الغرس والثمار

 

خاص- ثقافات

محمد أمين ابو العواتك*

 جيلنا  كان شاهدا على المشروع السلطاني لأولى الحركات السياسية في العالم العربي المنطلقة من مرجعية (فكر المسلمين) والتي عرفت اصطلاحا بالحركة الإسلامية او الإسلام السياسي إذ أعلن منظروه الكبار هذا المشروع تحت مسمى ثورة الإنقاذ الوطني أو المشروع الحضاري.

 والتبشير بهذا المشروع السلطاني والترتيب لميلاده الأول  قد تولاه جيل الفكرة  وعلى وجه الخصوص الرجل الذي كان جهده مفصليا في قيادة هذا التيار والنقلات النوعيه التي أحدثها في مساره ليصير في زمان وجيز أحد خيارات التغيير التي تطرق بقوة واقع الحياة السودانية وهو الراحل الدكتور الترابي  وأهل شورته الذين اختاروا إخفاء حقيقة الأمور لحظة الميلاد الأول في أول مفارقة!

 ابتدأت معها رحلة اختطاف وطن (الجميع)  لأحلام وأشواق (مجموعه) كانت قد رفعت الآذان داخل جامعة الخرطوم لأول مرة وفازت بانتخابات اتحادها وقدر الله لها توفيقا في الأمر مع غلبة روح الصفا الأخوي ومحدودية التحديات المحلية مع غياب التقاطعات العميقة داخليا وخارجيا و في غياب فتن المال والسلطان على حدّ تعبير عرَّاب الفكرة.

 الميلاد الأول كان كالجنين غير مكتمل النمو الذي ولد برأس كبير للغاية وجسم صغير لا يقوى على الحراك ، فورط الوطن في أجندات لا تعني معاشه في شيء ومشروعات أحلام كبرى تتجاوز جغرافيته وحرب داخليه في جنوبه زاد استعارها وحريات غائبة غير متفق عليها بين أصحاب المشروع ومفكريه وأفكار دينية بلا سيقان ليكون حصاد الميلاد الأول معاشا ضنكا وحصارا دوليا وقوائم إرهاب وحربا على كل الجبهات وانشقاق أصحاب الفكرة ليورط المنقذون في حصاد بالغ الصعوبة وتضيع بشريات وأحلام أجيال.

 بشرنا بالميلاد الثاني أو الجمهورية الثانية للإنقاذ من مستوى آخر وهو الذي يلي مباشرة قيادة الحركة الإسلامية التاريخية ومن الأستاذ علي عثمان الممتلئ بزهو اتفاقية السلام علي الطريقة الديجولية  بدولة الحريات والقانون والفدرالية و فيها استهلك الوطن  في معالجة الحصاد المر للميلاد الأول وتتوه عملية إنقاذه وللأسف انتهت الجمهورية الثانية بحوادثها المعلومة في اشتعال دارفور وإفرازاتها المعوقة وانفصال الجنوب بأهله وموارده وينفتح الباب للمجهول الاقتصادي والسياسي وتخبو شعارات جيل التأسيس والجيل الذي يليه مع تأكيد بوارالمشروع الفكري ويغادر طاقم الجمهورية الثانية ووزراؤه مع ازدياد معاناة أهل السودان وتبخر البشريات كسابقتها.

 كما ذكرنا أن بشريات الميلاد لهذا المشروع كانت من جيل الفكرة والتأسيس  كما أن بشريات الجمهورية الثانية كانت من المستوى الثاني في القيادة وهو المستوى الوزاري، ويتدرج اليوم التبشير بالانقاذ الثالثة نزولا من مستوى مختلف موقعا وفكرة مع إشارت واضحة الدلالة وتحمل بشريات  معالجة إحدى إفرازات مشروع الإسلام السياسي المسمى بالإنقاذ الوطني في ميلاده الأول بمناسبة الرفع المشروط للعقوبات الأمريكية على السودان.

 بعد سبع وعشرون عاما من الأحادية الفكريه غير الموفقة ومشروعها السلطاني المتعثر والذي لم يوفق اقتصاديا او فكريا أو اجتماعيا نبشر اليوم  بمرحلة جديدة وجمهورية ثالثة وسط انقسام حاد ليس في من يختلف بداية مع أهل هذا المشروع بل حتي وسط نخبه واتباعه والجديد هو التحاق من غادر من أهل المشروع في نهاية الميلاد الأول للإنقاذ بفعل الانشقاق  للالتحاق مرة أخرى به في الإنقاذ الثالثة !!

 لا يعنينا كثيرا من هو صاحب الجهد أو الذي يريد أن يجير قرار رفع العقوبات الامريكية لمشروعه السياسي لكن المؤكد هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القرار وأن سياسة الاحتواء التي التزمت بها استراتيجيا قد نجحت منذ فترة طويلة بشهادات وإفادات أهل الحكم في بلادي في التعاون الذي تم  معها منذ مدة في كل المجالات وأن اختيار التوقيت كان شأنا خاص بهم لما نعلم عن علمية وعملية اتخاذ القرار لديهم وفقا للمطلوبات الاستراتيجية وليس أية متغيرات أخرى.

 يعلم الجميع مالات السياسة والسلطان ونعلم الهدي النبوي فيها ونؤمن بالقران الذي أوضح أن الإسلام دين ودعوة بلا إكراه وليس مشروعا سلطانيا بل منع السيطرة (ليس عليهم بمسيطر) وتجدني في غاية التعجب لما أعلم من العدد الكبير من المهتمين بالفكر في هذا التيار بأن لا يصدر بين يدي هذه التجربة الطويلة  أي حصاد فكري واضح يبين لنا الخلاصات الفكرية بعد هذا التجريب المرّ  لتقدم لأهلنا الصابرين والأجيال ومغامري المستقبل على وجه الخصوص على أن الأهم بجانب الاعتذار على الأخطاء الفادحه هو الحريات والتصالح مع الآخر ونبذ الإقصاء.

_______
*كاتب سوداني.

 

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *