النّظرة الدّونيّة للثّقافة والمثقّفين

*يوسف عبد العزيز

أطلق الشاعر والمترجم المصري محمد عيد إبراهيم، قبل أيّام، نداء استغاثة من القاهرة، من أجل إكمال معالجة الشاعر فتحي عبد الله، زميلنا الكاتب في “ضفة ثالثة”. وكان فتحي قد أدخِلَ المستشفى، بسبب نزيف حاد تعرّض إليه. ولكنّ المستشفى ما لبث أن أخرجه، هذا على الرغم من أنّه لم يستوف العلاج اللازم كما يقول عيد. عيد أيضاً ناشد كلاً من وزارة الثقافة واتّحاد الكتاب وهيئة الكِتاب في مصر، التّدخّل السّريع لإنقاذ حياة صديقه الشاعر.

لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي نقرأ فيها مثل هذه المناشدات الصّادرة عن الكتّاب في العالم العربي، والتي يطالب أصحابها من خلالها الحصول على العلاج أو العمل. وفي هذا المجال، نتذكّر الإضراب الشهير عن الطعام الذي جرى في مبنى رابطة الكتّاب الأردنيين في صيف العام 1999، والذي نفّذته مجموعة من الكتّاب العاطلين عن العمل لمدّة أسبوعين. في ذلك الإضراب رفع هؤلاء الكتّاب مطلباً واحداً صغيراً: الحصول على عمل ملائم.

منذ أن أعلنت البلدان العربية استقلالها في خمسينيّات القرن الماضي حتى الآن، تطوّرت الثقافة العربية تطوّراً هائلاً: فقد أنشئت هناك وزارات للثقافة، صحف ومجلات، مؤتمرات ومهرجانات متنوّعة، دور للنشر، اتحادات وروابط للكتّاب…إلخ. لكن وعلى الرغم من كل هذا التّطوّر، فقد ظلّ المثقّف العربي واقفاً في العراء، سواء على مستوى الحياة المشظّاة التي يعيشها، أو على مستوى رقعة الحريّة الضئيلة التي يتحرّك فيها.

ومنذ البداية فقد قسّمت الدولة العربية القُطْرية المثقفين إلى فئتين:

الفئة الأولى: وضمّت الكتّاب الموالين للأنظمة، وهؤلاء كانوا بمثابة أبواق للسلطات الحاكمة، وحظوا بمجموعة كبيرة من الامتيازات، سواء على مستوى الوظائف المهمة الممنوحة لهم، أو على مستوى الحياة المرفّهة التي يعيشونها.

الفئة الثانية: وهؤلاء يشكّلون غالبية الكتّاب العرب، من أولئك الذين تصالحوا مع أنفسهم وأوطانهم، وحاولوا أن يؤسّسوا لتقاليد ثقافية جديدة، قائمة على الديمقراطية، والانفتاح على ثقافات الشّعوب. غير أنّ اصحاب هذا التيّار سرعان ما اصطدموا بالممنوعات الكثيرة التي وضعت حدّاً لطموحهم.

في البداية أحكمت الدولة العربية القطرية بقبضتها على المثقفين المناوئين، فسجنتهم ونكّلت بهم، غير أنها فيما بعد رمت بهم في غياهب العزلة والنسيان، ولم تعد تكترث بهم وبقضاياهم.

في العام 1968 تمّ إنشاء أوّل اتّحاد للكتّاب في العالم العربي، وهو اتّحاد الكتّاب العرب في دمشق. في السنوات التالية جرى إنشاء عدد كبير من هذه الاتحادات والرّوابط الثقافية في معظم البلاد العربية. كان من المفترض أن تحمل هذه المؤسسات الجديدة على كاهلها، بالإضافة إلى صناعة الثقافة، الاهتمام بالمثقف منتج هذه الثقافة ورأس مالها الحقيقي، غير أنّ الخلافات الأيديلوجية التي تفجّرت بين أعضاء هذه الاتحادات، جعلتها دون فاعلية. وهكذا فقد بقيت المشاكل التي تعاني منها الثقافة العربية مكدّسة دون حل. هذا بالإضافة، إلى أنّ المثقف العربي الذي قذفت به المؤسسات الثقافية الرسمية فيما سبق، ظلّ على حاله، بلا عمل، بلا تأمين صحّي، وربّما بلا بيت يقيم فيه.

الآن، وفي هذا الوقت الذي يحتفي فيه العالم بالثقافة على أوسع نطاق، ويُكرِّم فيه كتّابَه ومبدعيه، ننظر باتجاه المثقف العربي، فتفجعنا الحالة الكارثية التي تَسِمُ حياته. تُرى لماذا كل هذا التجاهل للمبدع العربي: للشاعر والروائي والفنان التشكيلي والمخرج المسرحي والموسيقي؟

أنا أعتقد أننا في البلاد العربية لا نزال نعيش أسرى الماضي البائد، حيث الثقافة برمّتها في الذاكرة الشعبية، مجرّد عمل لا طائل تحته. إنها لا تعدو أن تكون مجرّد هوايات للتسلية أيضاً!! وإلا بماذا نفسّر أنّ روائياً يابانياً مثل هاروكي موراكامي، يبيع من روايته الأخيرة “انعدام اللون” مليون نسخة، وذلك في الأسبوع الأوّل لصدورها، في الوقت الذي لا تبيع فيه أيّ رواية عربية حديثة، أكثر من ثلاثة آلاف نسخة؟
___
*ضفة ثالثة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *