لعنة الكاتب

خاص- ثقافات

*كمال ميرزا

منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وعبر عقد التسعينيات، وحتى مطلع الألفية الجديدة، كانت مسلسلات الفنان السوري القدير “ياسر العظمة” تحظى بشعبية كبيرة.

مسلسل “مرايا” بأجزائه المتعددة، و”حكايا المرايا”، و”شوفوا الناس”.. أسماء متعددة بثيمة واحدة.

القصص واللوحات الاجتماعية التي تضمنتها هذه المسلسلات كانت في الغالب من كتابة “ياسر العظمة” نفسه، منها ما هو أصيل، ومنها ما هو مقتبس أو مستلهم.

في مرحلة متأخرة، أظن مسلسل “شوفوا الناس”، حرص “ياسر العظمة” في مقدمة المسلسل أن يضع جوار اسمه عبارة: “حسب ما قرأ وسمع وشاهد”.

“ياسر العظمة حسب ما قرأ وسمع وشاهد”، هنا بيت القصيد.

الكاتب العضوي (وبالمثل الفنان)، الكاتب الذي يكتب عن المجتمع وللمجتمع، الكاتب الذي يزاول الكتابة بمعناها الوظيفي، أي بهدف تحقيق غايات وأهداف اجتماعية وليس فقط لمجرد الكتابة أو المهنة أو تحقيق المجد الشخصي.. مثل هذا الكاتب يكتب حسب ما “قرأ وسمع وشاهد”.

هو لا يكتب مذكراته، وهو لا يكتب تجربته الشخصية أو انطباعاته الذاتية، وهو لا يؤرّخ لأحداث وتفاصيل حياته.. هو يكتب عن تجربة وحياة وأحداث وتفاصيل المجتمع ككل.

المشكلة عندما يبدأ المجتمع/ الجمهور يمارسون إسقاطاتهم على هذا الكاتب، معتبرين أن كل ما يكتبه يعبّر عنه شخصيا، عن تجربته الذاتية، عن تفاصيل حياته، عمّا عاشه وخبره وجرّبه بنفسه، أو حتى عمّا يعتمل ويحوك ويجوس داخل مكنونات صدره.

وعندها تبدأ تنهال على الكاتب مختلف أنواع الإسقاطات، ليجد نفسه فجأة وقد أصبح موسوما ومدموغا بمختلف أنواع الأوصاف والأحكام المتناقضة: صالح وطالح، تقي وفاجر، مستقيم ومنحرف، مخلص ومغرض، صحيح ومكبوت، متزن ومهووس.. الخ.

قائمة من النعوت تطول بطول كتابات الكاتب وعمره.

ولأن مثل هذا الكاتب معني أكثر بنقد المظاهر السلبية في المجتمع أملا بإصلاحها، ولأن هذه السلبيات هي مادة الكتابة التي تطغي على كتاباته، وبالتالي مادة التقييم والمحاكمة التي يمارس عبرها الناس إسقاطاتهم..  يجد هذا الكاتب المسكين في نهاية المطاف أن الأحكام السلبية هي التي تلتصق به وتبقى معه أكثر من الأحكام الإيجابية.

وشيئا فشيئا يصبح هذا الكاتب مدانا ومرفوضا ومنبوذا من قبل الجميع، ابتداء من دائرته الضيقة الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران والزملاء.. وصولا إلى المجتمع بمفهومه الواسع.

“أيها الناس، لا تمارسوا عليّ إسقاطاتكم، ما أكتبه هو أنتم وليس أنا”..

هذه هي لعنة الكاتب!!
________
*كاتب أردني

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *