رسائل الى صديقتي والبلاد

خاص- ثقافات

*سميحة المصري

لقد أخذوا النورسَ إلى البلادِ البعيدةِ فظلَ يهتفُ

حَبيبتي ، وحيدتي ، حَبيبتي …البِلاد ..البلاد

البِلااااا ……….!

آه يا حبيبة ، أيتها البلاد …

كم صرختُ على الموتِ : توقفْ يا صديقي …

ففي الحب وفيكَ لا نقولُ كلَ شئ ..

لا زلنا نحلُمُ ونغنّي . عن السجنِ والزهرةِ والسجين

غِناء يصعدُ من الجحيم ..

والحنينُ المُشبعُ حينَ يغدو نِضالاً بارداً..أخافه

 يا الــ بِلاد : لو أنّي أعرفُ منابعَ ألمك . سَأجففها

فأنا من شدّةِ زحمةِ أحزانك

أذهبُ الى الصمتِ كثيراً .

لأستخلص من هناكَ حياةً جديدةَ اهبها لكِ

وبصوتٍ أعلى من رعدٍ بليلةِ شتاءٍ مُزمجرة

أطوفُ بالكمأ .. أصخْ ، قُمْ ، هُبَّ من أرضكَ.

ريثما أشربُ السفر .. وبحّة القلب

وأنثني عليك …

يا الأبعد ، وانتِ طليقةً في القلب

 يا أول الرسائل وآخرها

اعشبي ، تكلّمي ، ليطلعَ الكمأ…

شفاعتيكِ يا صديقة .. …

الحبُ والوفاء يجب أن نخترعهما كلَ يوم وإلا فلن نعثرَ بهما ، آمني ، فالايمانُ يبعثكِ الى مدينةِ الشفاعات ، هناك الشيفرة التي تحفظُ التوازن والحياة .

تعولينَ كثيراً على وفاءِ الكلاب ، وفي هذا أقول : حسبَ سيكولوجية الكلاب فإنَ أُنثى الكلب غير وفيّة تماماً ، خائنة ، لذلكَ أطلقوا عليها ألقاباً لا علاقةَ لها بالخلِ الوفي ، أضيفي إلى أن الكلبَ الذكر لا يصلحُ للحراسةِ عندما يجوعُ ، أويكون جريحاً لان كلباً آخر عضّه من أجل كلبةٍ أو عظمة ،  اذاَ فالوفاء ( الكلبي )هنا خاضع للشك بنسبة 90%

أما العشرة اليقينية الاخرى :فخمسةٌ منها يستحقها ذكرُ الكلب والخمسة الأخيرة محايدة مثلَ الصفر في الارقامِ الخالية..

تسألينَ عن حالاتِ الوفاءِ التي نستهلكها في الفترةِ الزمنيةِ التي نَعيشها ،!!

ساعيدُ الجواب : منذُ متى كانَ الوفاءُ يحسبُ بحساباتٍ كميّة !

ولو افترضنا أنه يُحسبُ ، ففي أي الموازين يمكن وضعه ، وهل يمكنُ أن نحشو رأسَ أحدهم بالوفاء مثلا ؟ أونفرشهُ في طريقة ، او نضعه على سريره ! أرجو إعمال الفكر الجميل .

أنا حنانيكِ / من الذين يخبئون الوفاء بعينهم اليمنى وقلبهم الايسر ( من خلاف) وذلك لبعثِ دمٍ صافٍ بين العين والقلب ، بحيثُ لو سهى القلبُ تقدمُ العين وردتها فيعتدل البساط ، الوفاءُ حسبَ ما أخبره ،  لا يضعونه في سلةِ نشرِ الغسيلِ على حبالٍ تمرُ عليها الريح الخؤونة كل حين ….

واسألي البلاد ….

البلادُ تعرفُ ريحها وشمسها وغسيلها ومقابرها

البلادُ تعزفُ موسيقاها الجنائزية والغَجرية كل ليلة

وأنا اخافُ جارنا الطويل

لأنه لا يُغنّي ولا يحبُ الموسيقى

والخوفُ يُؤرّق

واسألي البلاد …

عن الحميميةِ وعلاقتها بالذاتِ وبالأشياء : لقد ماتَ أبي وبقيتُ مثلَ حصاة الصبر مصابةٌ بالفقدِ وبالفزع فجزى اللهُ الغيابَ موتاً عنّي نصف الجزاء وجزاني ضعفَ أجر الفقد ..أكتفي  كما دائماً واحضّرُ بلا مللٍ لسماع

[ وحدن ابيبئوا متل زهر البيلسان / وحدن بيمرقوا على ابواب الزمان..وحدن .]

أيتها الريحُ لا تَسكتي

من سيُحرّك الأغصان بعدكِ

فإن ماتت من سيحضنُ حبات النَدى

كل صباحٍ وكلَ ليلٍ وعُرس وقصيدة ..

قلت  ..

سيكون موتي من قلبٍ رمادي .. صديق

إني حرةٌ والأحرارُ يقتلهم الأصحاب

فجهّزي لموتي ما يليقُ من الأقنعة

ومنَ الأوطان والأحزان والنكران ..

وجهّزي البلاد …

الألم أصلاً هو ابنُ ألم ، والدمعُ ابنُ دمع ، والموت ابن موت ..أشياء تتناسلُ من أصلاب آبائها ، فلا شئَ من صُدفة / حتى القلق له أب وكل هذه الأشياء لا تعرفُ العقوق ، كلٌ منها بارٌّ بأبيهِ ووفيّ لجذره .

أنا مثل أي كائنٍ يتنفسُ . أكرهُ الألم ..

وعندما يقفُ بالبابِ مبتسماً

 أحملُ حقيبتي الصَغيرة

وقَصيدتي ، وتذكرة سَفري وأُغادر ….

 كلهم يحبونَ سماءهم وينسون

أما أنا : مُهمتي استثنائية . أحبُ المساءَ ولا أنسى

 تلك الجلسةُ – والتي اتهمتُ زوراً فيها بالكبرِ تقولُ اسطورتها البائدة :

كنتُ استمعُ للمحاورين الأشاوس ، ولكنَ أحدهم وهو يقدم نفسه قال :

بكلِ تواضع أنا النبي فلان !

من أجل هذا آثرتُ الانسحاب خَجِلةً من جلسهٍ فيها نبي مُفلس ، بلا نبوة ولا رسالة ولا كتاب مُنزل أو موضوع ! ولا أتباع ، وفي ذاتِ الآن وأنا أُغادرُ قدّمتْ السيدة المهيبة نفسها على أنها ابنة الغابة السوداء ، فأحسست أنني  أمامَ البرد والعتمة  ، أو عند وحش مُتربص ، أو ورقة أسقطها خريفها ، او طائرشقيّ في قلبِ شَجرة لا أستطيعُ أنا الغريبةُ ، سليلة التراب ، واللا نبيّة مساكنتها !

الأنبياء لا يخدشونَ حياءَ البلاد والعباد.

الأنبياء يُسعفوننا بالغناءِ وبالنشيدِ على طريقتهم

فنُصلّي ، وترقصُ أرواحنا الصاعدة الى السماء

دائماً يهئ الله أُناساً يقومونَ بأعمالٍ جيّدة لنا

وكثيراً ما يعملُ الله من خلالِ الناس

في القلوبِ وفي الطرقِ وفي الغاباتِ وفي المطارات …

انظري لسيدي الدرويش .

ويد عبدالله البيضاء …

انهم من أهل الله .واهلي .

سيدي السهروردي : إنهم يختلفونَ معنا في الرأي ولكن ليسَ على شريعتنا  فنحنُ  نتفقُ ونختلفُ من منظورِ الوصالِ والعروجِ والمحبّة ،  وهم ينظّرون من منظورِ الغبار لذلك فاننا نعولُ كثيراً على ما يجئُ مع النهايات المُتفق عليها فقد تكون بدايات (أغزر بدءاً) من مطالعِ الأنهار ذاتها ..

ثمّة أرواح سخية تفعلُ كما تفعلُ السماء ..تُمطرُ كثيراً …

ونحنُ نشرب ، ونغتسل …

عنِ الروحانية والروح ..

أنا احسدكِ على كل هذا القلق وكل هذا اليأس ، وأنتِ تكتبينه بنشوةِ الشعر وشعر النشوة ، تمرّين كما البلاد بواحدةٍ من أسوأ سنينَ اكتئآباتكِ وهنا أتدخلُ لاقول :

لم يبقَ في يدِ الريحِ  اعزاءَ جداً

إنهم يتطايرونَ كصحفِ الآخرة …

عليك ان توقفي فورات الألم الكثيرة مُقدمةً لليلتكِ الغائمة قصيدة ابن الفارض والتي نُسبت الى ركنِ التصوّف حيثُ كانَ واضحاً أنَ شاعرنا العاشق كتبها وهوغارقٌ في المحبةِ حتى لحظات الوداع الاخيرة …

لقد آلمتني قصة الطفلة التي القيت من النافذة ، ولم تمت ، فقد قامت تمشي وأكملت بؤسها في الدنيا كامرأة ناقصة ، معطوبة ، بقدم واحدة .. في حين ذهبت السيدة التي القتها الى الاعتراف قبل ان تلتقي بالمشهد الدرامي عبر النافذة لتعرف هل ماتت الطفلة ام لا .

من يَسألني عن الوطنِ سأقول / أن تشربه

وأقولُ : أن لا ترتوي

ثم اقولُ : لهفي عليهِ وعليكَ

إنها رسالة غير جافة ، لقد دخلتُ المحرابَ مُرتديةً لوني الجميل ، وقهوتي ، وموسيقاي التي تعذب بالشجن ، والمحبة ،  وأشياء أفتقدها أجلستها على المقعد المجاور ، وعطر لا تذهبُ رائحته بسرعة (لا يشبه أحباب هذا الزمان ) لقد حضّرتُ ألقي الخاص ، وأغلقتُ مداخلَ الأصوات فأنا لا أدري الى اين سأذهب بالكتابة هذه ، ولكني أعلمُ أنَ ما سأكتبه  عن صلوات الندى  هو أفضلُ ما سأكتبه الليلة ، لذلكَ فقد عمّدني الحكيمُ على الطريقة الــ (غوتية ) في المدينةِ الكافرة ذاتها ،   فهناكَ بلدانٌ رغمَ كوارثها وبرودتها تعمّدكَ بالفرحِ كلما شممتها ، او قالوا اسمها عندك …

ويصلّي الندى ..

ويريد ان يغنّي ولا حنجرة.. النورس

لقد اخذوه الى البلاد البعيده فظل يهتف

حبيبتي ، وحيدتي ، حبيبتي …البلاد

آه يا حبيبة ، أيتها البلاد ….

ونملأ هذا الكأس كلما فرغ .. ويفرغُ كلما ملأناه ..

فالصواري والسفينة والبحر ولا ريح ..

كمْ صرختُ على الموتِ قائلة : توقفْ يا صديقي …

ففي الحب والموت لا نقولُ كل شئ

ولذلك تجري الأنهار

فوقَ البلادِ وتحتَ البِلاد …

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *