دافع الكتابة لدى جوزيف كونراد




*تأليف: نيفل . اج . نيوهاوس/ ترجمة : خضير اللامي


خاص ( ثقافات )
إنّ العمليات الذهنية للخلق الفني ، ستبقى غامضة دون شك مالم يكن ثمة حافز لها. ولنأخذ جوزيف كونراد مثالا ، فلقد انقسمت حياته إلى مرحلتين ( حياته البحرية الحيوية المتنوعة ، والحياة الأدبية غير المثيرة في لندن ..) وهكذا كان اذن ، فما الذي دفعه للكتابة ؟ ولماذا كتب بالذات باللغة الانجليزية ، وهو البولندي الأصل ؟!
إنّ اللغة القومية لجوزيف كونراد هي اللغة البولندية . ولغته الثانية هي الفرنسية التي تعلمها وهو في الخامسة من عمره على يد مربيته ، ولم يتعلم اللغة الانجليزية إلاّ في الثالثة والعشرين من عمره عندما التحق بالبعثة التجارية البريطانية . 
وليس ثمة ما يدل على أنّه كتب شيئا باللغة البولندية ، لقد قضى شطرا من حياته مع والده في المنفى . ولم يملك فرصة كافية لاستخدامها . وعندما كان بحارا وكتب كثيرا عن البحر ، وجد تلك اللغة عاجزة عن التعبير الفني . من جانب آخر ؛ كان يجيد اللغة الفرنسية بطلاقة . وغالبا ما تظهر في أعماله الاصطلاحات الفرنسية وبشكل ملحوظ في عمله ” اللورد جيم ” وبشكل متناثر في مذكراته ” سجل شخصي ” وذكر فورد أنّ أكثر جمل كونراد التي تمتاز بالصعوبة والتعقيد كانت تُترجم مباشرة عن الفرنسية . صحيح أنّ فورد كاتب سيرة غير معتمد ، بيد أنّه كتب الكثير في إطرائه . وعندما صور فورد نفسه مع كونراد وهما يتحدثان اللغة الفرنسية ويتعلمان قطعا أدبية من أعمال فلوبير وموباسان ويحفظانها عن ظهر قلب ، ويترجمانها إلى اللغة الانجليزية ، فإنّ بصمات تلك الأعمال كانت جليّة في بعض أعمال كونراد باللغة الفرنسية . وكما يقول الفرنسيون : إنّها تعبيرات عامة كافية لإظهار حب كونراد للغتهم .. 
وتبقى الحقيقة أنه كتب باللغة الانجليزية . وأثار في ذلك دهشة كبيرة في شروع حياته الأدبية . وظهرت له مقالة في : North American Review كتبها السير هيوف كليفورد عام 1900 ، ذكر فيها أنّ كونراد يتمرن على الاختيار بين اللغتين الفرنسية والانجليزية ، وقد عانى كونراد من سوء الفهم هذا . 
واضطر أنْ يصحح سوء الفهم هذا في ” ملاحظة المؤلف ” في مذكراته ” سجل شخصي ” حيث يذكر : في حقيقة الامر أنّْ مقدرتي على الكتابة باللغة الانجليزية ، هي مقدرة طبيعية اكتسبتها منذ ولادتي ، فأنا امتلك مشاعر الغرابة ، ومشاعر القدرة الفائقة اللتين ورثتهما وأصبحتا جزءا من كياني ولم تكن اللغة الانجليزية بالنسبة لي مسألة اختيار أو تبنّ . وفكرة الاختيار لم تدخل ذهني ابدا ، أنه تبنٌ حسب – نعم هناك تبنٌ . ولكنني أنا المُتبنٌى* من اللغة الانجليزية الملهمة . وقد خرجت مباشرة من مرحلة التلعثم التي جعلت مني جزءا كاملا لها . وإنّْ اصطلاحاتها التي اؤمن بها كان لها تأثير كبير على مزاجي وأسلوبي وشخصيتي .
فالعمل الذي أخبرنا عنه كان غامضا ، وغامضا جدا بحيث لا يمكن شرحه .
