خاص- ثقافات
ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير، صدرت في القاهرة مجموعة روايات كورية قصيرة في كتاب جديد ترجمته رضوى أشرف؛ الكاتبة والمترجمة المصرية التي تقيم وتعمل في مؤسسة إعلامية ثقافية بالعاصمة الكورية الجنوبية سيؤول وقد مكنتها ثقافتها الكورية من انتقاء أسماء مرموقة تنتمي لأكثر من جيل وتمثل أيقونات معاصرة للأدب الكوري السردي.
الكتاب (332 صفحة) هو الثاني في السلسلة وتصدره مكتبة المشارق التي تولي اهتماما بالأدب الآسيوي بعد أن تجاوز حدوده الجغرافية فصار مترجما إلى كثير من لغات العالم، ونال مكانة مرموقة وجوائز كبرى.
في تقديمها للترجمات عرضت رضوى أشرف لتاريخ كوريا ما بين معاناة شبابها فترة الاحتلال الياباني، وحربها الأهلية، وتأثر الأدب الكوري الشديد بالأدب الصيني. ويرتبط الأدب الكوري الحديث غالبًا بنشأة “الهانجل،” اللغة الكورية؛ الهانجل هي اللغة التي بدأ استخدامها في كوريا مع القرن الخامس عشر، والتي يرجع الفضل في ابتكارها للملك سيجونغ العظيم من سلالة جوسون، والذي يقدسه الكوريون حتى الآن لابتكاره أبجديتهم الخاصة.
وبفضل الهانجل انتشرت الثقافة ما بين مختلف طبقات الشعب وخاصةً النساء، بعد أن كانت مقتصرة على النبلاء والرجال فقط. ولكن الهانجل لم يشهد ثورة بحق في الأدب الكوري حتى حلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث ظهرت مفردة جديدة “سينسوسل،” والتي تشير للروايات المكتوبة بالهانجل. شهد الأدب الكوري المعاصر مراحل كثيرة، في إحداها عرف الشعر تطورًا وازدهارًا كبيرين في النشر، بينما اكتسحت الأعمال الوطنية سوق الأدب في فترات أخرى.
مع انتهاء الاحتلال الياباني ونشوب الحرب الأهلية، ظهر في السنوات الأولى لانقسام الكوريتين نوع أدبي جديد ارتكز على تصوير مأساة الحرب ومعاناة الشعب جراء ذلك التقسيم، الذي تسبب بتفرقة بعض العائلات للأبد. بعد الحرب نظرت الكثير من الأعمال الأدبية في كوريا الجنوبية إلى الحياة اليومية العادية للمواطنين، وصراعهم في مواجهة جرح وطني لم يلتئم. انهيار المبادئ والقيم الكورية كانت إحدى الثيمات الغالبة على أدب تلك المرحلة كذلك. وفي تلك المرحلة انقسم الأدباء بين فريقين، اختار أحدهم العودة للجذور الكورية القديمة وإعادة استخدام الأساطير والحكايات الشعبية، بينما حاول الفريق الآخر تقديم تجارب حديثة ودمجها بالأدب الكوري.
ومع حلول فترة 1960، بدأ الكُتاب الكوريون برفض أدب الاستعمار كوسيلة هروب من الواقع. عكست أعمال أدبية كثيرة من تلك الفترة الإغتراب واليأس، في محاولة شغل القارئ بالواقع السياسي لتلك الفترة. ما جعل الشعر والنثر يتحولان لأداة سياسية هامة. بينما شهدت فترة 1970 أفكارًا مناهضة للحكومة وحركة التصنيع الغالبة على المجتمع وضررها على المزارعين. حتى بداية فترة 1980، لم يكن الأدب الكوري معروفًا خارج شبه الجزيرة الكورية، ولكن بعد تلك الفترة، بدأت تتنشر الأعمال الكورية المترجمة وخاصة مع ازدهار الثقافة الكورية. وما بين الكيمتشي و”جانجنام ستايل” وجدت الروايات والأعمال الأدبية الكورية جمهورًا لها حول العالم.
واختارت المترجمة لهذه المجموعة 8 روايات قصيرة لكاتبات مختلفات، يتحدثن عن ثيمتين رئيستين، وهما الحرب الأهلية وعلاقة كوريا الجنوبية بالشمالية، والأخرى هي معاناة الشابات ما بين إحساسهن بالغربة وسط عائلاتهن أو في العاصمة الكبيرة.
وعن سبب اختيارهن نساءً، أفصحت رضوى عن رغبتها منح الكوريات فرصة للسطوع في عالمنا العربي، وإحدى الكاتبات اللواتي اختارتهن هي شيم كيونغ سوك، والتي اشتهرت بروايتها “أرجوك اعتنِ بأمي” والتي فتحت الطريق للمزيد من الأدب الكوري، ولكنها لا تزال ترى تقصيرًا في الالتفات للنساء. كما أنها تشعر أن صوت النساء يعبر عن تلك الأحاسيس المُختلطة، خاصة تلك التي تعاني منها الشابات، بشكل مميز.
في رواية “لعبة المساء” لأوه جونغ هي نرى شابة محبوسة في سجن “المنزل” لتهتم بوالدها المُسن، مثلها كمثل بطلة نوفيلا “البحث عن الفيل” لجو كيونغ ران التي لم تستطع الفكاك من براثن الأسرة. وفي حكايتي “مجمع سامبونج التجاري” لجونغ إل هيون و”رحلة للمتجر” لكيم أي ران نرى مشاهد التمدن وآثارها السلبية على الشابات الكوريات.
أما محور القص في كل من”حيث يوجد الأرغن” لشين كيونغ سوك و”يقطين الولادة” لبارك وان سو نرى فهو تعامل هاتين الكاتبتين مع مشاكل اجتماعية كالخيانة الزوجية وإنجاب فتيات في مجتمع يفضل الذكور.
وفي قصتي “حارس والده” لتشوي يون و “الأنامل القرمزية” لكيم مين سوك نرى كيف أثرت الحرب الأهلية وإنقسام كوريا ما بين شمالية وجنوبية على العائلات، وعواقب ذلك الانقسام عليها بعد مرور عقود.