حوار حول تجربة الشاعرة عفراء قمير طالبي

خاص- ثقافات

بيروت – انديرا مطر

تخوض الشاعرة الجزائرية عفراء قمير طالبي في مجموعتها الشعرية الجديدة    ” لا أثر على الرمل لأعود ” مغامرة “الهايكو” الياباني؛ ومضات شعرية تلامس التصوف حيناً، وتستدعي بجرأتها صدمة القارئ ومخياله أحياناً أخرى. والأسلوب أو المذهب الشعري الياباني المعروف بالهايكو هو بالنسبة اليها منطوق خبرة حياتية يتصاعد من المعيش إلى الورق. في هذا الحوار تتحدث الشاعرة عن تجربتها الشعرية وتصف المشهد الشعري العام في الجزائر اليوم                   .

1.      اهتديت إلى شعر الهايكو بالقراءات الشعرية أم بالتجربة الحياتية؟
القراءة تعطي ما نعيشه في الواقع و نتفاعل معه، صيغته الترتيبية على الورق و تمنحه معادلا حبريّا قادرا على نقل اللحظة و قولها…طبعا لولا الإنخراط في جملة القراءات التي منحتني فرصة التعرف على هذا اللون الشعري ما كنت لأهتدي و لو أني أعيش الحالة حقيقة في واقعي فقط تخلو من اسم و تعريفة، فالهايكو عندي منطوقُ خبرة حياتية كما لو أنّه يصّاعد من محيطي إلى ورقي، هو لغة الأرض التي أحاول تدوينها قبل أن تتآكل وتختفي.

2.      هنالك بعض التجارب في الشعر العربي التي استلهمت الهايكو الياباني منهم بسام حجار ورينيه الحايك من خلال ترجمة أشعار الهايكو. هل في محيطك الثقافي في الجزائر صلة ما بهذه التجارب؟
ربما أنت تأتين على ذكر اسمين يشكلان حلقة في سلسلة أسماء أخرى مهدّت قبلهما وبعدهما لموضعة حقيقية  لهذا النمط الشعري الوافد جنبا الى جنب مع الأنماط الأخرى في الثقافة العربية، ربما كان لجهود الأنجلوسكسونيين كما هو معلوم سبقُ التعريف بالهايكو ترجمة و نقدا و تأليفا  قبل أن ينخرط في الحركة ذاتها مشتغلون آخرون من فضاءات تروم تماسا معه أيضا ، لذا فالهايكو إذا أتينا إلى تعريفه كشكل من أشكال التعبير الرؤيوي المقتضب بحيث تحتل اللحظة أو الآن نقطة تقاطع و انصهار جوهريين بين الطبيعة و الإنسان، قد دخل بدوره مجال اهتمام الكتاب و الشعراء و النقاد العرب الذين ولاشكّ استفادوا من هذا المدد الذي أسّست له المدرسة الغربية، بنقادها و مترجميها، انفتح هؤلاء مستلهمين في عملية تثاقفية انفعالية مع خبرة جمالية مغايرة، رؤية كتابية لها من الخصوصية الثقافية و الأسلوبية الفنية مما يصنع لها “مقام الاختلاف ” الذي يشد ّ إليه مثلما تشدّ إلى حقلها حجر المغناطيس، و بالتالي إمكان آخر داخل إمكانات التعبير الشعري عموما يعيد للسؤال المتعلق بالمعنى , بالرؤية، بالشكل، باللغة ، بالنص ، بالشاعر و حتى بالمتلقي حرقته ويمنحه سيرورة و صيرورة أبدا تختفي لتعود. أما عن التجربة في الجزائر فهي كغيرها من التجارب التي انفتحت على الهايكو كتابة إبداعية أكثر منها مساهمة ترُجمية أو نقدية إذ ما تزال فتيّة لو قورنت بالتجربة العراقية مثلا … فربما تعدّ تجربة الشاعر “عاشور فني” بمؤلفّيه في هذا النمط أولى هذه المحاولات أملا منه في ثقب طبل البلاغة كما يقول متحدثا عن أهمية اختراق مجالات إبداعية أخرى لضخ دمّ جديد في وريد الشّعرية العربية ، أيضا نجد تجربة الشاعر “الأخضر بركة” و هي رائدة جدا ، إضافة إلى بعض الأسماء التي قد تعدّ على أصابع اليد الواحدة.

