أصوات شعرية عربية وأوروبية بأنطولوجيا ضد الإرهاب

أنطوان جوكي-باريس

في سياق مواجهة “ثقافة الموت” ورفضا  للعمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا وأوروبا مؤخرا، انبرى مجموعة من الشعراء العرب والأوروبيين لإصدار نصوص شعرية ونثرية في عمل مشترك، يعلنون فيها انتصارهم لثقافة الحياة ورفضهم العنف والكراهية.

ولا شك أن سبب إصدار الأنطولوجيا مؤخرا فيفرنسا بعنوان “نحب الحياة أكثر مما تحبون أنتم الموت”، يعود إلى الأعمال الإرهابية التي شهدتها هذه القارة في العامين الأخيرين، كما يستحضر إلى ذاكرة الأوروبيين صيحة استنفار الدكتاتور الإسباني فراكنو وأتباعه: “يحيا الموت” (Viva la muerte).

وتتضمن الأنطولوجيا نصوصا شعرية ونثرية لثلاثة وعشرين شاعرا وشاعرة من ضفتي المتوسط، أرادوا فيها رفع صوتهم ضد ثقافة الموت وجميع أنواع الفاشيات، وإعلان حبّهم للحياة في جميع تجلياتها.

“نحن متعبون من الموت”، تقول الشاعرة اللبنانية السورية إتيل عدنان في نصها الذي يفتتح الأنطولوجيا. ولا تقصد الشاعرة الموت الطبيعي المحتم، بل ذلك الناتج عن العنف الأعمى المتفشّي في عالمنا العربي والذي تعتبره الأخطر “لأنه لا يقتل الجسد فقط، بل يشوه أيضا الفكر. وحين تفسد عناصر الفكر، تتضاءل إمكانيات النجاة، أو تتوارى”.

ولا يعارضها الشاعر الفرنسي جاك أنسي حين يقول في مطلع قصيدته واصفا ضحايا هذا العنف: “لا يرون الضوء/ يعبرونه، لا يسمعون الصمت/ يحطّمونه/ لا وجه آخر لهم/ سوى وجه بلا وجه/ أفواههم تصرخ، عيونهم تبرق/ ويهبطون بسرعة نحو العدم”.

أما الشاعر التونسي طاهر بكري فيتوجّه في قصيدته إلى منفذي العمليات الإرهابية قائلا: “أتقيؤكم/ يا ذوي العين الواحدة/ يا سارقي الحياة/ غادروا كهوفكم/ هل تخافون الضوء إلى هذا الحد؟/ يا أعداء الحرية/ يا عشّاق ركام الجثث.

وفي نصها تظهر الشاعرة الفرنسية سيلفي جيرمان للإرهابيين جهلهم فعلَي الحياة والموت ومعناهما، وتدعوهم إلى قليل من الخجل من الخالق. وتقول: “نعم، نحب حقا الحياة، وإن يحصل أن نحبها برعونة ونقلل من احترامنا تجاهها. لسنا كاملين، ولا ندّعي ذلك. يكفينا أن نعرف أننا قابلين للتحسين وأن ننخرط في هذه الديناميكية”.

الحياة تنتصر
وضمن ديناميكية الحياة هذه، يكتب مواطنها الشاعر فرانسيس كومب في قصيدته: “سنعود إلى أرصفة المقاهي/ لنجلس برفقة الشمس/ ونشرب النهار في كأس الابتسامة”. ويؤكد الشاعر البلجيكي ويرنير لامبرسي في نصه على أن “الحياة تنتصر دائما”.

وبينما يستنكر الشاعر اللبناني صلاح ستيتيه في قصيدته جرائم أولئك الذين -بعزمهم على الأذى- يقتلون أنفسهم والبشرية جمعاء، تستحضر مواطنته الشاعرة فينوس خوري غاتا في نصّها جواب الأمّهات -المعجون دائما بالحب- على رغبة بعض أبنائهن في “تدمير كل شيء”.

أما الشاعران العراقي صلاح الحمداني والمغربي محمد حمودان، فيتناول كل منهما في قصيدته حالته الخاصة بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت باريس مؤخرا.

وفي هذا السياق، يستوقفنا المقطع الذي تتردد كلماته في بداية قصيدة حمودان وخاتمته، وإن بترتيب مختلف، ويقول فيه: “مهتزا برصاص الحقد/ والإرهاب/ والجبن/ والجنون/ أرقص مع جثث/ من فمي النازف دما/ يحاول لساني المقطوع/ قول ما لا يوصف، بينما تصرخ/ صفارات الإنذار سوية حالة الطوارئ…”.

أنطولوجيا مؤثّرة تسيّر خطابا واحدا معاديا للعنف في جميع أشكاله، وإن بنبرات شعرية مختلفة. خطاب لا كراهية فيه أو دعوة إلى الانتقام، بل دعوة إلى الحب والحياة والأمل، كما يتجلى ذلك بقوة في قصيدة الشاعرة التونسية الفرنسية سيسيل أم هاني.

تقول أم هاني: “بلا راحة تفصّل النساء/ فساتين جديدة لأرصفة المقاهي/ ويشدّ صانعو القيثارات والمندولين/ أوتار آلاتهم/ للحفلات الموسيقية القادمة/ بمساعدة الريح والغيوم”.
___
*الجزيرة.نت

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *