“الخط المغربي الإفريقي”… جسر الحوار بين المغرب وإفريقيا
مارس 8, 2017
خاص- ثقافات
*د. محمد البندوري
من المظاهر الحضارية الخطية المغربية أن تطور الخط المغربي وتوسع حتى بلغ في العهد السعدي والعهود العلوية الشريفة كل الأمداء والأرجاء الإفريقية وساد بها بشكل كبير، فكان منه خط شنقيط أو الخط الصحراوي، وتولد عنه كل من الخط السوداني والخط التومبوكتي والخط التكروني. والخط ” التومبكتو” كما ينعتونه في إفريقيا، أو الخط التومبوكتي.
لقد خلفت مجهودات الخطاطين المغاربة والخطاطين الأفارقة أثرا كبيرا في المشهد الثقافي المغربي الإفريقي، وبرزت مضامينها على كل المستويات، فكانت للخط المغربي مكانة خاصة في افريقيا من الصحراء حتى جنوبها امتدادا من نهر السينغال وفي دول الساحل الغربي حتى وسط القارة في نيجيريا والمناطق المجاورة لها وفي مختلف المناطق المدارية والاستوائية الغربية، خصوصا لما امتدت كل وسائل التواصل المتاحة فامتد الحوار من خلال الخط في تلك المناطق بكل الوسائل التي أنتج عليها، فتجلى على إثر ذلك جماله في المخطوطات، وتجلى بهاؤه في العديد من الكتب وأغلفتها التي ترددت بين المغرب وتلك المناطق، وتجلى حسنه في مختلف المراسلات السلطانية بين المغرب ومختلف مناطق إفريقيا، وتجلى جماله في كل الوثائق وأشكال المعاملات والعهود المكتوبة، وفي السكة النقدية، وغيرها. وتجلى عمقه في مد جسر التواصل بين مختلف المناطق سياسيا وثقافيا واقتصاديا..
ومن تلك المظاهر أيضا تلاقح الخط المغربي التمازغي – وهو خط يكتب به الطلبة الأمازيغ – مع مختلف الخطوط المغربية بإفريقيا، ومن خصائصه أنه يتميز بتلك التصاميم الحروفية مفصولها وموصولها، حيث يتسم بالتصفية، والحياطة من التفاوت في التأدية، ويتميز كذلك بسرعته أي كونه خطا مغربيا خفيفا وسريعا. وبذلك تكون الأنواع الخطية المغربية المختلفة منخرطة في النسيج الخطي المغربي الافريقي.
لقد اتسم الخط المغربي الإفريقي بطابع خاص وبسمات جمالية كان ذلك على يد أساتذة الخط المغاربة، حتى أضحت له مكانة لائقة في مختلف المناطق الإفريقية الوسطى والغربية.
لقد رسم كل هؤلاء منهجا جديدا للخط في افريقيا في بعده النظري والتطبيقي، حيث تنوعت أشكاله، وتم التمهيد لظهور إنتاجات إبداعية مخالفة تتغيا الخط المغربي الإفريقي أساسا، وظهور أشكال جديدة من الحروف تميل إلى اليسار تتكاثف جميعهـــــــــا في الكلمة والجملة والنص وتتميز بالسمك الغليظ نوعا ما، تنبني على الأسس الجمالية للخط المغربي في الفترة السعدية والعهود العلوية الأولى وتمتد في أساليب افريقية مغايرة. ففتح ذلك الباب أمام المبدعين الأفارقة ليغيروا في نمط إنتاجاتهم الخطية العربية، خصوصا مع تنامي الوعي بالبعد الجمالي للخط لديهم، حيث اعتمد الخطاطون الأفارقة بمعية الخطاطين المغاربة بعض الأشكال البصرية الأخرى ضمن منتجاتهم التطبيقية، وهي إشارة واضحة تفيد أن الشكل علامة ذات طبيعة أيقونية، كإمالة الحرف جهة اليسار وتركيبه بشكل متوالف مع هذه السمة الجمالية، الشيء الذي ساد في غرب افريقيا وتطور إلى أشكال بديعة، وغير ذلك مما أعطى قيمة أو معنى لكل شكل من الأشكال الخطية في وسط وغرب إفريقيا مما رصده النقاد والقراء الخواص في نطاق إنتاج نقدي بما برروه من إحداثات جمالية للخط المغربي الافريقي في افريقيا، علما أن ذلك أصبح يتسع في افريقيا لكل قارئ، وينعكس في مبصرته التجديد، ويرصد تأثيره.
وكان من حسنات هذا الخط المغربي الافريقي تجسيد الحوار بين مختلف مكونات القارة الشيء الذي ساهم في تواصل أمتن وأقوم وأفضل، مما انعكس ايجابا على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في شمال ووسط وغرب افريقيا.