لا يوقف الفنان المسرحيّ البحث عن حلول لإثارة الدهشة وتقديم الأعمال غير النمطية الخارجة عن المألوف، بحثاً عن المتعة الفكرية والجمالية، وانتهاء بتحقيق رضا الجمهور. ومن ذلك ما يطلقه المخرج المسرحي حكيم حرب اليوم في عمّان لتجربة «مسرح المقهى»، في «مقهى أوتاد» الثقافي، بعرض جديده «ليلة سقوط طيبة».
عادةً ما يتلمس حرب عبر مساره المسرحي منذ تسعينات القرن الماضي، أنماطاً وتقنيات مسرحية تتوسل حضور الإبهار واللافت في المشهد المسرحي، سواء بصرياً في منظور المشهد المسرحي المتحرك، أو سمعياً في البناء الصوتي المنطوق حواراً وغير المنطوق موسيقياً.
ومن باب أن الجميل يظل جميلاً، يعود حرب إلى الوراء خمسة وعشرين سنة، لإعادة تجربته مع «مسرح المقهى» التي حققت آنذاك نجاحاً في أكثر من مكان. ويقول لـ «الحياة»: «أحيي هذه الفكرة بعد مرور ما يزيد على ربع قرن على انطلاق مشروعنا المسرحي مع فرقة «مختبر الرحالة» في مسرح المقهى والشارع».
ويضيف: «أول مرة قدّمت فيها عروضي المسرحية في عمّان ضمن تقنية مسرح المقهى كانت عام ١٩٩١، في «مقهى الفينيق الثقافي» الذي كان يشرف على إدارته آنذاك الكاتب محمد مشارقة، ثم قدّمت الفكرة ذاتها عام ١٩٩٣ في مقهى قرية كان زمان في منطقة اليادودة».
ويشير حرب إلى الأمكنة التي عمل فيها بقوله: «في الشوارع والأرصفة والمقاهي، داخل عمّان وخارجها، كالعرض الذي قدمناه على سطح باخرة، أثناء سفرنا إلى القاهرة من طريق ميناء نويبع، وقد تجمع المسافرون من حولنا على شكل حلقة».
وعن الفنانين الذين خاضوا معه التجربة في تلك الفترة يوضح: «شاركني هذه المغامرة المسرحية الجريئة والتجربة الرائدة كل من الأصدقاء: كفاح سلامة، جمال مرعي، محمد السوالقة، عماد يونس، فادي الغول، عامر الخفش، مهند الصفدي، نضال جاموس، تيسير محمد علي، إخلاص العيسى علي عليان، بسام أبو عياش، سامر جرار، ووسام قطاونة، والفنان الراحل محمود صايمة. ومن المسرحيات المقدمة «شهرزاد وسندباد»، «القميص المسروق» لغسان كنفاني، «زيدان شاعر الصحراء»، «كاليغولا»…».
وأضاف أن العودة إلى «مسرح المقهى» تنبع من شعار «أن تكون تجريبياً يعني أي أن تغزو المجهول». وقال: «العالم كله ساحتنا وملعبنا، ويمثل لنا ميدان إثارة في صراع الإنسان مع حقيقته وفي محاولته المستمرة لنزع القناع عن وجه الحياة. كنا نقتات على المسرح، وكان ماءنا وهواءنا وخبز أيامنا يوماً بعد يوم، وكنا سعداء على رغم فقرنا وشقائنا المادي. اليوم، حين أتأمل حالنا المسرحي محلياً وعربياً، أجد أننا أشقياء بلا سعادة. لذا قلت لنفسي: لماذا لا نعود إلى تلك الأيام الخوالي، ما دامت القلوب هي ذاتها، وما دامت القيثارة الخالدة لا تزال بين أيدينا؟ من هنا جاءت فكرة إحياء المشروع القديم المتجدد «مسرح المقهى»، لعله يساهم في تحريك بحيرتنا المسرحية الراكدة ويفعّل علاقة الجمهور بالمسرح، ويساعدنا على استعادة ولو جزءاً يسيراً من القدرة على الإحساس بالدهشة التي فقدناها مع الأيام، عندما تحول المسرح في شكل خاص والعالم في شكل عام، إلى مجرد عادة».
ويعدّ هذا العمل من أنضج العروض فكرياً لدى المخرج حرب، لجهة توظيف المسرح في محاربة التطرف، من دون الوقوع في المباشرة، أو في البروباغندا التي تطرحها دول الشمال الصناعي، من أجل إعادة توزيع الثروات والجغرافيا، ولا يجيء كدعاية سياسية لأي طرف، بقدر ما يشكل استجابة إنسانية تواجه قلق الشعوب مما يجري ما بين ظهرانيها وما حولها من احتراب غير حضاري، يعصف بمقدراتها الاقتصادية وما راكمت في بناءيها السياسي والاجتماعي.