خاص- ثقافات
*ناصر خليل
الدكتور حسام عقل أستاذ الأدب والنقد في جامعة عين شمس ورئيس ملتقى السرد العربي والأستاذ أحمد جلبي الكاتب والقاص الأمين العام للملتقى ولقاءات متعددة مع أدباء الأقصر في قصر ثقافة الطود يوم الخميس الفائت 29/12/2016 ضمن إطار مبادرة الدكتور حسام عقل في مد جسور التلاقي والتفاعل مع كل المبدعين في ربوع مصر .
اللقاء الأول في قصر ثقافة الطود ،نادي أدب الطود برئاسة الشاعر عادل دنقل رئيس نادي الأدب المركزي لفرع الأقصر ، أمسية لقراءات نقدية لمجموعة بستاني النداف “ليس القميص أبيض ” وناصر خليل ومجموعته “رحيل كائن زجاجي ” وأدار الأمسية الأستاذ الدكتور محمود النوبي أستاذ الأدب العربي جامعة جنوب الوادي.
تحدث الدكتور حسام عقل عن الملتقى ومقره الدائم في القاهرة، إمكانية وجود فروعا له في مصر كلها ولتكن البداية من مدينة السرد مدينة الأقصر تحت إشراف الأستاذ شعبان القاص .
قدم الدكتور حسام عرضا سريعا للمشهد السردي العربي وذكر فيما ذكر أن القصة القصيرة لم تمت في مصر كما قال بعض النقاد ، بنظرة فاحصة على المنجز القصصي في الآونة الأخيرة يتضح أن القص والقصة بخير وضرب أمثلة لمجموعات قصصية قوية ورائعة صدرت ومتاحة أمام الجميع لقراءتها ، القصة القصيرة ليست فنا سهلا وتحتاج إلى كاتب يمسك بأدوات القص ويحرص على أن تكون مادته القصصية طازجة وألا يقع في النمذجة والنمطية .
قدم إضاءات نقدية لمجموعة “ليس القميص أبيض “لبستاني النداف والصادرة عن دار إبداع 2016 ، يمتلك بستاني القدرة الهائلة على التكثيف داخل النص مما يخدم قصته القصيرة ، يبدو أنه حكاء بفطرته فهناك سلاسة في قصصه ، في قصة “دخان “يقدم لنا بطلا يراقب دخان سيجارته الملفوفة ،يعايش ويصاحب الهلاوس والأخيلة ،تصعد هي في معراجها بينما هو رهن المكان والزمان ،لا يقو على الفكاك منهما ، إنها لحظة ميلاد داخل اللحظة الليلية ، يبحث عن حلول وهمية في المحال .
أنسنة الأشياء في قصصه ووزنه الجمل والعبارات بميزان حساس ونفوره من الثرثرة التي لا طائل منها ولا تخدم تقدم السرد ولا الخطاب السردي وكأنه استجاب لنداء يحيي حقي لإعادة النظر في الكتابة الأدبية ودعوته لما اسماه بـ”الحتمية “في الكتابة الأدبية بألا توضع كلمة ولا جملة إلا في مكانها .
سلك طريقا مغايرا عن محمد مستجاب الأب الذي قدم القرية بواقعية ،قدم بستاني النداف القرية بمنظور رومانتيكي ،قصصه مصبوغة بالرومانتيكية،شغفه بإبراز عناصر الطبيعة وخصوصا في قصة “طيران منخفض ” ، يقدم فيها نوستالجيا لقصة عشق قديمة للبطل مضى عليها عشرون عاما ، عداوة الزمن للبطل ومحبوبته .
مجموعة “رحيل كائن زجاجي ” لـ ناصر خليل الصادرة عن دار العماد 2015 والحاصلة على جائزة يحيي الطاهر عبد الله ، السرد شهادة وثبات من أجل الدفاع عن الحرية ،مجموعة قصصية كتبت بمهنية وحرفية ، يقتنص المؤلف لحظات خاصة في الحياة ،أشبه بلقطات يدور عالمه السردي فيها وحولها ،لحظات ما قبل الرحيل ،قبل أن تتلاشى مشاهد الحياة ، في قصة “سطح أملس ” يروي لنا بضمير المتكلم عن بطل شاب صعد فوق لافتة ما وشنق نفسه ،يقدم لنا لحظات ما قبل الشنق ، ويضمر لنا في طيات القصة أسباب الإقدام على فعل صعب كهذا ، الحياة والموت ، الهامش والمتن ، الجوعى والمتخمين ، إنها لعبة المفارقات داخل النص .
القصص في المجموعة تشبه الثقوب السوداء الكونية رغم صغرها لكنها تبتلع كل شيء ، المهمشون ملح الأرض هم هاجس المؤلف ، شخوصه وأبطاله من البسطاء الذين يعانون في صمت .
في قصة ” وحدي أنتظر ” القصة نموذج للقصة القصيرة الحديثة ،خلت من الأحداث والوقائع ، لقطة قدمت بحصافة وذكاء للحظات الأخيرة ل رحيل رفيقة الحياة “الزوجة ” النص مثل كونشرتو لمعزوفة موسيقية تتنوع في الألحان ، إن الكاتب شأنه شأن شوقي ودورينمات ويحيي حقي مسكون بهاجس الموت ، يقدم قصته كابوس كافكوي لملمح الرحيل ، وجوهر أزمة المهمش في جملة واحدة داخل النص ” المهرولون لا يعيرونه انتباها ” ، الكاتب لديه قضية مؤمن بها دفاعه عن المهمشين .
اللقاء الثاني في مدينة الأقصر وفي أحد الفنادق قراءات نقدية لمجموعة “حواريات امرأة ” لـرواية الصحابي والصادرة عن “دار العلوم للنشر والتوزيع “2011 .
تحدث الدكتور حسام عقل في البداية عن أهمية تحديد جنس العمل الأدبي قبل الشروع في تلقيه أو نقده ، إن مجموعة حواريات امرأة أقرب إلى أن تكون إلى “لوحات حية من سيرة ذاتية عيشت ” رغم التسليم بصعوبة إيجاد تعريف واحد ومحدد للقصة القصيرة ،رغم أن المؤلفة لم توضح في صدر الكتاب بأنها بصدد كتابة شذرات من سيرتها الذاتية ، نحن أمام أربع وعشرين لوحة متصلة بالحياة الشخصية للمؤلفة ، ففي قصة “وشم فرعوني ” اتكأت المؤلفة على “الاستدعاء ” بعيدا عن التتابع السببي للأحداث ، تداعي المعاني والأنساق داخل النص ، فحركة التذكر هي البطل داخل السير الذاتية ، لقد جمعت المؤلفة بين نوعين من السير الذاتية روحية وواقعية .
في قصة “البرواز ” تحاول الكاتبة أن تنجز المهمة المستحيلة وهي استعادة جمهور القراء بلغة ذات شحن وجداني زائد وبها حس حي موار وفي سلاسة لا تنحدر إلى الابتذال ، ومحاولة المحافظة على التوازن بين الأصول الفنية للكتابة والحفاظ على جمهور القراء .
منذ أول قصة عربية “قلب امرأة ” للكاتبة لبيبة هاشم ، والمرأة لها دورها في القصة العربية وتزاحم وتثبت وجودها في هذا الجنس الأدبي وكذلك تفعل راوية الصحابي .
مجموعة “غبش الأشياء ” لـ محمد عبد الموجود والصادرة عن دار إبداع 2016 ،
تحدث الدكتور حسام عقل أن المهم في هذه المجموعة المادة القصصية التي ارتكزت عليها وحققت لها بعضا من جودة وعن أهمية المادة القصصية يقول السحرتي ” إن فساد المادة الخام كالخميرة الفاسدة والمفسدة للعجين ” ، مجموعة “غبش الأشياء ” أقرب إلى أن تكون ديوانا قصصيا عنه كمجموعة قصصية لأن جميع القصص يربطها خيط واحد . ففي قصة ” رأس قان ” والتي تتحدث عن علبة كبريت فضاء مكاني والأبطال هم أعواد الثقاب التي تتمرد للخروج ما العلبة الضيقة وتدفع الثمن باهظا للحرية الاحتراق ، الكاتب مشغول باستيحاء الحدث اليومي واللحظي والعادي للبسطاء والمهمشين لكن اللغة تتفلت منه أحيانا بعبارات كلاسيكية “أكلشيهات ” وعليه أن يهتم بمعجمه اللغوي ليفجر طاقات وإمكانيات جديدة للمعنى .
في قصة” العجين” لا شيء يعوق تدفق النص ،لا تأثيرات على ما يعرف بــ “مائية النص ” ، النص يقدم بطلت تلت عجينها مع أوجاعها في عدودة مكتومة من أفعال الزمن معها والموت الذي خطف كل الأحباب ولم يبق سوى طفل عاجز، وعجوز في نهاية العمر لا يقدر على شيء ، نجح المؤلف في تكثيف مادته القصصية .
نصح الدكتور حسام عقل جميع الساردين بالاهتمام باللغة العربية ،ارتياد الجديد والمجاهل الصعبة ، البحث دوما عن مادة قصصية جديدة مذكرا بقول طه حسين ” لا أرد الطرق المطروقة ولا أشرب من الحوض المباح ” ،خلص إلى أن القصة القصيرة في الأقصر تنهض بقوة وأنها تحلق في سموات الإبداع وأن القادم أفضل .