*مايا الحاج
بعدما انشغل الفايسبوكيون شهوراً بقضية سجن الكاتب المصري أحمد ناجي، جاء قرار منع رواية «جريمة في رام الله» للفلسطيني يحيى عبّاد ليُعيد الجدل حول ثنائية الأدب والرقابة. أين تبدأ حرية الكاتب وأين تنتهي؟ هل يمكن الأدب أن يحقّق مبتغاه تحت وِصاية أخلاقية- اجتماعية؟ هل يمكن أن تُخضَع أفكار الأديب لأهواء الرقيب و «سلطته»؟
هذه الأسئلة وغيرها، عزّزت التفاعل الافتراضي مع قضية الرواية الممنوعة. لكنّ الفايسبوك لم يلعب هذه المرّة دوره التقليدي في صنع مساحة تجمع المتابعين للتعبير عن آرائهم المختلفة تجاه قضية واحدة، بل كان جزءاً من القضية نفسها، وهذا ما لا يدركه كثيرون. فالمقاطع التي وُصفت بأنّها «مخلّة» بالأخلاق العامة (أدب يخدش الحياء!) كان قد تناولها فايسبوكيون وأثارت جدلاً وصل صداه «الافتراضي» إلى النائب العام الذي تعجّل بإصدار قرار المنع، مُطالباً باستدعاء الكاتب الى النيابة لمحاكمته على ثلاث صفحات قرأها بعيداً من سياقها العام. أمّا الروائي «المتهم» فاختار صفحته فضاءً إعلامياً يُواجه من خلاله قراراً «متعسفاً» ضدّ روايته. فكتب في ردّ فعل أول: «أنا مندهش وقلق على واقع حرية الإبداع والتعبير والنشر والكتابة، ومصدوم فعلاً من حدوث ما يجرى، وبهذه الطريقة!… لست في صدد جدل أدبي عن طبيعة الأدب اليوم وأمس، وطوال فترة الجدل في شأن الرواية على فايسبوك وغيره لم أعلّق بشيء لأنني أعلم أنّ لا فائدة من الرد على الاجتزاء المتعمد والجهالة المقصودة وإطلاق الأحكام، من دون قراءة الرواية، وإنما عبر انتزاع فقرات من سياقها بالكامل». واختار عبارة «الأدب أقوى» التي رُفعت مرّة ضدّ التضـــييق الإسرائيلي على الأدب الفلسطيني لتغدو شعاره في معركته ضدّ قرار منع روايته. ونشر الكاتب على صفحته أيضاً يوم أمس خبراً يُفيد بسحب الرواية من مكتبات فلســطين وإحراق نسخ منها في غزّة، وأرفقه بهاشتاغ (شعار فايسبوكي): «أنتم جريمة في رام الله»، متوجهاً فيها الى كل من يحارب الأدب ويدفع الناس نحو محاربة الكتاب بدلاً من محاربة الجهل.
ومع وجود بعض التعليقات المؤيدة لقرار المنع، لاقت قضية يحيى مساندة فايسبوكية كبيرة، فكتب أحدهم على صفحة الكاتب متهكماً: «يبدو أنّ الأراضي المحتلّة تحررت والمستوطنات أُزيلت وإسرائيل امحّت من على خريطة العالم، ولم يبقَ سوى رواية عباد يحيى كي يتمّ السلام في العالم»، فيما علّق متابع آخر: «الواقع أكثر عهراً من كلمات تدوّن في رواية».
أمّا التعليق الفايسبوكي الأبرز خلال الأيام الماضية فكتبه وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو، الذي جاهر برفض قرار النائب العام قائلاً: «سأبدأ اليوم قراءة رواية عبّاد يحيى، فقرار منع تداولها جعلني أكثر إصراراً على قراءة العمل بحثاً عن مسوغات المنع، على رغم رفضي زجّ القانون في العملية الإبداعية، وهنا مسألة تحتاج الى نقاش طويل… إبداعياً، الرؤية مختلفة تماماً عن الرؤية القانونية، وهي قابلة للكثير من التأويل حول مفاهيم الأدب ووظيفته ودوره (…)، فلا يمكن القبول بأية وصاية فكرية تحددها أي جهة في المجتمع، لأنها ببساطة تفتح باباً لا يُمكن إقفاله وتُثير حالةً قد تبدأ ولا تنتهي من الإقصاء بدواعي الوصاية وفرض الرأي، وهذا ما لا تنتظره فلسطين. إن منع رواية لا يصنع فكراً، وعلى رغم هذا أقبل من يعارض جوانب معينة في أي عمل إبداعي، أي أنني مع محاكمة إبداعية للنص، عبر النقد». وختم نصه بالقول: «فلنقرأ الرواية أولاً ونناقش المسألة ثقافياً، وفي الجانب القانوني ستتابع وزارة الثقافة الأمر مع جميع ذوي الاختصاص انتصاراً لمبدأ حرية الرأي والتعبير».
لم تمرّ أزمة «جريمة في رام الله» عابرةً على صفحات بقية الكتّاب الفلسطينيين، بل إنّ كثيرين منهم عارضوا هذا القرار واصفين إياه بأنّه «جريمة في حق الإبداع». كتب الروائي ربعي المدهون مثلاً: «هي جريمة المدعي العام في رام الله»، بينما كتب الروائي أسامة العيسة: «يُشكّل قرار النائب العام بمصادرة الرواية صدمة للذين تستهدفهم الرواية ويعيشون في معازل وغيتوات تحت الاحتلال…». أما الفلسطيني- اللبناني مازن معروف فعلّق فايسبوكياً بقوله: «في رام الله هناك الكثير من الجدران الخفية. منع رواية عبّاد يحيى ليس سوى اصطدام بواحد منها».
ورأى بعض الناشطين الحقوقيين أنّ قرار ضبط رواية «جريمة في رام الله» هو قرار إداري وفقاً للمادة 47 من قانون المطبوعات، وبالتالي فهو ليس قراراً قضائياً، ما يعني أن ثمة فرصة للرجوع عنه.
الرواية استبقت بعنوانها اللمّاح «جريمة» حدثت فعلاً ضدّ الحرية والثقافة والإبدع في رام الله. ومع جهلنا مصير عبّاد يحيى وروايته، لا يمكن أن نردّد سوى ما كتبه المثقفون على صفحاتهم: «الكتاب رابح دوماً في معركته ضدّ القمع».
____