الحياة التي لم نعشها

خاص- ثقافات

آدم فيلبس*/ ترجمة :آماليا داود

        

كلنا لديه حياتان متوازيتان؛ الحياة التي نعيشها حقاً، والحياة التي نتمناها ونتخيلها، وهذه الحياة التي لم نعشها(الحياة التي لم تحدث حقاً، الحياة التي كان من الممكن أن نعيشها الآن لكن لسبب ما لم نعشها)، وتستطيع تلك الحياة أن تشغل حيزاً من حياتنا العقلية، نحن نشارك حياتنا مع الناس- بكل ما تحمله الكلمة من معنى- بصورتنا التي فشلنا في أن نكونها، وهذا بحد ذاته يمكن أن يصبح قصة حياتنا؛ رثاء الاحتياجات التي لم تلبى، الرغبات المضحى بها، الطرق الغير مأخوذة.

ونصبح مطاردين بأساطير عن إمكانياتنا الذاتية، عن ما يمكن أن نكونه أو نفعله، وهذا يمكن أن يجعل من حياتنا قاصرة دائماً، فشل لعيش الحياة التي قيل لنا إن الإنسان يعيشها على أكمل وجه.

 

الحياة التي لم نعشها تستحق العيش، لكن الحياة التي لا نحبها هل تستحق أن تُعاش؟ يبدو سؤالا غريباً حتى يدرك المرء أن حياته العقلية تتمحور حول الحياة التي لم نعشها، الحياة التي نفقدها، الحياة التي كان من الممكن أن نعيشها لكن لسبب ما لم نفعل.والذي نتخيله ونشتاقه هو التجربة والأشياء والأشخاص الذين غابوا، إنه غياب الأشياء التي نحتاجها يجعلنا نفكر ويجعلنا غاضبين وحزانى .

وعلينا أن ندرك ما الذي نفتقده في حياتنا، حتى لو قام هذا الإدراك غالباً بتشويش كِلَا ما لدينا بالفعل وما هو متاح في الواقع، لأننا لا نستطيع البقاء على قيد الحياة فقط إذا كانت لدينا رغبة بذلك، في الواقع علينا النجاة برغبتنا بجعل الناس تتعاون مع احتياجاتنا .

 

نحن نضغط العالم ليكون في صفنا، ومع أننا نلاحظ سريعاً أثناء طفولتنا أن احتياجاتنا كأمنياتنا غالباً لا يتم تلبيتها، لأننا مظللين بأن هناك احتمالاً بأن لا نحصل على ما نريد، نميل إلى السخرية من أمنياتنا بتسمية الرغبات بالأمنيات: الأمنية تظل أمنية إلا إذا تحققت وفي أسوأ الأحيان نكره رغباتنا، لكننا نبدأ بعد ذلك بتعلم العيش في مكان ما بين الحياة التي نعيشها والحياة التي نريدها، وهناك دائماً الحياة التي نعيشها، والحياة التي ترافقها، الحياة الموازية (أو الحيوات) التي لم تحدث أبدا في الواقع، ونعيشها في عقولنا، نحن نرغب بحياة(أو حيوات) :مخاطر لم نأخذها، وفرص تجنبناها أو لم تتح لنا، ونشير إليها على أنها حياتنا التي لم نعشها، لأننا نعتقد أنها كانت متاحة لنا، ويمكن أن نمضي وقت طويل من حياتنا بمحاولة إيجاد وإعطاء المعنى لعدم تمكننا من عيشها.

 

والذي لم يكن ممكناً يصبح بكل بساطة قصة حياتنا، قد تتحول حياتنا إلى حِدَاد طويل الأمد، أو نوبة غضب حول الحياة التي لم نستطع عيشها، لكن هذا الإعفاء الذي نعيشه من تلك الحياة المتخيلة، يسبب لنا المعاناة سواء بشكل قسري أو باختيارنا وبالتالي يجعلنا ما نحن عليه.

نحن الآن نعرف أكثر من أي وقت مضى عن الحياة التي يمكننا أن نعيشها، وحالة الرخاء سمحت للمزيد من الناس للتفكير في حياتهم وخياراتهم، نحن دائماً مطاردين بأسطورة إمكانياتنا الذاتية، وما الذي كان يمكن أن نملكه في أنفسنا ليجعلنا قادرين على أن نكون و أن نفعل.

لذلك عندما لا نفكر نكون مثل الشخصية في قصيدة راندل جاريل والتي يقول فيها :”الأساليب التي نشتاق فيها لحياتنا هي الحياة”، نحن نحزن أو نندم أو نمتعض من فشلنا في أن نكون أنفسنا كما نتخيلها أن تكون، نحن نشارك حياتنا التي فشلنا في أن نكونها.ونكتشف تلك الحياة عن طريق حسد الآخرين، والطلبات الواعية وغير الواعية التي نطلبها من أطفالنا ليكونوا شيئاً أكبر منا وبالطبع أكبر من إحباطاتنا اليومية.

تصبح حياتنا رثاءً للرغبات التي لم تلبى، والإمكانيات المرفوضة، والطرق غير المأخوذة، أسطورة إمكانياتنا الذاتية تجعل سقوطنا سريعاً ،خسارة وغضب بشكل متواصل، لكنها في أفضل حالاتها تغرينا بالمستقبل، لكن بدون السماح لنا بالتساؤل لماذا هذا الإغراء ضرورياً(نصبح واعدين من خلال الوعود التي قطعت لنا(.

 

أسطورة إمكانياتنا الذاتية تجعل الحزن والشكوى تبدوان أكثر الأشياء التي نقوم بها واقعية، وتحول إحباطاتنا إلى حياة سرية من الأحقاد، حتى لو حيدنا جانباً الأسئلة التي لا مفر منها: كيف يمكن أن نعلم أننا أدركنا إمكانياتنا؟ إذا لم تكن لدينا إمكانيات فماذا لدينا؟ لا يمكن أن نتخيل حياتنا بمعزل عن الحياة المتخيلة التي تحويها، لدينا شعور مستمر، لكن شعور غامض ومموه أن الحياة التي نعيشها مستلهمة من الحياة التي هربت منا.

نحن نجعل حياتنا ممتعة، وبالتالي محتملة، من خلال تخيل كيف ستكون، وهذا أقل وضوحاً على الرغم من أن تلك التخيلات الإجبارية تعيش كأنها رضا أكثر اكتمالاً وهي العلاج الذاتي.

الحلول تخبرنا ما هي مشاكلنا،حياتنا المتخيلة لا تفعل ذلك، فهي ليست بالضرورة بديلا عن حياتنا الحقيقية بل هي جزء أساسي منها، كما يشير بعض النقاد من المحللين النفسيين الكثير من الأشياء تعتمد على أحلام اليقظة ­­– على انشغالاتنا الشخصية – وتحويلها إلى أفعال .

ولا يوجد شيء أكثر غموضاً من العلاقة بين حياتنا والحياة التي لم نعشها، (كل زوجين مثلاً لديهما علاقة بقصد أو بغير قصد مع حياة شريكهم التي لم يعشها، فعلاقتهم الأولية والناشئة هي بين مع ما يظنون أنه ذواتهم المحتلمة)، لذلك علينا أن نفكر بأنفسنا وكأننا نعيش حياة مزدوجة، الحياة التي نتمناها والحياة التي نعيشها : الحياة التي لم تحدث أبدا والحياة التي تحدث دائماً.

وبالفعل هذه هي حياتنا ، مشروع انتعاش وتعويض، أو علينا أن نسخر من رغبتنا المستمرة في استرداد شيء لم نملكه أبدا ولم يكن موجوداً بكل الأحوال. ونحن بحاجة بعبارة أخرى لمعرفة شيء عن الذي لا نستطيع الحصول عليه، وأهمية عدم الحصول عليه.

وعندما تتحول الحياة الثانية، الأفضل والمتكاملة إلى هذه الحياة، سوف تكون لدينا مهمة كبيرة بين أيدينا، الآن شخص ما يطلب منا ليس فقط أن نعيش بل أن نزدهر، وليس مجرد أن  نكون جيدين بل لنحقق الاستفادة القصوى من حياتنا، انه نوع مختلف من الطلبات، قصة حياتنا تتحول إلى قصة الحياة التي منعنا من عيشها.

___________

 

*الترجمة فقرات مختارة من كتاب آدم فيلبس : في مديح الحياة التي لم نعشها.

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *