خاص- ثقافات
*سعيدة شريف وعزيز العرباوي
يأتي الاهتمام بالدراما التاريخية؛ كما جاء في تقديم ملف العدد 32 من مجلة ذوات(عدد شهر يناير/ كانون الثاني 2017) ، الذي أعدته الباحثة المصرية هويدا صالح، من كونها تُعبِّرُ عن لحظة تاريخية ماضية تُعاد صياغتها من جديد وفق معالجات إخراجية مبنية على طبيعة هذه اللحظة، وتحولاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية. وتتراوح الأعمال التاريخية بين: أعمال تتناول حقبا وأحداثا تاريخية كاملة من التاريخ القديم، وأعمال أخرى تتخذ من وقائع يتردد صداها إلى اليوم بيننا، موضوعا لها، وهي وقائع تنعكس على الحاضر المعيش، وثالثة تتناول السير الذاتية لعدد من الشخصيات التي كان لها دورها الفاعل بشكل أو بآخر في توجيه مسيرة التاريخ أو تحويلها في هذا الاتجاه أو ذاك في التاريخين، القديم والحديث.
ثمة أسئلة كثيرة يطرحها العقل النقدي حين يعمد إلى استقصاء العلاقة النصية والجمالية بين الحدث التاريخي والعمل الدرامي المعتمد في بنيته الحكائية على التاريخ، من بينها: هل يجوز نقل الحدث التاريخي من سياقه إلى سياق آخر محتمل الوقوع؟ وهل نعتبر الدراما فسحة لانتهاك “حرمة التاريخ”؟ وهل تشفع المعرفة بالتاريخ في كتابة سيناريو درامي ناجـح؟ وهل يفلح إحياء التراث حين نعمد إلى نقله إلى الوسيط الدرامي البصري؟ وبمعنى آخر، هل كل كُتاب الدراما التاريخية كشفوا عن “الحقيقة الغائبة” في التاريخ، أو كشفوا عن المسكوت عنه فيه؟ وهل تنتج الدراما حقيقة تتجاوز بها صمت التاريخ ولامبالاته؟ وهل يكتب السيناريست تاريخ المستضعفين؛ مثلما يتطلع الروائي إلى كتابة تاريخ المهمشين بما أن الرواية هي صوت الشعوب الحقيقي؟ ثم هل يقوم “النص المقروء أو المرئي بتصحيح ما جاء بـه المؤرخ ويذكر ما امتنع عن قوله”؟
هذه الأسئلة وأخرى التي يطرحها هذا الموضوع الشائك، كانت وراء إثارة هذا الملف في العدد 32 من مجلة ذوات، المجلة الثقافية العربية الإلكترونية الصادرة عن “مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، والذي تحاول المجلة من خلاله تقديم بعض الإجابات والتوضيحات اللازمة التي قد تغيب عن القارئ العادي، والمستهلك لهذه النوعية من الأفلام والمسلسلات.
ويضم ملف “التاريخ والدراما التلفزيونية”، الذي أعدته الكاتبة والأكاديمية المصرية هويدا صالح، وقدمت له بمقال بعنوان: “استلهام التاريخ في الدراما التلفزيونية”، ثلاثة مقالات لباحثين عرب، الأول للكاتب والناقد المغربي نورالدين محقق بعنوان “الحضور التاريخي في الدراما التلفزيونية من البعد الفكري إلى البعد الجمالي: دراسة في البنية السردية والأنساق الثقافية”، والثاني للباحثة والكاتبة السعودية إيمان عبد العزيز المخيلد بعنوان “البناء الدرامي في المسلسل التاريخي”، والثالث للكاتب والصحفي المصري شريف صالح بعنوان “قراءة العلامات في الدراما التاريخية التلفزيونية”. أما حوار الملف، فهو مع الدكتور والناقد الفني المصري حسن عطية، الذي يرى أن الدراما التليفزيونية التاريخية لا تعد أبدا مصدرا من مصادر معرفة التاريخ أمام الباحث عن الحقائق التاريخية، لأنها لا ترصد التاريخ كما حدث بالضبط، بل تعيد صياغة المادة التاريخية في بناء درامي له خصائصه المؤثرة على البناء التاريخي للمادة المستلهمة.
وبالإضافة إلى الملف، يتضمن العدد 32 من مجلة “ذوات” أبوابا أخرى، منها باب “رأي ذوات”، ويضم ثلاثة مقالات: “القوقأة: من الدجاج إلى السياج” للأكاديمي والناقد السوري د. وفيق سليطين، و”فلسفة الدين باعتبارها ضرورة معرفية (من أجل إسلام تنويري)” للباحث المغربي في مجال الفلسفة عبد اللطيف الخمسي، و”أرباب أرضيون” للشاعر والناقد السوري محمد المطرود؛ ويشتمل باب “ثقافة وفنون” على مقالين: الأول للباحث اليمني المتخصص في تحليل الخطاب محمد فائد البكري بعنوان: “استراتيجيات القول في مجموعة “لنشرب قهوتنا مرتين””، والثاني للباحث والأكاديمي المغربي د. جمال أبرنوص بعنوان: “سؤال اللغة والهوية بالمغرب: في الحاجة إلى فضيلة النقد المزدوج”.
ويقدم باب “حوار ذوات” لقاء مع الروائي الجزائري عبد القادر الجمعي، أنجزه الكاتب والمترجم المغربي المقيم بباريس محمد المزديوي، ويقترح “بورتريه ذوات” لهذا العدد صورة للشاعر المغربي محمد السرغيني، الشاعر الذي يهابه النقاد، ويتهيّبون الدخول إلى شعره، والتوغُّل في مضامينه وفي فهمها، لأنه شاعر استثنائي ينهل من مصادر متنوعة، تجعل من كتابته الشعرية فسيفساء فريدة، أو كتاب صنائع، كما يصفها راسم هذا البورتريه الشاعر والناقد المغربي عبد اللطيف الوراري. وفي باب “سؤال ذوات”، تسائل الإعلامية الأردنية منى شكري مجموعة من الباحثين العرب حول: كيف أثرت ثورة المعلومات على العقلية العربية في العصر الحديث؟، فيما يقدم الباحث التربوي التونسي مصدق الجليدي في باب “تربية وتعليم”، مقالا بعنوان “لمحة تاريخية عن نشأة مؤسّسات التربية الإسلامية وتطورها”.
ويقدم الكاتب والروائي السوري جادالله الجباعي، قراءة في رواية “يدا أبي” للكاتب الأمريكي مايرون أولبرغ، تحت عنوان “لغة الحب”، وذلك في باب “كتب”، والذي يتضمن أيضاً تقديماً لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، إضافة إلى لغة الأرقام، التي نفردها لموضوع “السكري”، والذي ترى منظمة الصحة العالمية أنه سيكون السبب السابع للوفاة في العالم بحلول 2030.
ويمكن للقراء الاطلاع على العدد 32 من مجلة “ذوات”، في الموقع الإلكتروني لمؤسسة مؤمنون بلا حدود.