*بسمة النسور
يتفق كثيرون على أهمية منجز بعض الأسماء الإعلامية النسائية، الجادّات المتمكنات من أدواتهن، ممن أثبتن قوة حضور وحرفية عالية أمام الكاميرا، وقدرة فائقة على التنافس وإثبات الذات في هذا الحقل الذي لا يخلو من الأشواك. كما نجحت كثيرات منهن، مثل منتهى أبو دلو ونجوى القاسم وإيمان عياد وفيروز زياني وأخريات، في تحقيق شهرةٍ لافتة ونجوميةٍ ساطعةٍ لا لبس فيها على اتساع فضاء الوطن العربي، من خلال نجاحهن في إقناع المتلقي بمدى ثقافتهن وجدّيتهن وسعة اطلاعهن، وقدرتهن على إعداد البرامج الجادة الرصينة وتقديمها، وإدارة الحوارات، مهما كانت صعوبة عناوينها.
وبذلك كله، وكذلك بتمتعهن بالجمال والجاذبية والأناقة وخفة الروح وسرعة البديهة، نسفن، بوصفهن نماذج نسائية مشرقة، بجدارة الفكرة السائدة لدى كثيرين بشأن التناسب العكسي بين ذكاء المرأة وجمالها! إذ ثمة اعتقاد شائع بأن الجميلات، في العادة، متواضعات الموهبة محدودات الذكاء، فاشلات مهنياً، كسولات وغير طموحات، يفتقرن إلى الدافع والحماسة لإثبات مهارات خاصة، ويعتمدن بشكلٍ مطلق على مقومات جمالهن الكفيل بفتح كل الأبواب المغلقة، كما قد يتوهمن، على اعتبار أن المعرفة والثقافة والانخراط في الشأن العام أمور تتعارض، من حيث المبدأ، مع مستحقات الأنوثة والجمال. وبفضل هذه النماذج المضيئة من هذه الأسماء الرصينة المحترمة، تبدّدت الفكرة البائسة السطحية التي يعتنقها كثيرون بتهور واستعجال، بأن المرأة الجميلة بلهاء بالضرورة.
نجحت هؤلاء الإعلاميات اللائي أفنين أرواحهن كمبدعات في هذه المهنة، المرتبطة بشكل وثيق بالمتاعب، في تقديم صور شديدة الإيجابية، انتزعت الاحترام والتقدير والإعجاب، وشكلت نماذج مشرقة جديرة بالاحتذاء، بما ينسجم مع التطلعات إلى النهوض بواقع المرأة التي تكتفي بالجلوس متفرجةً في المقاعد الخلفية، منزوية بالظل الذي يغتال الروح ويغيبها، ويعطل طاقاتها وأشواقها نحو خطواتٍ نوعية إلى الأمام.
هذه النماذج لسيدات جميلات ينتمين لشلالات الضوء الساطع كفيلة بترسيخ صورة لائقة للمرأة، ندّاً حقيقياً في شتى مناحي الحياة. من إطلالتهن عبر شاشاتٍ ليس أمامنا سوى الاعتراف بأنهن يحتللن غرف معيشتنا على مدار الساعة، ويعملن، من دون شك، على إعادة صياغة المدارك والتحكّم ببوصلة الوجدان والذائقة.
وفي سياق متصل، لا بد من التطرّق إلى الخراب في الفضائيات المتخصصة في ما يسمى مجازاً فناً وإبداعاً، وهي، في الواقع، ليست أكثر من عروضٍ “جنسية” في فضاءات نوادٍ ليليةٍ، نخشى على أبنائنا المراهقين الاستدلال عليها، ثم نفسح لها صدر الدار. أصبحت هذه المحطات الهابطة واقعاً يومياً معاشاً، أتحدى أن يفلح أي ربّ أسرةٍ في كبح أبنائه المراهقين عن متابعتها والاستلاب لها، وهم القادرون على فك تشفير محطاتٍ أشد وأدهى.
المؤسف أن ثمة محطاتٍ، المفترض أنها رصينة، أخذت على عاتقها، ولأغراضٍ تجارية بحتة، مهمة ابتذال المرأة وامتهان إنسانيتها، وتجاهل كل مزاياها، معتمدةً معياراً أوحد لا شريك له: درجة الإثارة المتوفرة. سواء كان المطلوب منها تقديم برنامج مسابقاتٍ أو قراءة حالة الطقس أو طبق اليوم. وأحياناً، في محطاتٍ معينة يصل مطلب الإثارة إلى عقر نشرة الأخبار.
وتجلت هذه الظاهرة في معظم البرامج الحوارية ذات الصبغة الفنية، حيث ظهرت أسماء دخيلة مغرقة في سطحيتها وابتذالها، لتصبح بدورها نجوماً تشكل مثلاً أعلى للأجيال القادمة.
وإذا سلمنا أن الفضائيات باتت من أهم المرجعيات المعرفية لهذه الأجيال المنكوبة، الملتبس المحفوف بالريبة غدها غير المشرق، لأدركنا حجم المسؤولية الملقاة على الإعلامية العربية المثقفة الجادة المعتدة بنفسها. وعلى مثلها فقط، نعوّل لحماية (وتأكيد) صورة المرأة العربية القوية المعتدة بنفسها، غير المستلبة ولا الخانعة أو السلبية. كانت العرب قديماً، وفي اللحظات المفصلية، تشير إلى انتسابها للنساء في سياق الفخر والاعتزاز. وهذا بالضبط ما يلزمنا كي نصلح الخلل الحضاري الفادح، لعلنا نرتقي نحو آفاق إنسانية أكثر سمواً.
_________
*العربي الجديد