وعند الخوض في اللغة مرة أخرى ،أدرك كونراد بعد حين ، حديث البحارة الذين يمتازون بالقوة والعافية . واللغة الأدبية التي اكتسبها من كتبه المجلّْدة التي تحوي أعمال شكسبير وبايرون التي اقتناها اثناء مغادرته فلسطين . وفي البحر كل ما يقع بين يديه . ففي رواية ” زنجي النرجس ” نجد سنغلتون يقرأ بولوار ليتون الذي هو عبارة عن صورة كونراد نفسه . كما التقط روايات كتبتها مسز هنري وود ومس برادون . فضلا عن قراءته صحفا ومجلات لا حصر لها . 
قال كونراد مصححا للسير :” إنّْ اللغة الفرنسية هي لغة ” بلّورية ” بيد أنّْ فورد صاغ الفكرة بطريقة أخرى ” أنّْ تهمة كونراد للغة الإنجليزية كانت تنصب على أنْ ليس ثمة مفردة انجليزية لها معنى واحد ، ذلك أنّْ جمبع المفردات الانجليزية هي وسائل لإثارة عواطف غير واضحة المعالم . 
وربما يتهم فورد اللغة الانجليزية للدفاع عن نفسه أكثر من الدفاع عن كونراد ، وليس ثمة شك ، أنّ اللغة الانجليزية تعرض رؤية كونراد المعقدة عن الحياة . وابتداء من كتبه المبكرة إلى ادوارد غارنيت Garnet Edward . 
يقول كونراد :”كل الخيالات …. وكل صورة تطفو بغموض هي في بحر من الشك ، وحتى الشك نفسه ضاع في عالم لم تُسبر أغواره بعد ؛ إنه عالم محير ..”
ومثل هذه الرؤيا غير واضحة المعالم ، تحتاج إلى مفردات غير واضحة المعالم هي الأخرى ، وهذا يشرح توضيح كونراد . إنها اللغة التي تبنته ! وليس هو الذي تبنى اللغة .
في الفصل الرابع من ” سجل شخصي ” يوضح لنا كونراد أمرا محققا : كيف أنه كتب روايته الاولي ” الماير المجنون ” التي تظهر قدرته الخيالية بتوظيف ذكرياته .
ففي يوم ما ، التقط قلمه ليشرع بالكتابة ، وبيّْن :” ليس ثمة علامات جنون جميلة ” ولم يكن على عجالة من أمره ليعوم في كتابة حياته . واذا كان قد عام ، فإنه لا بد وأن تكون محاولته الأولى التي من الممكن أن توصف ، بمزاج من الخضوع التام للبلادة . كان يفكر في الماير ، وربما بسبب الضباب المتعدد الألوان في تلك اللحظة ، الذي يحجب محل إقامته في بيسبورو غاردنز ، والتي تشبه تماما المنطقة المحيطة بالمرفأ الذي يبعد أربعين ميلا عن نهر بورتين ، حيث شاهد أول مرة الرجل قبل سنتين من كتابته ” سجل شخصي 69-73″ وقد سمع به كونراد كثيرا قبل أن يلتقيه ، وكان غالبا ما يبحر نحو الشرق . كان الرجال يشيرون إلى ” الماير ” وهم يبتسمون ، كان رجلا غريبا ، يحتفظ بأوزة معه . وهو مدير منجم الفحم ، الذي لا يمكن العمل فيه بسبب وجود أشباح شريرة في داخله . ومع هذا كان رجلا ناجحا بتفوق ، وعلى استعداد لتوضيح الحقيقة ، وقد رآه كونراد ، لأنه عندما كانت سفينته تحمل مهرا صغيرا ، ذلك المهر الذي تأرجح وفقد توازنه وسقط حالا في المياه ، أطار صواب الماير وولى هاربا في الغابة ولم يخرج منها . وتحدث بطريقة غير مباشرة متجنبا الإجابات الواضحة . ومرة دعا كونراد لدعوة عشاء ، ووجد كونراد أنه من المستحيل أن يعتذر . وكان المالك الوحيد لسرب الأوز في الساحل الشرقي مسؤولا عن وجود أربعة عشر جزءا لحد الآن “سجل شخصي 87 “
وقد قرر كونراد بوضوح ، عندما شرع بالكتابة أن يكوًن في ذهنه صورة دقيقة عن الماير ، حيث يرتدي قميصا قطنيا خفيفا دون أكمام ، وسروالا فضفاضا مخططا باللونين الأزرق والأخضر ، له شعر أسود تتناثر خصل منه على جبهته “74-75” . هذه هي نقطة شروعه . وقد اعترف فوكنر أنه قد كتب قصة مشابهة له .
” القصة بالنسبة لي تبدأ عادة بفكرة واحدة ، أو ذكرى ، أو صورة ذهنية ، وكتابة القصة ببساطة تبدأ بالبحث عن تلك اللحظة لتشرح بعد ذلك كيف حدثت ؟ وما هو السبب الذي يعقب ذلك .. وقد أكد كونراد الشيء ذاته :” أنني اكتب ” باتجاه التقاط حادثة أو مشهد أراه . ( غوردأن 103)
هذه المشاهد جلية ، وغالبا ما يرسم كونراد صورها ويخطط بيانيا لها في مخطوطته ، ثم يقرر تأليفها روائّيا ، وأحيأنا يقطع الكتابة ليشُرع واقعة ، إما بمفرده أو بمساعدة زوجه . واستخدم بروست مثل هذه اللحظات من الذكريات ( الانثيالات ) والزمن . وقد صنف :” البحث عن الزمن المفقود ” بالصور .( كانت المزهريات مثالا جيدا هيّجت شذا الماضي ) ويربط اللحظات بامتداد انفصالها . وفي قطعة مشهورة في الجزء الأول حلل الطريقة التي استخدمها في آخر حياته . طعم البسكويت La Petite Moderation الذي اعتادت عمته أن تقدمه له عندما كان صغيرا جدا ، يتذكر كل هذا بتفاصيله طيلة حياته الماضية . وخارج مثل هذه الذكريات صاغ بروست عالما فنيا متكاملا ، تماما مثل ورقة توت مصنوعة من فتات منقوع في الماء. الأسلوب الياباني !. تمتد ثم تنحني ، ترتدي الثياب ذات الألوان والاشكال المميزة ، ألوان الأزهار ، والبيوت ، والناس ألوان ثابتة ومميزة . وكذلك مع كونراد وذكرياته المرئية حيث تنمو رواياته من خلالها . 
اذن ، كيف تبنى الرواية حول مشهد يعتمد على الذكرى ؟ وفي موضوع الماير فإن البناء الروائي قد بدأ بعد سنتين من اللقاء المنعش معه . ثم استمر العمل به بعد اربع سنوات . ويعلمنا كونراد ، ماذا كان يدور في ذهنه عن الماير في ذلك الزمن . كان غالبا ما يفكر به . وقد عبر بطريقة خاصة أنه كان مسكونا بالماير .. كان يظنه رجلا قد أخفق ، رجلا جاء إليه أول مرة من على شفاه الرجال ، مجرد من الهيبة ، عن طريق الابتسامة الغريبة للرجال ، اسمك هو قبضة ريح تطفو فوق مياه خط الاستواء . هذا هو تحليله لشخصية الماير التي توحّد بها حينما ابتدأ بالكتابة .
” أتدثر مع الماير بعباءة ملكية في خط الاستواء وأضيع في فراغ الصوت ، ذلك الصدى المبرح ..( سجل شخصي 88) فإذا كان في حقول بهيجة ، فإن الماير يعاني ، أن تلك الصورة هي تحريف قاس واستخفاف بجدارته . وكونراد هنا ، لا يملك إلا جوابا واحدا ” إنني اؤمن بك ، طريقة وحيدة ، تمكنني من تصديقك .. فأنت دائما رجل غير محظوظ أيها الماير ، لا شيء أبدا يستحقك ! والذي جعل منك شخصية حقيقية نسبيا ، ذلك أنك تمسك بهذه النظرية السامية بقوة الإيمان والإعجاب الثابتتين ..( سجل شخصي 88) 
وهنا يبلغ ارتياح كونراد التام في أن الماير – كان رجلا قد اخفق . ولكنه يؤمن بدون اهنزاز أن الحياة قد خذلته ، واذا كان الماير ” متلبسا ” كونراد بعد أول لقاء له معه ، فيجب على كونراد أن يقضي عدة ساعات مع شبحه . فقد أعطاه الثيمة التي لازمته إلى آخرعبارة كتبها في رواية الماير . وتمنحنا شاهدا عن صورته في شخصية هايست في رواية Victory،التي تمثل شخصية والده . وتزودنا بمعلومات عن شباب كونراد . ومن مذكرات كورزينيوسكي ذلك الارستقراطي والموهوب المطارد صاحب القيم المثالية ، المنفي ، المحطم الذي وافاه الأجل في وارشو . وعندما فكر كونراد بموكب الجنازة الصامت الحاشد والتي كانت جنازة والدته برهانا لرجل ليس ثمة شك في إخلاصه للفكرة السائدة ، فكرة بولندا حرة ..