3.      في بعض قصائدك ملامح من الصوفية. وقد وضعت جملة للصوفي الكبير ابن عربي في مطلع هذه المجموعة. هل للتصوف العربي أو الإسلامي تأثير في خياراتك الشعرية؟
دائما عندما نتحدث عن الإنسان فلا يمكن اختزاله مطلقا في بعده الحسيّ و الفيزيقيّ، الإنسان أيضا ذلك المعنويّ الروحيّ، و نحن في تجربة الشاعر ، عندما نشير إلى انفتاح الرّوحي/العرفاني لديه على الشعريّ فأن هذا يولج إنسيّته و روحيّته  عالم العبارة ذات البذخ المتعالي إذ تتمكّن اللغة من التحليق في مطلقها الجمالي و يتمكّن هو من استحلاب أقصى ما يمكن التعبير به عن خلجات الرّوح ، القصيدة في هذه الحالة أشبه بالصلاة، و الميل إلى عرفانية ما في الكتابة ليس خيارا واعيا وتخطيطا مسبقا من أجلّ تلبّس حالة مؤقتة لخدمة تصوّر فنّي يتطلّبه النصّ و كفى، بل هو سعي دائم لكي يختلط في قلب الشاعر ماءا  السّر و الشّعر أو  كما يقول الششتري “مزج رقّة المعنى برقّة الشعر”. و هذا ما نجده في الهايكو الذي بنى سياقاته الأولى متأملا في صحن معبد، قبل أن يتخذ له منعرجا ويستقل برؤاه ضمن أبعاد جمالية بعيدة عن المرجع الديني الذي نشأ في رحابه… طبعا الحديث هنا متشعب و ذو شجون

4.      دراستك الاكاديمية وتخصصك في الفلسفة هل كان لها دور في كتابة الشعر؟
الفلسفة ليست فقط أمّ العلوم ، بل هي أم كلّ الرؤى، لن أقول من جميل الحظ أني أدرس الفلسفة بل من صائب الإختيار الذي أردته متّكأ حقيقيا لتجربتي الإبداعية، لا يتبلور الوعي الاّ بالشّحذ الرؤيوي و التماس الفكري، جلّ المباحث الفلسفيّة التي اقتربت من الإنسان مفككة إيّاه، في معقوله و لا معقوله، في استتشكال علاقته بالوجود كموجود بخصائص فائقة، أن تحاول أن تعرفك كذات بكلّ تواشجاتك الممكنة و اللاممكنة بما يقع خارج حدودك، أنطلوجيا، إبستيميا و قيميّا هو ما يعطي في اعتقادي لأي تجربة  عمقها المطلوب و يميّزها، أوليست اللغة بيت الوجود ؟ و الشاعر وحده هو من يحدد كينونته و حقيقتها داخل حوض مجازاته واستعاراته .

 5- كيف يبدو لك المشهد الشعري اليوم في الجزائر؟
دون شكّ، لا يمكن رصد مسار أي حركة شعرية وتتبّع تحوّلاتها ما لم تكن محطّ الإهتمام النقدي المختص الذي يسير في تواز مع كلّ متغير حاصل و بالتالي في غياب العمل النقدي نقع في ميوبيا القراءة، إذ وحده هذا العمل يمكنه بسط المشهد أمامك و إتاحة الفرصة لمعرفة بعض التفاصيل في عملية التوثيق التاريخي للمتون الشعرية و مقاربتها جماليا و فنيّا لكي يتسنى الإطلاع على هذه الأسماء التي شكلت واجهة المشهد و ما يغوص في العمق أيضا،لكن رغم ذلك يمكن الحديث عن ركام من التجارب ذات الاستجابات المتمايزة للواقع السياسي والاجتماعي في كل تمرحلاته التاريخية.. مثلا تجربة السبعينات التي واكبت الخط السياسي الإشتراكي و كانت لسان حال الخطاب الأيديولوجي حينها، ثم حقبة نصّ الثمينات والتسعينات وهنا مرحلة من مراحل الوعي بالمأزق السياسي و اللاستقرار الاجتماعي و بالتالي حمل شعراء هذه المرحلة همّ المساءلة عن أفق جديد نحو تأسيس خطاب شعري أكثر رؤيوية وحداثوية و استيعابا  لنزق الذات، و بحثا عمّا يمنحها مشروعية إحداث نوع من القطيعة على مستوى الكتابة واستبدال طرح بطرح… أخيرا مرحلة ما يكتب  من سنوات قليلة فقط و هي مرحلة التجريب بامتياز و فيها انفتح و انفلت النصّ الشعري موضوعا و لغة و تخييلا محاولا أن يعطي تشكيلا آخر للخطاب الإبداعي و قد يكون الهايكو معبرا عن هذه الانفلاتية و الانفتاحية على روح التجديد في الختام أقول أنّه يصعب أيضا الحديث عن مشهد شعري في الجزائر في ظلّ غياب الأسماء الكبيرة التي تلعب الدّور غالبا في خلق المدارس و التيارات.

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *