مثقفُو الصّورة

خاص- ثقافات

*سيومي خليل

مثَقف الصورَة ، هَذَا تَحديدا هو الحَال الآن ، في السابق كان المثقف هو كُتبه التي تَقرأ ، دون أن تَعرف مَلامحه ، فهل عَرفنَا مثلا الصالونات التي كانَ يَسترخي فيها دوستيوفسكي ؟، المثقف هو مجَموع تلك الكتب التي تَقرؤها لَه ، ومَجمُوع تلك الرَّجات التي يخلقهَا في القارئ ، حين تَقرأ له آخر شيء تفَكر فيه هو السيارة التي يَركب ، والمدن التي زَارها ، وهَل يَفطر بالبيض المطبوخ أم المسلوق …الآن معايير المُّثقف تغيرَت ، ولمْ يَعد بها معيار الكتابة والإبداع ، والدَّليل أنَّ هُناك من إن جمَّعت كتاباتهم كلها على الوَرق وفي الجَرائد وفي المواقع الإلكترونية لن تَجد ما يَجعلك تقتنع بأنه مثقف ، المثقف الآن هو مَجموع صوره التي ينشرها ، والأَكثر هو مجموع تلك التَّغريدات القصيرة التي تذكرني بكلاب -شي واوا -الصغيرة جدا والتي لا تَستَطيع أن تخيف فأر ،إضافة إلى أنّ جمالها لا يعول عليه ، المُّثَقف صار تلك الوَمضاَت الأدبية القصيرة جدَّا والتي استغرب لما جعلوا منها أدبا ، وهو تلك الصُّور التي يرفقها بهذه الكتَابات ، المثقف هو تلك اللقَاءات التي يحضرها ؛ فيجب عليه أن يحضر لقاءات مُّعينة ويجب عليه أنْ يأخذ صورة كي يقول أنَّه كان في لقاء شعري و قصصي وسياسي ، المُّثقف هو تلك الصور التي يأخذها مع مُّثقفين أكثر شهرة منه ، فيكفي شويعرا أن يَرى شاعرا في أحد الشَّوارع حتى يوقفه ويطلب منه أخذ صورة ، وحين يَرميها كالفتح المبين على الفيس يَكتب تغريدة تعني أنَّه مع الشاعر كانَا يُخططان لثورة شعرية لمْ يشهدها العالم ….
المثقف الهَامشي الذي يعيش لنفسه ولمَا يكتب تمَّ تَحليله في حمض الَأمونياك ، فلم يعد هناك مثل هؤلاء المُّثقفين ، وإن كانوا قد قاوموا الإنقراض فَالأكيد أنَّ صور ولقَاءات من يَعتقدون أنفسهم مُّثَقفي المركز ستقصف سَلسبيل أبيهم وستظهركهم ككائنات غريبة وجب احتقارها ، فالنّاس لا تُريد أن تُتعب نفسها بالقراءة الجادة ؛ دعك من كتابة تتعب عَينيك ، اكتفي فَقط بتغريدات ، وحين تُفَكر في نَشر كتَاب ليكُن كتابَا خَاصا بالحوارَات ولقاءَات المثَقفين…
أتَذكر مَا وقع بين أعضاء اتحاد كتاب المغرب ؛ كانوا يسبون أنفسهم في الجَرائد ، ويَقصفون أعراض بَعضهم بعضا ، وأكثرهم إبداعَا تَوقف عن الكتابة من -عام النمل -.
لتكن حرَّا أكثر اكتب لنفسك ، لاَ تَنتمي للجَمعيات التي يجلس أصحابها علَى مُّؤخراتهم كثيرا ، حين ترى أن هُنَاك مَا يزعج في الجمعيات التي اخترت أنْ تنضم إليها غَادر دُون تبرير ، عليك أن تَظل دون أن تَمسك لوثة ثقافة الصورة ، فحين تمسك هذه اللوثة بدل أن تبدع نصا باذخا يقرأه أشخاص فقط ستكتب نصا على مقاس القراء الأغبياء الذين صرت تهتم لهم ؛ المَّسألة تُشبه إرضَاء جَيش من الجهال بما يمْلأ أَنفسهم غرورا ويملأك أنت …وأنت تكتب توقف عن هذا الحلم ؛ أن تَصير كَاتبا ، فسحقا للكتَاب أينما كانوا .
وأنت تَكتب فكر في هَذا الأَمر ؛ أنك تُخرج فَضَلات الرُّوح بالكتابَة لترتَاح الروح مثلما تخرج فضلات الجسد ليرتاج الجسد.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *