أنطولوجيا عالمية..أدونيس يشوه شكل قصيدة النثر


القاهرة- اصدرت دار التنوير للنشر والتوزيع كتاب «ديوان إلى الأبد» من إعداد عبدالقادر الجنابي، وهو عبارة عن أنطولوجيا عالمية في قصيدة النثر، ويضم نحو 240 قصيدة نثر، يصفها الجنابي بالنموذجية، ترجم أغلبها هو نفسه، وضم إليها ترجمات لآخرين، أشار إليهم في نهاية كتابه.

وكما يقول فإن هذه القصائد: «قمنا بترجمتها من اللغات الأصلية، لمتعة القارئ أولاً، وثانياً ليتعرف إلى شكل قصيدة النثر، كما تم إنتاجها في هذه اللغات، ولكي تأخذ عبارة أنطولوجيا عالمية مداها الصحيح، وجدنا أنفسنا مضطرين إلى ضم بعض النماذج العربية المتطابقة والمفهوم الأوروبي لقصيدة النثر».
وهكذا يضم الجنابي قصائد عربية إلى الأنطولوجيا حتى يكون المتن متسقاً مع العنوان، لا لقيمة هذه القصائد العربية، وأيضاً وقع اختياره على قصائد متطابقة والمفهوم الأوروبي لقصيدة النثر، بدلاً من أن يجهد نفسه أو يحاول البحث عن خصوصية ما في قصائد النثر العربي، فالشكل ليس حكراً على ثقافة دون أخرى، فالرواية على سبيل المثال ليست إلا شكلاً أوروبياً أو استعمارياً، في رأي إدوارد سعيد، ومع ذلك هناك روايات كتبها عرب، انطلاقاً من خصوصية عربية، وهكذا غادر الشكل مداراته الأولى، ليكتسب زياً ومعنى جديدين.
ضمن العرب الذين اختار لهم الجنابي قصائد في الأنطولوجيا نقرأ لفؤاد كامل وأحمد راسم، وهما ينتميان إلى الثقافة الفرنسية، وكتاباتهم مكتوبة بتلك اللغة، إضافة إلى أنسي الحاج وعقل العويط وحسين مروان وشوقي أبي شقرا ومؤيد الراوي وعباس بيضون وبول شاوول ووديع سعادة وعبده وازن وعيسى مخلوف وحلمي سالم ويوسف غصوب ورعد عبدالقادر وفاضل العزاوي وأمجد ناصر ومنتصر عبدالموجود وعبدالمنعم رمضان وعبدالقادر الجنابي نفسه، إضافة إلى عرب آخرين، بجانب بودلير ورامبو ولوتريامون وكاندنسكي، وبروتون وجان كوكتو وهنري ميشو ولوركا وترانسترومر وريتسوس وباول تسيلان ورسل إدسون وسيميك.
يضع الجنابي اشتراطات محددة حتى يحظى النص برضاه، ويضمه إلى الأنطولوجيا العالمية التي جمعها، فطبقاً لرؤيته لقصيدة النثر المنقولة عن ماكس جاكوب فهي «عمل فني، وكأي عمل فني آخر، فهي ذات قابلية لتوليد انفعال خاص، يختلف تماماً عن الانفعال الحسي أو الانفعال العاطفي، ولتحقيق هذه الغاية، على قصيدة النثر أن تكون قصيرة ومكثفة، خالية من الاستطرادات والتطويل والقص المفصل وتقديم البراهين والمواعظ، عليها أن تكون قائمة بذاتها، مستقلة بشكلها ومبناها، لا تستمد وجودها إلا من ذاتها، مبعدة ومنفصلة تماماً عن المؤلف الذي كتبها».
هكذا يبدو الجنابي مخلصاً للوصفة التي نقلها شعراء «مجلة شعر» اللبنانية، نقلاً عن سوزان برنار في كتابها عن قصيدة النثر، وكأنه مطلوب من الشعراء ألا يغادروا تلك المحطة التاريخية، حتى يكتبوا نماذج «متطابقة والمفهوم الأوروبي لقصيدة النثر».
يبدي الجنابي ملاحظات على قصيدة النثر العربية، موضحاً أن «الحابل اختلط بالنابل، فلم تقدم بالشكل الصحيح، وإنما أطلقت قصيدة النثر خطأ على قصائد حرة مشطرة، لا تخضع لأي وزن مرسوم، جاءت – في نظري – كتطور طبيعي، بل امتداد صحي لمحاولات شعراء التفعيلة في تليين الوزن، حتى يعبر عن إيقاعية ميلودية، تخص الشاعر».
يرى الجنابي أن هذا ما حدث في كل بلدان العالم، لكن لم تطلق عليه تسمية قصيدة النثر وإنما «شعر حر غير موزون»، فحتى ديوان أنسي الحاج «لن»، الذي ضم فعلاً قصائد نثر حقيقية، أي ذات شكل كتلوي، لم يستطع تحديد شكل قصيدة النثر الحقيقية».
أما أدونيس – كما يرى الجنابي – فهو الرائد في هذا الخلط، فلم يعرف حقاً ما هي قصيدة النثر، بحيث اعتبر آيات سان جون بيرس الشعرية قصائد نثر، بينما هي مضبوطة ضمن إيقاع وزن واضح، لا علاقة له بقصيدة النثر.
والأغرب – كما يقول الجنابي – إن أدونيس غالباً ما يشوه شكل قصيدة النثر حين يترجم أو يشرف على ترجمة، كما حدث لقصيدة ترانسترومر النثرية، بحيث قام أدونيس بتشطيرها ضارباً عرض الحائط شكلها الكتلوي، وطبيعتها المضادة لكل إيقاع وزني.
يعترف الجنابي بأنه من المستحيل أن تكون موضوعياً في إنجاز أنطولوجيا شاملة لقصيدة النثر، فهناك المئات من شعراء قصيدة النثر الصحيحة، ويحتاج تقديمهم إلى مجلدات، لذا – كما يشير – كان التوازن بين الاختيارين الموضوعي والذاتي هو المعيار في إنجاز هذه الأنطولوجيا، مردفاً ذلك بقوله: «على القارئ العربي أن يدرك حقيقة قصيدة النثر وثراءها الكوني».
______
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *