‘ثورة افتراضية’: الفضاء الرقمي يعصف بمستقبل البشرية

*طاهر علوان

الدخول في عواصف رقميّة متواصلة تتدفق على المجتمعات البشرية، هو ما تتم معالجته في فيلم “ثورة افتراضية” لمخرجه وكاتب السيناريو أيضا غاي روغر دوفير (إنتاج 2016) من خلال تتبّع الكائن البشري مقذوفا من دون إرادته في وسط تلك العاصفة.

وأنت تشاهد الفيلم والمعروض في الصالات الأوروبية حاليا سوف تشعر منذ الوهلة الأولى بانعدام اليقين بالمكان والزمان والأحداث، كلّها من الممكن أن تكتسب صفات افتراضية وطبيعة رقمية، الشخص المجهول الجالس في مكان ما مغمض العينين، وهو مرتبط عقليا وجسميا بدورة رقمية وعالم افتراضي سوف ينتقل إلى عصور سحيقة، وإذا به محاربا في نزال بالسيوف في وسط الغابات، تلك هي بداية الفيلم وما أن ينتهي النزال حتى نعود مع الشخصية إلى العام 2047، حيث سنكون في باريس ونعيش ما تعيشه الشخصية.

الممثل مايك دوبود في دور ناش، هو محور الفيلم والذي تلتقي عنده خطوط الدراما، هو الذي يكشف لنا الكثير من تلك العاصفة الرقمية بوصفه إحدى ضحاياها وأبطالها في الآن معا، وهو الذي سوف ننتقل معه إلى ما سيؤول إليه الكون في تلك الحقبة الزمنية.

ثلاثة أرباع البشرية مرتبطون أونلاين وأغلبهم يعيش واقعا افتراضيا، بعيدا كل البعد عن الواقع الحقيقي، يحومون عبر التاريخ والجغرافيا ويتشظى من حولهم المكان، وناش في وسط الدائرة، هو عميل ينفذ أمر رئيسته دينا (الممثلة جين بادلر) بالاقتصاص من منظمة إرهابية سبرانية تقوم بمهاجمة النظام الرقمي، بقصد إخراج الناس من الواقع الافتراضي من أجل إعادتهم إلى الواقع الحقيقي، وهو في وسط هذه المهمة يصبح هدفا للأنتربول الذي يتلاعب بمعلوماته ويخترق أسراره قراصنة “هاكرز”، ولهذا يجد ناش نفسه هدفا للجميع، يخوض نزالات تشبه نزالات الملاكمة ويلاحق أشخاصا هم أقرب إلى الأشباح.

احتشد الفيلم بتقنيات بالغة التطور مشتق أغلبها من البرمجيات ثلاثية الأبعاد التي تسود ألعاب الفيديو لتشكيل المشهد وصنعه من قبل اللاعب الرقمي نفسه، هنا السيارات تطير والعالم شبه المعتم هو الذي تعيش في كنفه الشخصيات.

ما عدا الشخصية المحورية ناش نجد أن الشخصيات الأخرى دخلت في إطار نمطية في الأداء لا تختلف كثيرا عن شخصيات سادت أفلام الخيال العلمي، بل إننا في هذا الفيلم نجد شيئا من أسلوب ريدلي سكوت في سلسلة “متسابق المتاهة” أو ديفيد كرونينبيرغ في فيلم “الوجود”، وهنا شخصية ناش المتقشفة والرثّة في بعض الأحيان هي أقرب إلى شخصية بروس ويليس أو شخصية هاريسون فورد.

وعلى الصعيد المكاني تم الاشتغال بعناية على التنويع في المشاهد الفيلمية والانتقالات الحادة والسريعة التي كشفت عن أماكن شتى أسهم كل منها في تصعيد الدراما، لكن الفيلم أراد في ذلك الانتقال من الغابات إلى العالم الرقمي الحديث وعالي التطور أن يجمع جماليات مكانية شتى بدت متعارضة في ما بينهما، وزاد من إضعاف أهميته أن المَشاهد لم يتمِ إشباعها دراميا بما فيه الكفاية، والسبب واضح وهو وجود ثغرات في السيناريو.

ومن جهة أخرى سعى الفيلم من خلال قتامة الصورة والمسحة اللونية النحاسية أو ذات اللون البني والبرتقالي الداكن إلى الإيحاء بالأزمنة والأماكن المجهولة، لكنه أسرف في ذلك ولم تشفع معه تلك النزالات المتواصلة بين الخصوم، ورافقت ذلك عناية لا يمكن إغفالها باستخدام عنصر الإضاءة والتكوين المتقن الذي ساعدت الرقمنة والخدع البصرية في تماسكه وجماليته.

وعلى صعيد السرد الفيلمي، وبالرغم من وضوح خطوط الصراع منذ المشاهد الأولى من الفيلم بالاعتماد على شخصية البطل المحورية، إلاّ أن مضي أحداث الفيلم وفق الرتابة التي ظهر عليها لم يساعد كثيرا في متعة الاكتشاف والتشويق، مما انعكس على السرد الفيلمي وعلى ضعف الحبكات الثانوية في الفيلم.

الشخصيات النسائية القائدة تم التعويل عليها في الفيلم ابتداء من شخصية دينا ثم كاميلا (الممثلة كايا بلوكساج)، ثم كيت (الممثلة بيترا سيلاندر) وقد توزعت أدوارهن في إطار ذلك العالم الافتراضي والصراع ما بين الإرهابيين السبرانيين والأنتربول والشركة التي ترأسها دينا، والتي تجد نفسها في مأزق لم تشفع معه بطولات ناش.

في كل الأحوال ينحو الفيلم منحى فيه قدر من الجمالية على صعيد البناء الدرامي ورسم الشخصيات وعلى صعيد المونتاج والموسيقى وجماليات المكان، وجميعها أسهمت في انتشال الفيلم من بعض الهفوات والهنات التي سبق أن أشرنا إليها.
_____
*العرب

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *