عالمية الفن.. مسألة إشكالية

يتصدى د. سعيد توفيق في كتابه «عالمية الفن وعالمه» لقضية شائعة في الواقع الثقافي منذ عهود طويلة، وهي قضية «عالمية الفن» بهدف الكشف عن معناها وتعرية الفهم المزيف لها وللمفاهيم المرتبطة بها من قبيل «العالم» و«العالمي» و«المحلي»، ولذلك فإنه على الرغم من أن هذا الكتاب حافل بالتأملات الفلسفية لمسائل بالغة العمق، كما نجدها عند فلاسفة كبار من أمثال شوبنهاور وهيجل وهيدجر، فإن التأمل فيه لا يأتي من علٍ، وإنما ينبع مما هو متداول في حياتنا الثقافية، أي من ذلك الأساس الذي يقوم عليه الوعي الهش المسيطر على ثقافتنا، والذي ينبغي تعريته من أجل الكشف عن الأرض الصلبة التي تكمن تحته، والتي يمكن أن نؤسس عليها من جديد.
يستخدم الكتاب كلمة «العالم» بمعنيين توحي بهما ظلال معنى الكلمة، فمفهوم «العالم» يوحي لنا من ناحية، بهذا العالم الكبير الذي ننتمي إليه، مثلما ينتمي إليه أقوام غيرنا لا حصر لهم، إنه العالم الأكبر، لكن مفهوم العالم يعني من ناحية أخرى، ذلك العالم الخاص الذي نعيش فيه بوصفنا شعباً له خصائصه التي تميزه، فمع أن هناك عالماً إنسانياً واسعاً، تحيا فيه الشعوب، في لحظة تاريخية ما، فإن هناك عالماً أصغر يخص شعباً ما، يتمثل في تاريخه المتراكم، وفي معتقداته وعاداته وتقاليده، وقيمه الخاصة التي يؤمن بها، وعلى هذا فإن العالم الواسع الذي نعيش فيه كموجودات بشرية، ينطوي أيضاً على ذلك العالم الخاص الذي نعيش فيه وننتمي إليه بكل تفاصيله.
من هنا كما يوضح توفيق فإننا يمكن أن نفهم الكثير من عبارات الفيلسوف هيدجر حينما يتحدث عن معنى العالم وعن معنى عالم العمل الفني، فهو عندما يشير إلى المعبد اليوناني باعتباره يعبر عن الألوهية كما تتجلى في عقيدة شعب ما، فإنه يعبر بذلك عن أسلوب فني ما في التعبير عن عالم شعب ما فيما يخص عقيدته وإيمانه، لكننا ينبغي أن نلاحظ أن الإيمان أمر شائع بين الشعوب كافة، مع ملاحظة الكثير من الاختلافات بينها، ومن ثم فإن الرؤية العميقة لهذا الأمر تدرك أنه ما من اختلافات بين البشر، إنما تكمن فحسب في أسلوب التعبير وليس في مناط التعبير عن تلك الرؤية أو ذاك الأسلوب.

ينطوي الكتاب على عدة مقالات منها ما جاء تحت عنوان «معنى أن تكون أديباً أو فناناً عالمياً»؛ ويتناول ما هو مثار في الواقع الثقافي من أمثلة حية تعكس الفهم المغلوط الشائع في هذا الواقع، حتى عند كثير من الكتاب ومن يسمون النخبة الثقافية، وهناك أيضاً «عالمية الفن ومحليته تحليل لقضية زائفة»، ويقوم على تحليل المعاني والمفاهيم التي تكشف لنا فساد الوعي، لكي نعيد تأسيس هذه المعاني والمفاهيم، ويتناول الكتاب موضوعاً بعنوان «الفن كرؤية للعالم» ويكشف عن الجذر الأكثر عمقاً لمعنى العالمية في الفن، وما يرتبط بها من مفاهيم، بمعنى الكشف عن معنى العالم نفسه في علاقته بالفن، العالم الذي يستدعيه ويصوره الفن.
_______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *