الشهيد

*د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب

ظهرت منذ أيام صورة يدعي البعض أنها لداعية مشهور متجولاً في إحدى الدول الأوروبية وفي يده تتعلق فتاة مرتديةً فستاناً قصيراً، قالت الشائعات إنها زوجته الثانية أو لربما صديقة له.

ليس المهم في الموضوع حقيقة الأمر أم زيفه مطلقاً، المهم في الأمر الضجة التي أثارها الناس وكأن جرماً مشهوداً قد وقع وليس حدثاً يقره الجميع ويؤمنون بصحته ويحلفون بأسماء الدالين عليه من مشايخ ورجال دين.

إن صحت القصة، والمهم هنا مرة أخرى الرسالة المرسلة من القصة وليس مدى صحتها من عدمها، فالرجل لم يرتكب خطيئة، فهو، سواء أًكان متزوجاً أو غير متزوج، لربما قد اتخذ له زوجة بعقد موثق أو بعقد عرفي، أو لربما تزوج زواج مسيار أو مسفار أو «فريند» أو غيرها من الزيجات الحديثة المفصلة تفصيلاً على شهوات الرجال وتوحش رغباتهم.

لم يؤت الرجل بفاحشة، فقد تزوج وأخذ زوجته في يده وتمشى معها في الشوارع العامة، أين الكارثة؟ ألأنها غير محجبة أو متسترة؟ لربما هي على غير الدين الإسلامي، أو لربما هي على الدين الاسلامي ولكنها عاصية، فأين خطأ الرجل؟

هو تزوج زواجاً صحيحاً طبقاً لآراء السواد الأعظم من رجال الدين وطبقاً للقراءات الدينية الغالبة، فلمَ هذه الغضبة؟ وأين هي المعصية؟
هل المغضب أنه لربما ترك خلفه زوجة متسترة مغطاة من رأسها لأخمص قدميها، تكنس بيته وتخدم كومة الأولاد التي قدمها للعالم بفحولته؟ وأين الخطأ؟

هل الرجل الذي يتخذ زوجة ثانية أجمل وأصغر من الأولى وعلى دين مغاير لدينه ثم يصطحبها في شهر عسل في شوارع أوروبا قد ارتكب أمراً منكراً شرعاً؟

هل المثير للمشاعر أنه يلبس لباساً غربياً ويقبض على يد بضة ويمشي يستعرض فرحته بها في الشارع؟ وما الإثم في ذلك؟

رجل مسلم تزوج وخرج مع زوجته الثانية ممسكاً بيدها، ما هي المعضلة؟ أين هو المنكر؟ طبقاً للشريعة التي ما قرأها وحللها وفهمها سوى الرجال، فلم يكن لامرأة رأي أو جهد تحليلي أو قراءة شرعية اعتد بها العالم في يوم، لم يأت الرجل سوى ما هو حلال بلال، حق ضمنته له الشريعة، مرة ومرتين وثلاث مرات وأربعاً، واذا لم تكف هذه كلها، فهناك غيرها من أبواب سهلة الطرق، أولها الزواج العرفي وليس بآخرها ملك اليمين، يعني يمكن للرجل، طبقاً للمفهوم الشرعي الذي يقول به التراث وعلماء اليوم أن يعاشر عدداً لا محدود من النساء، تماماً كما لو أنه وصل للجنة شهيداً.

نحن نحيا في عالم رجالي بحت، عالم متناقض، مبرح الولاء لرغبات الرجال، شديد الخيانة لرغبات ومشاعر النساء. نحن نحيا في عالم يرسل فيه المشايخ أولادنا للجهاد ويصيفون هم في أوروبا، «يشفط» فيه رجال الدين كل دينار ودرهم وجنيه من جيوب الفقراء بحجة الزكاة والخمس والصدقة، ويركبون هم فيه السيارات الفخمة والطائرات المهيبة.

إنه عالم يقول بعاطفية المرأة وتعاظم مشاعرها ولكنه يستوجبها أن تتحمل المثنى والثلاث والرباع ثم الأعداد اللامتناهية الاضافية التي يمكن ضمها للمتاع، عالم يخرج فيه الرجل بقميص «لينين» خفيف وشورت فضفاض للتصييف والاستمتاع بالجو وتخرج فيه المرأة بالسواد وتتلحف فيه من رأسها حتى أخمص قدميها وفي أعلى الدرجات حرارة.

إنه عالم صنعه الرجل ليستمتع به وحده، عالم سوغ فيه الرجل العادات والتقاليد وشكل فيه الدين والعقيدة لتتماشى جميعاً ورغباته وتلبي احتياجاته. انه عالم يخرج فيه علينا داعية دمه أثقل من كلامه، وكلامه أتعس من تصرفاته، فيحجر على المرأة ويكبلها بمخاوفها ورغبتها في ارضاء ربها، ثم يلفلف الحديث ويحور المنطق متحدثاً باسم الرب ليعيش هو طولاً وعرضاً ويستمتع بما تيسر له من مال ونساء، هو عالم غريب عجيب، لا مكان لنا نحن النساء فيه ان لم نصنعه بأيادينا، ان لم نقض على مخاوفنا ونحطم أغلالنا ونشتري أنفسنا … مهما كان الثمن.

_____
*القدس العربي

شاهد أيضاً

رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود

(ثقافات)   رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود د. محمّد محمّد الخطّابي *   أيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *