حكيم حرب: المسرح يرتقي بذائقة البشر

* خالد سامح

يرى المخرج والكاتب المسرحي الأردني حكيم حرب، والذي ترأس الدورة الأولى لمهرجان الإبداع الطفولي في عمّان مؤخراً أن الطفل عبقري وذو خيال شاهق ولا يرضى بالمألوف والمكرر، ومن هنا فقد سعى المهرجان لتقديم كل ما هو مختلف من نشاطات تخاطب عقل الطفل أولاً، كما أكد في حوار مع الوطن تناول كذلك فلسفة المهرجان الذي نظمته وزارة الثقافة الأردنية وشارك به عشرات الأطفال وفرق فنية من الأردن وتونس ومصر وفلسطين وسوريا والعراق، كما حدثنا عن مشاريع تنمية ثقافة الطفل في الأردن وعلى رأسها مشروعه الرائد «المختبر المسرحي الجوال».

رفع مهرجان الإبداع الطفولي شعار «حماية الطفل من العنف والتطرف»، برأيك كيف يساهم الفن في حماية الأطفال من مخاطر الأفكار المتطرفة؟
– مما لا شك فيه أن للفن دوراً كبيراً وخطيراً وفعالاً في مواجهة مثل هذه الظواهر والآفات السلبية، حيث يعمل الفن سواء كان مسرحاً أو سينما أو تشكيلاً أو موسيقى أو رقصاً على تهذيب السلوك البشري وأنسنته وتخليصه من تراكماته النفسية والذهنية ومن الشوائب التي قد تعلق بالعقل والروح، مثلما تلعب الثقافة بشكل عام مثل هذا الدور، فالشعر والرواية والقصة والخاطرة والمسرحية كلها تساهم في الارتقاء بذائقة البشر وتعمل على خلق فضاء إبداعي لهم يتيح المجال لتفريغ طاقاتهم ضمن وسائل ابداعية وجمالية بعيداً عن ثقافة العنف والتطرف، ولعل الأطفال هم أكثر الناس حاجة لمثل هذه الوسائل الفنية والإبداعية حتى لا يقعوا فريسة لثقافة الإحباط واليأس والإهمال، تلك الثقافة التي قد تستغل طاقاتهم الخلاقة فتعمل على توجيهها باتجاه العنف والكراهية والعدائية وازدراء الآخر، فالطفل كائن في طور التشكل ومن الممكن غسل دماغه بأفكار ظلامية تجعل منه أداة للعنف مستقبلاً، هنا تقع المسؤولية على كاهلنا كفنانين وأدباء وشعراء.. إلخ في خلق بيئة بديلة للطفل يمارس بها موهبته وهوايته ويفرغ فيها طاقته بشكل إنساني مبدع وخلاق.

بالإضافة إلى هذا المهرجان، هل من برامج لدى مديرية ثقافة الطفل لتوعية الطفل وتثقيفه بعيداً عن الفكر المتعصب؟
– بالإضافة إلى مهرجان الإبداع الطفولي فإن عملنا مستمر في مشروع المختبر المسرحي الجوال، وبالمناسبة فإن المختبر المسرحي الجوال يعد من أنجح وأهم المشاريع التي تواجه مخاطر العنف والتطرف وحماية الأطفال والشباب من مخاطرها، وذلك لأن المختبر معني بالعمل في المحافظات والمناطق النائية والبعيدة عن العاصمة وهي المناطق التي يجد فيها مروجو هذه الأفكار الظلامية بيئة خصبة للسيطرة على عقول الأطفال والشباب، هنا يتجلى دور المختبر الجوال في التصدي لذلك كون المختبر يعمل كعيادة متنقلة تنتهج أسلوب السايكودراما في محاولة علاج بعض التشوهات النفسية والذهنية ضمن مبدأ العلاج بواسطة الدراما، فالدراما سلاح خطير وناجع في معالجة هذه المشاكل وإتاحة المجال للأطفال للتعبير عن ذواتهم إبداعياً وحضارياً، ونطمح مستقبلاً باقتناء شاحنة على شكل مسرح جوال يصل إلى القرى والبوادي على غرار المكتبة المتنقلة وهو المشروع الثالث الذي تعمل مديرية ثقافة الطفل على تنفيذه بالتعاون مع مركز هيا الثقافي ومؤسسة عبدالحميد شومان.

بما أنك تحدثت عن «المختبر المسرحي الجوال»، هل يمكن لك أن توجز أهم ما حققه هذا المشروع لحد الآن؟
– قام المختبر المسرحي الجوال بزيارة عدد من المحافظات هي: الزرقاء، البلقاء، اربد، معان، الكرك، ومدينة الرصيفة، ومراكز الإصلاح والتأهيل، وأقام لمدة شهرين في كل محافظة، عمل خلالها على تدريب عدد كبير من الشباب والأطفال على فن «الدراما» ومحاولة استثمار الدراما في تطوير شخصية المتدرب وتخليصه من بعض العيوب والتشوهات النفسية الناتجة عن بعض الظروف السلبية والممارسات الخاطئة، وكما ذكرت من خلال استخدام أسلوب «السايكودراما» المعروف عالمياً بأهميته في محاولة إيجاد حلول حقيقية للمشاكل التي تواجه الأطفال والشباب، بهدف إبعادهم عن بعض الآفات التي قد يقعون ضحية لها، مثل: العنف الجامعي، المخدرات، التطرف، الإرهاب.. الخ وقد ساهمت تدريبات المختبر المسرحي الجوال داخل مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون)، في إعطاء فرص جديدة في الحياة الكريمة لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، بعد إخضاعهم لسلسلة من التدريبات المسرحية التي تستخدم الدراما في محاولة منح المتدرب الأمل والبهجة وتخليصه من التراكمات النفسية التي تحول عادة بينه وبين اكتشاف طاقته المبدعة الكامنة، والتي من الممكن أن يوظفها داخل المجتمع بشكل إيجابي وبنّاء، بعد خروجه من مراكز الإصلاح والتأهيل، إيماناً من وزارة الثقافة أن في حياة كل خاطئ لحظات بريئة وأن الجاني قد يكون هو الضحية– ضحية رفاق سوء وأفكار سلبية وظروف اجتماعية قاسية – فيأتي المختبر الجوّال للعمل على أنسنة العقوبة وجعلها ترتدي ثوب الإصلاح والتأهيل.

على أي أساس تم اختيار الفرق المشاركة في مهرجان الإبداع الطفولي محلياً وعربياً؟
– تم اختيار الفرق المشاركة على أساس التميز والموضوعية والأكثر قرباً من عالم الأطفال، وتشكلت لهذه الغاية لجان خاصة بالمسرح والغناء والأدب، وهذه اللجان تمثل رموزاً أدبية وفنية كبيرة ومهمة تمتاز بالموضوعية والشفافية اعتمدت مبدأ العدالة والنزاهة والانحياز للأفضل والأجمل، وقد بذلت كافة اللجان جهود جبارة وعظيمة فنحن لا نقدم مهرجاناً واحداً بل ثلاث مهرجانات في مهرجان واحد، فهذا المهرجان يعنى بالمسرح والغناء والأدب، وتقام على هامشه فعاليات تشكيلية ومعارض كتب وندوات تقييمية وفكرية وورش ابداعية، إذن هو احتفالية ثقافة وفن وبهجة كبيرة للأطفال لذا كان لا بد من اختيار فعالياته بتأنٍ ودقة.

أخيراً، ما خططكم للمهرجان خلال السنوات القادمة؟
– خطط المهرجان للعام القادم تعتمد على نتائج دورته لهذا العام، بمعنى أن لدى وزارة الثقافة طموحاً كبيراً بتطوير المهرجان وجعله يرتقي بكافة فعالياته لمستوى خيال الأطفال وذائقتهم الجمالية التي مهما بذلنا من جهد وإمكانيات لا يمكن لنا مجاراتها، فالطفل كائن عبقري ذو خيال شاهق لا يرضى بالعادي والمألوف والمكرر، وواهم كل من يعتقد أن العمل مع الأطفال أسهل وأبسط من العمل مع الكبار، بل على العكس هو أصعب كثيراً لأن فيه مسؤولية كبيرة فأنت كفنان أو مثقف تساهم من خلال نتاجك الفني والأدبي في تكوين شخصية إنسان وبناء جيل جديد، كما أن حماية الأطفال وتثقيفهم تعني حماية وتثقيف مجتمع بأسره وأمة كاملة، لذا فإن وزارة الثقافة حريصة على تقديم ما هو نوعي ومتقدم لهم وبما يوازي مستوى خيالهم وإطلاعهم المتطور على التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل المتطورة التي أحالت العالم إلى قرية وجعلت من الكبار أميين بالمقارنة مع ما يمتلكه الأطفال من معرفة متطورة اليوم، ونحن حقيقةً محظوظون بوجود وزير ثقافة مثل الدكتور عادل الطويسي يمتلك عقلية منفتحة وداعم ومشجع لأي مقترحات جديدة ومبتكرة من شأنها الارتقاء بالثقافة الأردنية بشكل عام وبثقافة الطفل بشكل خاص، لهذا أنت متفائل بأن القادم بالنسبة لثقافة الطفل أجمل بكثير.. فأجمل الأطفال هو الذي لم يولد بعد وأجمل المشاريع هو الذي لم نقم بإنجازه بعد.
_____
*الوطن القطرية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *