مقدمة المجموعة القصصية “حِكَايَاتُ دَرْبِ اللَّبَّانَةِ”

يُولِيسِيسْ بَّاسْطُورْ بَرِّيرُو*/ ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**

 

يعتبر الأدب ممارسة متناقضة في المجتمعات المنقسمة من منظور صراع الطبقات. هذا ما نجده بصفة خاصة في النظام الرأسمالي. يتم فهم الأدب في هذا النمط، بصفة عامة، كنشاطٍ غير نافع في جزء منه، غير منتج و كفعلٍ محض من أجل التسلية. هذه النظرة عادة ما تتجلى في قطاعات المجتمع المدني التي لا تفهم البنية بما هي طريقة إنتاج اقتصادية، تشرطُ البنية الفوقية. فباعتبار المجتمع بنية و بنية فوقية، يكون الأدبُ كما يقول غرامشي مُهما في العمل الفكري الذي يشرعن نظاما ما، و في هذه الحالة نقصد النظام الرأسمالي. فمثلا، في الأزمات الاقتصادية الشاملة التي تتولد داخل الرأسمالية يكون دورُ المفكرين جوهريا لأنهم يتكلفون بخلق قيم النظام الرأسمالي و الذود عنها محولين الانتباه حول تغيرات محتملة للإبدال فيما يتصل بوسائل الإنتاج.

    في هذا المضمار، يتحول الأدب مثله مثل باقي الأنشطة الثقافية إلى قطعة لا مندوحةَ عنها في الجهاز الإيديولوجي للدولة و الحيوي في البنية الفوقية الرأسمالية. في هذا السياق، يكتسب العمل الأدبي معنى. يبدو الأدب تعبيرا يمكن أن تُنتجه أقليةٌ بينما تستهلكه الأغلبيةُ. و في هذا الاستهلاك تروج و تموج قيمٌ و معتقداتٌ و تتشكل أوجهُ اللامساواةِ. سيتكون عند القراء و من دون أن يشعروا تَعَوُّدٌ على المفاهيم و الإيديولوجيات الطبقية البورجوازية. و هكذا، فإنه في العالم الذي نعيش فيه وحدَها حفنةٌ من البورجوازيين تستطيع أن تكون منتجةً و مبدعةً للأدبِ. في حين أن باقي الأفراد، و هم خاضعون إيديولوجيًا و عمليًا، عليهم أن يقبلوا في صمتٍ بهذا المنتوج. كي نُسَائِلَ هذا المنطقَ، فإننا سنكون في حاجة إلى أن تبدأ القطاعاتُ الواسعة المهمشة في إبداع الأدب، عاكسةً تقلباتِ و رؤَى الطبقة العاملة المقهورة.

   يجب أن نقاوم ضد الهيمنة انطلاقا من جميع مجالات السلطة التي أنشأها النظام الرأسمالي عبر تاريخه. على سبيل المثال، نجد في الأرجنتين أن مجلة “الجُؤْجُؤِ/ Proa” تكشف عن توجهها فيما يخص الوجهة الأدبية التي ينبغي أن تتبعها البلادُ. لقد بِتنا نعرفُ سبقًا أن هذا النموذج يلبي مصالح معينة ملموسة، و بصفة رئيسة، مُلَّاكَ الأراضي البورجوازيين الذين شكلوا منذ مرحلة بِيرْنَارْدِينُو رِيبَادَابْيَا دولة مثالية من أجل طبقتهم الاجتماعية. إن الأدب سلاح مثالي في يد الطبقة المهيمنة البورجوازية ما دام يمارس تأثيره على المستوى الذاتي.

   أعتقد، من وجهة نظري، أننا نحن العمالَ نحتاج إلى إبداع و استهلاك أدبنا الخاص. لهذا فأنا أرى أنه من الضروري هدمُ ذاك التمييز بين عمل فكري و عمل يدوي على خُطَى غرامشي. من أجل بلوغ هذا المرمى، يتعين على عمال هذه المدينة و قطاعاتها الشعبية أن ينتجوا أدبا يمثلنا، و لعلنا نبدأ بعمال التربية مُحصنين الرابطة بين الإنتاج الفكري و الثانوي عاكسينَ غنى تجاربِهم اليومية.

   لقد بات ضروريا رفعُ مبادئ الطبقة العاملة و تمثيلُ مصالحها و مصالح كل الأشخاص الذين يعانون من شتى الصعوبات التي أمسى يفرضها علينا هذا النظام يوما بعد يوم. يجب أن نتخيل العالم الذي يروق لنا أن نحيا فيه؛ عالمٌ ملؤه السلام، بلا حرب، من دون لا مساواةٍ، بلا جوع و لا تمييز. من أجل ذلك، أعتقد أنه أضحى أمرا أساسًا أن تنطلق المعركة الإيديولوجية من البنية الفوقية للنظام، مُدمجين المجال الأدبي. إنه لَجُزْءٌ من عملنا أن نفضحَ و ندينَ اللَّامساواة و أعمالَ الظلمِ التي يمكن أن نراها يوما عن يوم في حضارتنا النفطية. و عليه، فإنه بات لزاما على هؤلاء الناس الذين يكرِّسون أنفسهم لفعل الكتابة أن يستطيعوا البدءَ في إنشاء كتاباتٍ أدبيةٍ ملتزمةٍ مع التحول الاجتماعي، مُستدركينَ كذلك القيمة الجمالية الداخلية لعملية الخلق الأدبي في حد ذاتِها.

*كاتب أرجنتيني شاب و مدرس عاشق للبيداغوجيا. نجد في أعماله القصصية و الروائية دفاعا مستميتا عن الطبقة العاملة و قيمها و مُثلِها و طموحاتها و آمالها و آلامها. و هذه ميزة جوهرية يتفرد بها هذا الصوت السارد الشاب من بلاد خورخي لويس بورخيس خلافا لبعض الأصوات الأدبية المكرَّسة في القارة الأمريكولاتينية الساردة بامتياز. و نذكر من بين أعماله السردية على سبيل التمثيل لا الحصر مجموعته القصصية التي تحمل عنوان: “حكايات درب اللبانة” الصادرة في طبعتها الأولى ببوليفيا سنة 2014 عن دار نشر التنانين الطائرة “Editorial Dragones Voladores”، و ذلك في 90 صفحة. و ما أقدمنا على ترجمته ها هنا هو مقدمة المؤلِّف نفسه لهذه المجموعة القصصية المشوقة في انتظار ترجمتها كاملة في الأيام المقبلة بعون الله.

**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء -المغرب.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *