ألبرتو مانغويل روائياً

*سعد الحميدين

«حب المكتبات، مثل أكثر المحبات، ينبغي أن يكتسب بالتعلم. ما من أحد يخطو أول مرة داخل غرفة مليئة بالكتب، وبإمكانه أن يعرف بالغريزة كيف يتصرف، ما يتوقع، ما الذي سيناله، وما هو المتاح»

(أ – م)


هذا القارئ النهم، المحب للكتاب بالرغبة التي مكَّنها لتكون هواية ومن ثم صنعة ومهنة موزعة بين القراءة والكتابة، يهجس في كل حالاته بأنه يعوم في بحر متلاطم من الكلمات، كلمات يكتسبها من مصادرها، وأخرى هو صانعها ومبتكرها، ومبدعها، وكلها كلمات دالة على تعلق (ألبرتو مانغويل) بالقراءة والكتابة، وبحب للآخر المتلقى نقل الكثير مما كسب في كتب تحبب القراءة للغير وتساعد كمفاتيح لأبواب يمكن أن يدخل منها من يريد أن يقرأ، فكتب مانغويل في مجملها عن القراءة والكتابة، مثل (يوميات القراءة – المكتبة في الليل – تاريخ القراءة – فن القراءة) فهو كما قيل عنه الرجل المكتبة، أو المكتبة المتنقلة، وقد حاضر في الجامعات والمنتديات عن القراءة وفوائدها وعن الكتب والكتَّاب، وقد كان ملاصقاً ومحباً لمواطنه الأرجنتيني الشهير بشغفه للكتب والمبدع العالمي (خورخي بورخيس) الذي استمر يعطي وقد فقد بصره قيل بأسباب كثرة مطالعته وربما لأسباب أخرى، ولكنه اشتهر بإدمان القراءة مع الكتابة التي كان يتفرد بها عن سواه.

tres-obras-1

الكاتب عن الكتب ألبرتو مانغويل خرج عن طريقه المألوف، إذ أصدر رواية بعنوان (عودة) ولكن من النظرة الأولى ومواجهة الشخصية الرئيسة في الرواية يتضح أن محبة الكتاب التي جُبِلَ عليها الكاتب قد انْصَبَّتْ على شخصيات الرواية، أو معظمهم، فكلهم من المتعاملين مع الثقافة، فنستور فابرس الذي هاجر إلى أوروبا يتسلم دعوة من ابنه لحضور زواجه، هذا الابن الذي لم يره، فثلاثون عاماً تفصل بينهما، حيث ولد بعد الهجرة القسرية من أم تدعى (مارتا)،: «لم يكن يريد العودة، أو بالأحرى، ومنذ اليوم الأول الذي تنزه فيه عبر شوارع روما المرصوفة بالحجارة، كان قد أقسم لنفسه بأن المدينة الأخرى، المدينة التي كانت مدينة طفولته وشبابه، ستنتمي إلى الماضي من الآن فصاعداً، إلى شيء كان حياً كان يوماً ما ولم يعد كذلك، مكان ابتلعه البحر، لم يشأ أن يصبح أحد أولئك المنفيين الذين سيقومون، من ظهيرة إلى أخرى، على طاولة مقهى حديث».

في انعطاف باطني أخذ يَتصوَّر بلاده، ويتخيَّل ابنه الذي أكَّد له بأنه قد حجز له في فندق معروف في (بيونس ايرس)، وأنه سيسعد بحضوره ومباركته لزاوجه فهو أب، وكل أب يغمره الفرح ويفتخر بما أنجب عندما يرى ولده رجلاً يدخل معترك الحياة الجديدة كما ينتظر منه الأحفاد الذين سيضيفون حلقة من حلقات السلسلة السلالية حيث يحملون ختم الأسرة ويطبعونه في ورق المسيرة الحياتية، كل هذه الأفكار وما تضيفه من أخيلة لأب كهل وولد شاب متأبطاً ذراع عروسه ليلة العرس، وسافر فابريس بعد تعب لكونه لم يتعود على السفر ولا يعرف ما هي الإجراءات، وانتقلت معه معاناته في مطار بلاده، فلم يجد ابنه في استقباله، وركب سيارة الأجرة وكان نصيبه مع سائق شرس لا يكاد يتكلم، أخبره باسم الفندق، ووضعه عند فندق آخر، لم يكتشفه إلا بعد أن وصله الدور، وأفهمه موظف الاستقبال أن لا حجز باسمه في الفندق، وأنه سيدبر أمره بعد ثلاث ساعات، يخرج ليرى معالم المدينة التي تغيرت عليه كثيراً، فيتوه، ويجد أحد المعارف حاول الاستعانة به ليعود للفندق الذي ترك حاجياته فيه فلم يفلح ويهرب منه، فيجد حافلة تقف بجانبه ويطلب سائقها أن يركب بسرعة فصادف أن السائق هو البروفيسور غروسمان يعرفه فسأله «مالذي تفعله بقيادتك للحافلة؟! رد عليه: الجميع هنا يحتاج إلى عملين. وأنا فابريس كنت طالباً عندك، وفاجأه: أنا أعرفك لقد رسبت في مادة التاريخ لسنتين متتاليتين إن لم أكن مخطئاً -كسول كدبور في الشتاء- لم تنجز أي ورقة دراسية».

يدور بينهما الحديث ويطلب منه التوقف، والكن غروسمان يخبره بأن الحافلة لا تتوقف إلا في مكان مخصص، والمكان خارج المدينة في قرية تضم العديد من الكتّاب، والمثقفين، والفنانين تشبه المنتجع، فلا يتمكن من الرجوع معه بعد أن اكتفى بأن عرفه على المنتجع وأهله، ويمكنه الرجوع مع حافلة قادمة تخص هذا الأمر، «اقترب من الحافلة القادمة وكأنه قد استأنس بالوافدين الجدد، فكر بحزم دون أن يعير انتباهاً للريح الباردة التي كانت تهبُّ عبر قميصه الخفيف اقترب من الحافلة الأولى التي كان بابها يفتح الآن».

هل يبقى مرشداً في المنتجع؟.

  • الرواية صادرة عن دار الساقي 2015 ترجمة (يزن الحاج)

    ______

    *جريدة الرياض

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *