
وقد تحدثنا من قبل عن الحسن بن الهيثم الذي أتى به الحاكم بناء سد على النيل في جنوب مصر ، ويرى بعض الباحثين أن مشروعه على النيل كان نواة للتفكير في العمل الضخم الذي تم على أرض مصر في عصرنا الحالي وهو مشروع السد العالي ، وبجوار الحسن بن الهيثم إذ دان بلاط الحاكم بمجموعة من صفوة العلماء وأهل الفكر .
وموضوع آخر ينسب للحاكم فيضعه في القمة من المفكرين المثقفين ، ونعني بذلك إنشاؤه دار الحكمة بالقاهرة سنة 395 هـ ، أي وهو في العشرين من عمره .
وكانت دار الحكمة التي أنشأها هذا الخليفة المثقف مركزًا علميًا عالي المستوى ، جمع له الخليفة خيرة العلماء في جميع الفنون والعلوم والآداب ، وأجرى عليهم المرتبات الكبيرة ، وهيأ لهم الوسائل ليتفرغوا للبحث والدراسة والتأليف .
لقد ألحق الحاكم بأمر الله بدار الحكمة مكتبة عظيمة بها كل ما لذ وطاب من كتب العلم والفن والأدب ، أي أنها حوت ما لم يجتمع مثله في مكتبة أخرى في تلك الآونة .
لقد هيأ للملتحقين بدار الحكمة من طلاب ومطالعين أرزاقًا كافية ، ووضع تحت تصرفهم الأوراق والمداد ، فورث بذلك ما كان لبيت الحكمة الذي أسسه في بغداد الخليفة العباسي / هارون الرشيد (تولى 170 هـ ـ توفي 193 هـ ) ، والذي نماه وجعله أكاديمية علمية ثقافية ابنه الخليفة العباسي / المأمون عبد الله أبو العباس أو الفتى الذهبي للحضارة الإسلامية (تولى 198 هـ ـ توفي 218 هـ) ، ورث الحاكم ما كان لهذه الأكاديمية من نشاط علمي زاخر ، سيظل التاريخ يذكره أبدا .
ويمكن القول أن الحاكم لما يأس من إصلاح الدراسة في الجامع الزهر الشريف آن ذاك تركه في دراسته المذهبية التي مالت إلى التعصبية وقام بإنشاء دار الحكمة من أجل خدمة العلم للعلم ، بدون تأثير مذهبي .
وفي سنة 394 هـ حظر الحاكم على نساء مصر كشف وجوههن وراء الجنائز ، والبكاء والعويل ، وخروج النائحات خلف الجنازات .[5]
ثم اتجه الحاكم إلى المزيد من الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي (وفقًا لقيم وتقاليد وعادات عصره) ، أو فلنقل إلى المزيد من الدقة والمزيد من الغيرة على النساء ، فقرر أن تقر النساء في بيوتهن ، وألا يخرجن منها لغير ضرورة ، وتنفيذًا لذلك منع صناع الأحذية من صنع أحذية لهن ، بل قتل من خالف تعليماته .[6]
وفي سنة 400 هـ أعلن الحاكم منهاجًا جديدًا لم تعرفه سيرة أكثر الخلفاء ، فقد قرر أن يعيش على طريقة الزهاد الأولين من المسلمين ، وأن يطرح الدنيا وشئونها بعيدًا ، فاقتصر في مطعمه ومشربه على ما تدعوه إليه الحاجة لتماسك الجسم دون زيادة أو مغالاة .
كما قرر إغلاق مطبخ دار الخلافة ، ومنع الناس من تقبيل التراب بين يديه ، ومنعهم من السجود له ، ومن مخاطبته بمولانا ، وترك ركوب الخيل ، وصار يركب الحمير .
ونزل إلى الناس واختلط بهم بلا مظلة أو حماية أو رجال يفسحون الطريق أمامه ، وأعلن سقوط الألقاب ، وجميع الرسوم والمكوس المستحدثة .
وقد أعاد للناس كل ما كان قد أخذ من أملاكهم وعقارهم في عهده أو عهد أسلافه بمصادرة أو بغير حق ، وأعتق جميع مماليكه من الإناث والذكور وحررهم جميعًا لوجه الله تعالى .[7]
ويذكر عن الحاكم إنه كان مولعًا بسفك الدماء ، قتل الوصي (برجوان) التركي ، ودبر اغتيال الوزراء الستة الذين جاءوا بعد هذا الوصي ، أو على الأقل دبر اغتيال أكثرهم ، وقتل قائد قواته ، الحسين بن جوهر ، والقاضي / عبد العزيز بن النعمان ، و القائد / الفضل بن صالح ، الذي كان يعد من أعظم قواد الجيش الفاطمي ، وهو الذي قضى على ثورة أبي ركوة ، وقتل رجاء بن أبي الحسين ، وقتل قائد الشرطة / غلاب بن مالك ، وقتل قاضي القضاة / مالك بن سعيد .
وينسب إلى الحاكم بأمر الله الفاطمي أنه أصدر أوامر مضحكة لأسباب تافهة ، فقد حرم أكل الملوخية لأن معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) كان يحبها ، وحرم أكل الجرجير لأن أم المؤمنين السيدة / عائشة (رضي الله عنها ) كانت تستطيبه .
كما ينسب إليه إنه أصدر أوامر متناقضة ، فقد أوصى بمزاولة النشاط بالليل ، والنوم بالنهار ، ثم عدل عن رأيه .
كما أنه اضطهد أهل الذمة ثم تسامح معهم ، وأحسن إليهم ، كما ينسب إليه أنه حارب الخمر وتجارتها وشربها ، حتى أنه منع كروم العنب إذ اتهم المزارعين أنهم يزرعون العنب لصناعة الخمور .
وينسب للحاكم بأمر الله إنه اصطنع نظامًا للتجسس ، فجعل له عيونًا من النساء يدخلن البيوت ، وينقلن إليه أخبارها ، وكان يلقي بهذه الأخبار أمام ذويها على أنها من معارفه هو ، ومن صور مقدرته التي تمكنه من معرفة الغيب .[8]
تلك خلاصة موجزة بما أورده أهل التاريخ عن أعمال وتصرفات الحاكم بأمر الله الفاطمي خيرها و شرها ، ويجب على الباحث المنصف أن ينظر لهذه التصرفات نظرة علمية محايدة ، نظرة أساسها التحليل والبحث العلمي المجرد من أجل أن نصل بهذه الأعمال إلى نتيجة أقرب ما تكون إلى الحقيقة .
وبادئ ذي بدء نستطيع أن نقول بيقين لا يحتمل شك فيما اقتبسناه آنفًا من كارل بروكلمان في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) ، ومن الكندي في كتابه (الولاة والقضاة) ، ومن يحيى بن سعيد الأنطاكي في كتابه (ذيل التاريخ ) ، ومن إنشاء الحاكم لدار الحكمة بالقاهرة وهو في سن العشرين ، نقول : إن الرجل كان ذكيًا وطموحًا ، وكان لا يسير على النمط الذي أريد له ، أو صارت الدولة عليه .
لقد كان الوصي عليه (برجوان) تركي الجنسية ، وأمه تعتنق الديانة المسيحية ، وهما يوجهانه وجهة لا يرتضيها ، أو يوافق عليها .
والأزهر يسير في دائرة علمية لا تقنعه بأي شكل من الأشكال ، وفي نفسه رغبة إلى الإصلاح عبر عنها في عدة صور كما رأينا ..
ولكن التقاليد كانت تسيطر على القصر الحاكم ، ورجال البلاط يرون في اتجاهاته قضاء مبرم على نفوذهم وعلى كيانهم ، وتعارضت اتجاهات الحاكم بأمر الله مع النفوذ القوي الباطش لأخته / ست الملك ، تلك التي يؤكد التاريخ على أنها هي التي دبرت جريمة قتله في جبل المقطم جنوب القاهرة عندما كان يركب حماره ذاهبًا إلى مرصده الذي بناه فوق هذا الجبل ، أو ربما كان عائدًا منه .
ولا نستبعد أن يكون الحاكم قد اكتشف مؤامرة أو مؤامرات عديدة ضده للقضاء عليه أو للإطاحة به ، وإنه أنزل سخطه وعقابه على من اشترك فيها من القادة والوزراء والقضاة وكان منهم بعض أهل الذمة ، مما يفسر لنا قتل الوصي برجوان التركي وغيره من القادة والزعماء ، وكذلك اضطهاده لبعض أهل الذمة ثم تسامحه معهم .
وعندما تلوثت يد الحاكم بأمر الله بالدم لاحقته الشكوك في كل أهل القصر الحاكم ، ولم تعد الثقة متوفرة بينه وبين رجال قصره أو مساعديه أو أهل أسرته .
ويبدو أن المرأة قد جانبها الصواب في عهد الحاكم ، حتى أنه اتهم أخته ست الملك جهارًا عيانًا بما يمس شرفها ويشينها ، فراح الحاكم يضع القيود التي يحمي بها المرأة أو يكبح جماحها ، فعد ذلك نزقًا منه ، وليس ذلك بنزق إذا قيس بمقياس عصره ، وبمقياس الخلل الذي دب في القصور الملكية في تلك الآونة .[9]
وعليه كانت غيرة الحاكم على النساء ، ومنعهن من الخروج ، وإن كان البعض يقول إنه منعهن من الخروج ليلاً سببه رغبته في عدم اختلاط النساء الشريفات العفيفات ببعض البغايا اللائي كن يتسكعن ليلاً في الطرقات لاصطياد من يرغب في المتعة الحرام ، وكانت شرطة الحاكم تطاردهن وتوقفهن .
أما أنه منعهن من الخروج وراء الجنائز والنحيب والبكاء والعويل ، وكذلك منع خروج النائحات خلف الجنائز فذلك أمر أخلاقي يتفق مع قيم الإسلام وتوجهاته .
ومن المؤكد أن مصر أصيبت ببعض الأوبئة في عهد الحاكم بأمر الله ومنها وباء الطاعون الأسود ووباء الكوليرا ، ولعل ذلك ما جعله يصدر أوامره بمنع أكل الجرجير والملوخية كنوع من الوقاية من هذه الأمراض ، والأمر ليس له أي علاقة بمعاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) أو السيدة / عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) .
وكانت مصر تتعرض لموجات شديدة الحرارة بحيث يسقط الناس صرعى من شدة الحر والشمس ، ولعل طلبه من الناس بمزاولة أعمالهم ليلاً أو بعد غروب الشمس حيث يهدأ الجو وتقل درجة الحرارة ، أمر ليس فيه غرابة ، وعندما تحسن الجو طلب من الناس أن يعودوا إلى ممارسة أعمالهم بالنهار في أوقات العمل المعتادة .
أما نظام التجسس فهو وسيلة اتبعت في العصور القديمة ولا تزال تتبع حتى يومنا هذا في أرقى الممالك ، ولا شك أنها كانت نتيجة للشكوك التي عاشها الحاكم في أخريات أيامه ، ذلك رأي لا نقطع به وإن كنا نعتقد ترجيحه .
لقد كان الحاكم بأمر الله الفاطمي في أول حياته طرازًا ممتازًا من الحكام ، ولكن اتجاهاته وأفكاره اصطدمت بالآراء التي كانت سائدة في قصر الحكم الفاطمي ولدى كبار رجالاته ، وقد أحدث ذلك صراعًا عنيفًا في نفس الحاكم وفي المجتمع كله ، ولم يقو الحاكم أن يعلن ما في داخله كما أن المجتمع لم يستطع التعرف على ما في نفس حاكمه .
كان ذلك الاضطراب الذي غمر السنوات الأخيرة من عهد الحاكم ، ثم تجيء وفاته غامضة كحياته ، ويقال أن أخته / ست الملك (المرأة الحديدية في القصر الفاطمي ) هي التي دبرت مسألة قتله بعد أن اتهمها بما يشينها ويمس شرفها ، وخافت من سخطه وغضبه .
قالوا : إن الحاكم خرج مرة ليلاً راكبًا حماره إلى مرصده الذي كان يخلو فيه لنفسه بجبل المقطم جنوب القاهرة ، ولم يعد الحاكم من هذه الرحلة ، وعثر الناس على حماره وملابسه ملوثة بالدماء فعرفوا أنه قتل .[10]
لقد كتب تاريخ الحاكم بأمر الله إثر وفاته ، وقد عادت السلطة إلى من اضطهدهم الحاكم ، أولئك الذين كان يهمهم في المقام الأول أن يبرزوه معتوهًا أو مجنونًا أو مدعيًا للألوهية ، من أجل أن يصرفوا الناس عن البحث عن القتلة ، أو الكشف عما في القضية من أسرار ، وقد فطن أستاذنا الدكتور / فيلب حتى لموقف التاريخ من الحاكم ، فقال : لقد اتهمه مدونوا الأخبار من خصومه بغرابة الأطوار .[11]
________________
[1] – أحمد شلبي ، موسوعة الحضارة الإسلامية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1986 م ، 6 / 116 وما بعدها بتصرف من عندنا .
[2] – كارل بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية ، طبعة بيروتية ، بدون تاريخ ، 2 / 104
[3] – الكندي ، الولاة والقضاة ، القاهرة ، 1215 هـ ، ص 597
[4] – الكندي ، الولاة والقضاة ، المرجع السابق ، ملحق الكتاب ، ص 83 ، بتصرف .
[5] – يحيى بن سعيد الأنطاكي ، كتاب ذيل التاريخ ، بيروت ، 1909 م ، ص 115
[6] – يحيى بن سعيد الأنطاكي ، كتاب ذيل التاريخ ، المرجع السابق ، ص 124 ـ وكذلك : المقريزي ، الخطط ، القاهرة ، 1170 هـ ، 2 / 289 ـ وأيضًا : ابن خلذكان ، وفيات الأعيان ، القاهرة ، 1275 هـ ، 2 / 12
[7] – يحيى بن سعيد الأنطاكي ، كتاب ذيل التاريخ ، مرجع سبق ذكره ، ص ص 123 ـ 129
[8] – ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، القاهرة ، 1275 هـ ، 2 / 126 ـ 127
[9] – أحمد شلبي ، موسوعة الحضارة الإسلامية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1986 م ، 6 / 121 ، بتصرف .
[10] – ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، القاهرة ، 1275 هـ ، 2 / 127 ـ 128 ،
[11] – فيلب حتى ، تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، بيروت ، 1975 م ، 2 / 223
_________
*باحث و خبير في التراث الثقافي
مقال رائع …
من الواضح جدا ان أعداء الامام الحاكم هم من كتبوا التاريخ عنه …محاولين تشويه صورته امام العامة ليخفوا حقائق الامور في تلك الحقبه والتاريخية.
مقال رائع …
من الواضح جدا ان أعداء الامام الحاكم هم من كتبوا التاريخ عنه …محاولين تشويه صورته امام العامة ليخفوا حقائق الامور في تلك الحقبه والتاريخية.
شكرا لكم