وقد وضع كونراد فكرة الاخفاق تلك بطريقة لا تتناقض مع الإخلاص الصائب لفكرة والده . وعكف على كتابة الماير لمدة أربع سنوات ونصف ، وقد صاحبته المخطوطة في زيارته إلى عمته في روسيا ، وحتى في ذهابه إلى الكونغو ثم إلى ستانلي فوس . وقال كونراد ، في هذا الوقت إنه لم يطرد الكتاب من ذهنه أبدا حتى عندما كان على وشك وضع اللمسات الأخيرة عليه ( سجل شخصي 68) والرواية بشكل أساس عن رجل خذل نفسه وغدر باستقامته ، وهي أول رواية لكونراد يستقر أبطاله على أرض صلبة . وسمح كثيرا لرجل عجوز يدعى توم لنغارد أن يتخذ قرارا مهما له ، بدلا من أن يصنفه هو بطريقته في الحياة ، مخدوعا ببريق ثروة لنغارد المحتملة . ( ويعلمنا كونراد أنه كان موهوبا بخيال قوي وفاعل ورأى ما يشبه ضياء مذهلا لبنايات براقة هائلة . وقد قبل الإرث شريطة أن يتزوج ابنة لنغارد السوداء المتبناة . ومن هذه الغلطة الخام برزت كل مصائبه التالية ، بالغة الذروة إثر هجره تلك الفتاة .
فالوحي الذي سببته بالأساس قوة الذكرى المرئية للماير وعالمه جعل كونراد يبني قصته عن فكرة الخداع النفسي . ورواية الماير المجنون هي أول رواية من عدة روايات لكونراد تتعامل مع السقوط .
أعلن كونراد بيانا مكشوفا عن أهمية خلق رواية ( الوكيل السري ) عبر عشر سنوات وظهرت الرواية عام 1907 بيد أن ( ملاحظة المؤلف ) تخبرنا أنها كُتبت عام 1920 ، ويبدو أننا توهمنا أنها شبيهة تماما بالماير المجنون ، وتعرض أيضا ومضة أخرى في عملية الغموض في الخلق الفني .
وتعلمنا الرواية أيضا كيف أن كونراد كان يتناقش مع فورد عن جنون الفوضى ، مرورا بالحالات الخاصة ، فإننا نستحضر القصة القديمة لمحاولة طعن ( غرينوش اوبزرفيتوري ) وأشار كونراد أن الاعتداء ” الإهانة ” لا يمكن أن يكون سلطة العقل في أية حال من الأحوال ، والذي يعني أنه من المستحيل أن نسبب أي دافع أو معنى إلى ما يسمى بعدم الإحساس بجزء من العنف ، بيد أن فورد شرح الحادثة بهذه الكلمات .. اوه ! أن ذلك الشخص كان نصف مجنون ! وأن تحرت شقيقته بعد ذلك .. وهذا أعطى كونراد الإشارة الأولى لكتابة مشروع رواية . إن إضاءة هذه الكلمات أشعرته كما لو أنه يمشي خارج الغابة للوصول إلى السهل . ومكث لمدة قصيرة يتأمل الكلمات والحادثة بطريقة سلبية .
وبعد أسبوع ، صادف أن قرأ ( ضابط الشرطة ) وفجأة أصيب كونراد بما يشبه الصعقة من خلال قراءته لأسطر عادية قليلة من الحوار . وبشكل خاص تلك التي عبّْرت عن نزوة الغضب التي أدت إلى اعتقاله :
( كان ذلك جيدا تماما ، ولكن فكرتك السرية تبدو قميئة بالحفاظ على المنزل السري بالظلمة .)
واعترف كونراد أن لا شيء يثير الذكرى في هذه المفردات ( هناك نوع من الأجواء في الحادثة كلها لأن كل ما شعرت به فجأة استفزني ونتج في ذهني ما قد يفهمه طالب كيمياء من نسبة إضافة قطرات صغيرة جدا لترسيب مواد بلورية في أنبوبة اختبار تحوي بعض التحاليل التي لا لون لها ( سجل شخصي 110 ) وتبع ذلك فقرتان تشرحان ما قد حدث بين ذلك الموضوع وكتابة الرواية . فالفقرة الأولى تصف النشاط المرئي للعقل . والثانية تصف التبني التدريجي لتوحيد الفكرة . ويبدو لنا من الأفضل أن نقتبسهما كاملتين :
( بدا لي في بادئ الأمر تحولا ذهنيا ، إزعاجا لهدوء الخيال ، الذي في اشكاله الغريبة ، حدة في خطوط الرسم ، ونقصا في الإدراك ، ظاهرا ومعلنا الانتباه ، مثلما تفعل البلورات بأشكالها الغريبة غير المتوقعة . ويسقط المرء في التامل قبل وقوع الظاهرة – وحتى ماضي أمريكا الجنوبية و سطوع الشمس ، والثورات الهائجة للبحر ، امتداد وتوسع المياه ، مرآة ابتسامات وتعبيسات السماء ، وأن عكاسات ضوء العالم ، ثم رواية مدينة هائلة تقدم نفسها أضخم مدينة وبأكثر كثافة سكانية من بعض القارات ويصنع إنسانها اللامبالي بابتسامات وتعبيسات السماء ، الأكل الوحشي لضوء العالم . ثمة فضاء متسع لوضع أية قصة تمتاز بالعمق لأية عذابات . لمساحات كافية لاي انطلاق فني . ظلام كثيف يتسع لدفن خمسة ملايين مخلوق ولمدة ثلاثة أيام حسب ..)
اما الفقرة الثانية:( وأضحت المدينة بطريقة لا تقاوم خلفية لزمن قادم من التجارب والتأملات العميقة ، نار لا حصر لها ، تُفتح أمامي في مختلف الاتجاهات ، وتستغرق سنوات لتتلمس الطريق الصحيح .. وببطء ينمو بزوغ فجر عذابات الام مسز فيرولوك وتتحول تلك العذابات إلى لهب بيني وبين تلك الخلفية ” الأرض ” تخصبها بالحماسة السرية وتتسلم منها قتامة لونها وفي النهاية فأن قصة ويني فيرلوك ستكمل بجد الطريق منذ أيام الطفولة وحتى النهاية ..)
والشيء المفيد هنا ، هو المسافة التي اقتربنا منها ، من النقطة التي شرع بها كونراد . وثمة انطباعان أوليان : التفجر والرجل نصف المجنون الذي انتحرت شقيقته ، حاول كونراد أن يتخيل أرضية لهما ؛ في البداية صور لنا جسامة وعنف عدائية القارة ، وثانيا قراءته لمذكرات ( ضابط الشرطة ) المتضمنة مولد مدينة لا مبالية ، مدينة لا تشبه مدن القارة . مدينة من صنع الإنسان خلقت طبقات المجتمع ، المرتبط معا في ظلام لا معنى له , فلا بد إذن ، على كونراد أن يدفن قصته في ذلك الظلام .. من وجهة أي نظر ، وباتجاه أية نهاية ؟ هذه هي النقطة التي أدركها كونراد ، وليس صورة أخرى ، إنها صورة المرأة المتسلطة . المدينة العظيمة ذات الملابس الخلفية وفي الصدارة تبرز المأساة الشخصية لعائلة فيرلوك . وقد توصل كونراد إلى هذه النقطة ، أما ما تبقى فهو تكنيك الرواية ، وما أطلق عليه كونراد التناسب الكلي .
*يبدو أن كونراد قد سبق خوزيه ساراماغو الذي أكد هنا في هذه المقالة أن اللغة هي التي تتبنى الإنسان وليس العكس،وأن قرارات الإنسان تصدرها اللغة وليس الإنسان ذاته – المترجم

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *