معجم الفلاسفة الأمريكان.. شناعات بالجملة لا تشرف ثقافتنا العربية
ديسمبر 1, 2016
خاص- ثقافات
د. خليد كدري(*)
رزقت المكتبة العربية، قبل حوالي سنة، بمولود جديد اختير له اسم معجم الفلاسفة الأمريكان من البراجماتيين إلى ما بعد الحداثيين [1].
ويلتئم الكتاب من “تقديم” بقلم محمد الشيخ (المغرب)، وثلاث وعشرين مادة، أولاها “رالف ولدو إمرسون” بقلم نضال البغدادي (أمريكا)، وآخرها “فرنسيس فوكوياما” بقلم صباح الحاج مفتن (العراق).
إنه كتاب تعاونت عليه أربع دور نشر عربية، كما هو مبين في الغلاف. لكن، ماذا كانت الحصيلة؟ فمع الاحترام والتقدير الواجبين لثلة من الباحثين العرب الذين ساهموا بمقالاتهم الرفيعة في هذا العمل، نجد أن العمل هو، في نهاية المطاف، نموذج آخر للرداءة التي تنيخ بكلكلها على حياتنا الثقافية العربية منذ عقود. أجل، إن الكتاب يتضمن بعض الأسماء العربية التي نكن لها الاحترام والتقدير الذي تستحقه من غير مجاملة، لكن الشناعات التي لا تحصى التي تضمنها الكتاب ألقت بظلالها الكالحة على قيمة العمل كله. ومما لا شك فيه أن النصيب الأوفر من المسؤولية يتحمله السيد علي عبود محمداوي (العراق) بوصفه محررا ومشرفا على المشروع من بدايته إلى نهايته.
هناك، قبل كل شيء، الخطأ المنهجي الفادح المتمثل في تسمية العمل باسم “المعجم”، ذلك أن المعجمDictionary ، في العرف الكوني، لا بد أن يكون مرتبا ترتيبا أبجديا، وليس “حسب تواريخ ولادات” الفلاسفة، كما جاء في “التنويه” (والأصح: التنبيه) الذي يتصدر أولى صفحات الكتاب[2]، وإلا فإنه لا يعدو أن يكون ديوان “تراجم” أو – إذا تسامحنا أكثر – كتاب “أنثولوجيا”Anthology ؛ وعلاوة على ذلك، فإن ترتيب المواد “حسب تواريخ ولادات” الفلاسفة يتنافى منطقيا مع دلالة العنوان الفرعي للكتاب الذي هو “من البراجماتيين إلى ما بعد الحداثيين”!
وقد كان حريا بجهة التحرير والإشراف أن تحرص على ترتيب مواد الكتاب على حروف الهجاء، مع التقديم لها بجدول زمني أو كرونولوجي لتنوير القارئ العربي؛ كما كان عليها أن تسهر على تزويد الكتاب بملحق يتضمن فهارس المصطلحات الفنية والأعلام والأماكن المذكورة فيه، لكنها للأسف لم تفعل.
ويضاف إلى ذلك أن “المعجم” أغفل ذكر العشرات من الفلاسفة الذين لا يقلون أهمية في التاريخ عمن ذكروا، بل إن العديد من هؤلاء الذين ذكرهم “المعجم” قد تتلمذوا على أولئك الفلاسفة الذين تم إقصاؤهم بصورة متعسفة غير مبررة.
ونلاحظ كذلك غلو بعض كتاب “المعجم” في الإحالة على الروابط الإلكترونية. ومع أنه لا اعتراض على ذلك من الناحية المبدئية، إلا أن لهذا الاختيار ضوابط منهجية يتعين الامتثال لها، وفي طليعتها ذكر تاريخ استشارة الصفحة الإلكترونية التي يحيل عليها الرابط، وهو ما لم يتقيد به الكتاب المعنيون.
وأما عن استعمال علامات الترقيم في “المعجم”، فحدث ولا حرج! إنه استعمال موسوم، في معظم الكتاب، بالعشوائية التي لا شك أنها ستؤثر سلبا على سلامة استيعاب ما صح من مضامينه. وأقول: “ما صح من مضامينه”، لأن ههنا الطامة الكبرى التي سنكتفي بثلاث عينات منها لأنها كافية:
1- العينة الأولى:
نقرأ في ما كتبه السيد نضال البغدادي (أمريكا) في مادة “رالف ولدو إمرسون”Ralph Waldo Emerson ما يلي: «ولد “رالف والدو إمرسون” بتاريخ (25 مايو 1803م)، في “بوسطن” عاصمة ولاية ماساتشوستس، حيث انحدر من سلالة تسلمت الوزارة أبا عن جد، فقد كان جد أبيه جوزيف إمرسون وزيرا، كما كان جده وليام إمرسون الأب وزيرا أيضا، وقد مات في حملة عسكرية عام 1776م). وفي ذلك الوقت، كان “وليام إمرسون” (الابن) في عام (1770م) لا يزال في السابعة من عمره، ثم صار وزيرا – كذلك – عندما كبر.»[3].
وهكذا، فالسيد نضال البغدادي يقلد إمرسون، وأفرادا آخرين من عائلته، منصبا لم يتقلده أحد منهم على الإطلاق، ونعني به منصب الوزارة في الدولة. ونحن لا نجد لذلك أي تفسير آخر سوى كون السيد العراقي قد فهم من لفظminister معناه السياسي المألوف، أي معنى “الوزير”، بينما المقصود باللفظ المعنى الكنسي، أي معنى الكاهن أو “خادم” الدين!
وفي نفس المادة، نقرأ: «وبدأ بوضع مجلة إلكترونية أطلق عليها اسم “العالم الواسع”.»[4]؛ ثم يحيلنا البغدادي على ترجمة روبرت ريكاردسونR. D. Richardson لإمرسون، والتي نقرأ فيها [5]:
« he began the first of what was to be a series of notebooks he called ‘’Wide World’’. »
وهكذا، فالسيد البغدادي يترجم لفظnotebooks بعبارة “مجلة إلكترونية” بدلا من “دفاتر” أو “كراسات” أو “مذكرات”! وبذلك يكون إمرسون سباقا، على رأي السيد البغدادي، إلى إنشاء أول مجلة إلكترونية في التاريخ البشري! أجل، وحصل ذلك في أوائل القرن التاسع عشر حين كانت عربات الخيول ما تزال تجوب شوارع المدن الأمريكية!
ونقرأ له أيضا: «فعمل نادلا لمجلس العموم» [6]؛ ثم يحيلنا على كتاب جون ماكلرJohn J. McAleer عن إمرسون، والذي نقرأ فيه أن إمرسون اشتغل كنادلWaiter في “نادي الطلبة” Junior Commons [7] الذي يتحول بقدر قادر إلى “مجلس للعموم”، أي غرفة برلمان!
ونقرأ له كذلك: «في بعض كتاباته مثل مقال “الإفراط في الروح”The Over-Soul »[8]! والصواب كما نعلم، هو: “النفس السامية” أو “الروح العلوية”، إلخ…
2- العينة الثانية:
ويتعلق الأمر بما كتبه السيد الشريف طوطاو (الجزائر) في مادة “جوزايا رويس”Josiah Royce ، حيث نقرأ أن هذا الأخير: «ولد عام 1855م في مدينة سيرانيفادا»[9]. والحال أن جوزايا – أو يوشيا – رويس ولد في مدينة غراس فالي Grass Valley، إحدى مدن مقاطعة نيفادا بولاية كاليفورنيا، وليس في “سيرانيفادا” الذي هو اسم السلسلة الجبلية المعروفة!
كما نقرأ أن جوزايا رويس نشر، عام 1881، كتابا تحت عنوان “أهمية التحليل المنطقي”[10]؛ لكننا حين نعود إلى مختلف المراجع المتوفرة نجد أن كتاب جوزايا رويس يحمل عنوانA Primer of Logical Analysis ، يعني “مباديء التحليل المنطقي” أو “مرشد الطلاب المبتدئين إلى التحليل المنطقي”، إلخ، وليس “أهمية التحليل المنطقي”!
ونقرأ أيضا أن جوزايا رويس أخرج، عام 1909، كتابا تحت عنوان: “مشكلات الجيل ومشكلات أمريكية”. والحال أن هذا العنوان لا وجود له في فهرست أعمال جوزايا رويس المعروف. لكن الظاهر أن السيد طوطاو يقصد الكتاب الذي صدر لجوزايا رويس عام 1908، وليس 1909، وهو يحمل عنوان: Race Questions, Provincialism and Other American Problems، وترجمته الأصح، كما نعلم، هي: “قضايا العرق، والعصبية المحلية، ومشكلات أمريكية أخرى”، وليس: “مشكلات الجيل ومشكلات أمريكية”!
3- العينة الثالثة:
ويتعلق الأمر بما كتبه السيد مونيس بخضرة (الجزائر) في مادة “جون ديوي”، حيث نقرأ: «ولد جون ديوي بمدينة قرمونت عام 1859…»[11]؛ والحال أن “قرمونت” – والأصح فرمونتVermont – ولاية وليست مدينة. أما المدينة التي ولد فيها ديوي، فهي مدينة برلنغتون في ولاية فرمونت الأمريكية.
ونقرأ أيضا: «مثلما اعتبره إروين إدمانErwin Toxicomanie [كذا!] أحد صناع القرار الأمريكي»[12]؛ فليت شعري، من أين أتى السيد بخضرة باسم Erwin Toxicomanie ؟ كيف يتحول الاسم العائليEdman إلى Toxicomanie؟ وكيف عن للسيد بخضرة أن يترجم “إدمان” إلى Toxicomanie بدلا من الحفاظ على الاسم الأصلي Edman؟
ونقرأ كذلك: « يقول يكهو يزنEckhopèse »[13]؛ ثم يحيلنا المؤلف على كتاب أحمد فؤاد الأهواني عن جون ديوي؛ لكننا حين نرجع إلى كتاب الأهواني، نجد “ديكهويزن” Dykhuizen وليس “يكهو يزن” أو “إيكهوبيز” Eckhopèse التي لا ندري من أين جلبها السيد بخضرة!
نكتفي بهذه الشناعات التي لا تغتفر لجهة الإشراف على هذا العمل، ومعها أربع دور نشر عربية لها مستشاروها وخبراؤها ولجانها العلمية. أجل، أربع دور نشر عربية! حتى أن صديقي علق ذلك، قائلا: أربع دور نشر عربية حتى يتفرق دم “القتيل” بين القبائل!
______________
(*) كاتب وباحث أكاديمي من المغرب.
هوامش:
[1]- علي عبود محمداوي (إشراف وتحرير)، معجم الفلاسفة الأمريكان من البراجماتيين إلى ما بعد الحداثيين، الرباط: دار الأمان، بغداد: دار عدنان، الجزائر: منشورات الاختلاف، بيروت-لبنان: منشورات ضفاف، ط. الأولى، 2015، 839 ص.