عشرة كتبٍ.. خمسون كتاباً.. أثّروا في التاريخ البشري؟


*جنى الدهيبي


لعبة الإحصاءات مهما بلغت دقتها أو بانت هشاشتها، تستهوينا. نجدها مسلية، ممتعة، تنصف أحيانًا وتظلم أحيانًا أخرى، فيها قليلٌ من الجدّ وكثيرٌ من الهراء.. إلا أننا نتابعها عن كثب. تصنيفات الكتب مثالًا. 
كنت أحاول البحث عن دراسة، تُظهر أكثر الكتب قراءة وتأثيرًا في التاريخ البشري. غير أنّ محرك البحث غوغل، أدخلني مغارة علي بابا. أفضل عشر روايات في العالم، الكتب العشرون الأكثر مبيعًا، ثلاثون كتابًا أحدثت انقلابًا في المجتمع، قائمة بالكتب الأكثر جدلًا، الكتب الستة الأكثر اقبالًا، وهلمّ.. عناوين فضفاضة كبيرة، يختلط فيها الحابل بالنابل، حتّى أنّ ثمّة كتبًا داخل هذه المصنفات، تحمل أسماء كتّابٍ لم نسمع بهم أصلًا، وقد وُضعوا ربما، لمحسوبيات ما…
الدراستان الأقرب إلى المنطق، هما، واحدة في مدونة عالم المعرفة تحت عنوان، “أهم 50 كتابًا الأوسع انتشارًا وتأثيرًا في العالم”، وثانية في موقع أراجيك تحمل عنوان، “الكتب العشرة الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية”. الإحصائيتان تتقاطعان. فالكتب العشرة قد ذُكرَتْ أيضًا من بين الكتب الخمسين. لكن السبب الأهم، أنّ هذا الانتقاء في التصنيف، لا يدع مجالًا للتشكيك في أهمية تلك الكتب وعالميتها، أقلّه ضمن صفوف العارفين والعالمين. ناهيك أنها تنتمي إلى الأصول وأمهات الكتب، التي نستخلص منها على الدوام، وحي التجربة الأولى، بعدما نهضت عليها الحضارات الإنسانية.
الإحصائية الثانية، تعتبر منصفة نوعًا ما – مقابل التوسّع في الإحصائية الأولى – في كونها اختُصِرت على الصعيد العلمي والثوري – الاجتماعي، من دون التطرّق إلى الروايات العالمية، التي لا يقلّ شأنها أيضًا، أهمية بالغة كدون كيشوت ومدام بوفاري والبؤساء…
السياسة الإجرامية
اللافت أن غالبية الإحصاءات، تجمع أن كتاب “الأمير” الذي كتبه نيكولو ميكافيللي العام 1513، لا يزال يتصدّر قائمة أفضل مبيعات الكتب في فئة “السياسة”، رغم الجدل الواسع حول ما أحدثه من انقلابٍ غيّر وجه السياسة الحديثة. هذا الكتاب الذي يعتبر أن “السياسة غير أخلاقية، وأي وسيلة مهما كانت مجردة من المبادئ، يمكن أن يوجد مبرر لاستخدامها من أجل تحقيق النفوذ السياسي”، تحوّل إلى نظرية تسمى “الميكافيللية”. لكن كتاب “كفاحي” الذي تلاه، لزعيم النازية أدولف هتلر، كان مزيجًا خالصًا من سيرته الذاتية، ونزوعه نحو التأليه في امتلاك السلطة المطلقة، والنظرية الشمولية المُتّسمة بالعرقية والعنصرية والاستبداد، التي طبقها في الحرب العالمية الثانية. الكتاب الذي أصبح لاحقًا مرجعًا يتضمن خطط هتلر واستراتيجياتيه، شكّل هاجسًا كبيرًا للسياسيين الأوروبيين، الذين لم يرحبوا بإعادة نشره، لما يحتويه من تأثيرات سلبية.
في الاقتصاد والمجتمع
أن يتمّ تصنيف كتاب “ثورة الأمم” للاسكتلندي آدم سميث، في الفئة الأولى، من ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في المجال الاقتصادي، ليس مبالغة. فهذا الكتاب المولود في القرن الثامن عشر، استطاع أن يقلب النظريات الموروثة في الاقتصاد التقليدي، إلى مفاهيم وطّدتْ مبادئ الاقتصاد الحرّ، حتّى سُمي سميث في كتابه، “أبو الاقتصاد الحديث”، الذي أنشأ فكرة النظام الليبرالي العالمي المعاصر. إلّا أن مجيء كارل ماركس في القرن التاسع عشر، أحدث ثورة عقلية في الاقتصاد والمجتمع على السواء، عبر كتابه “رأس المال”، الذي تمخّض منه المذهب “الماركسي” الشيوعي. الكتاب شهد إقبالًا واسعًا على مرّ العصور، رغم تعقيداته، بعدما اعتُبر معجمًا للماركسية، يتضمن تفسير العلاقة بين المنازعات الاجتماعية والإنتاج الرأسمالي.
هذان الكتابان، سبقتهما مقدمة ابن خلدون، المندرجة أيضًا من بين الكتب العشرة الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية، لا سيما أنها رمز العبقرية في الحضارة العربية – الإسلامية، التي أصّل فيها ابن خلدون، بذور علم الاجتماع في فكرٍ موسوعي، ثقافي وعلمي، أربك اللاحقون في الزيادة عليه اقتصاديًا، وفلسفيًا، واجتماعيًا..
نواة العلوم
الكتب العلمية لها حصتها الوافرة في هذه اللائحة أيضًا. من كتاب “المبادئ” لإسحق نيوتن الذي أضاء تاريخ البشرية في طفرةٍ علمية فزيائية ورياضية قلبت موازين الحياة رأسًا على عقب. إلى كتاب “النسبية” لآينشتاين الذي تناول النظرية النسبية العام 1916، بعد عشر سنوات كاملة قضاها في البحث والتفكير. مرورًا بكتاب “أصل الأنواع” لداروين، الذي أحدث ضجةً هائلةً في اصطدامه بالموروث الديني، عبر نظرية “التطوّر” في نظرة الإنسان إلى هويته. وصولًا إلى كتاب “دورة الأفلاك السماوية” لكوبرنيكوس، الذي كان انقلابًا على النظريات الفلكية التقليدية، باعتباره الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وأن الأرض والكواكب الأخرى هي التي تدور حولها، ليس العكس.
كتاب “تفسير الأحلام” لفرويد، يعتبر تأثيره بالغًا أيضًا في التاريخ البشري، خصوصًا لما يمثله فرويد من مكانةٍ طبيةٍ مرموقةٍ بين علماء عصره، وما يضمر الكتاب من تنظيرٍ علمي نفساني، جعله مرجعًا رئيسًا، لكلّ المنشغلين في شتّى مجالات علم النفس.
ثمّة كتب أخرى ضمن لائحة الخمسين كتابًا غير ما ذكر أعلاه، أحدثت هزّة في الذاكرة الثقافية العالمية، وتحتاج متّسعًا وافرًا من البحث، على الصعيد الروائي والفكري. لكن، الفرق بين تصنيفات كتب قديمة، وتصنيفاتٍ تطاول كتبًا حديثة، هو خيط المصداقية. فأمهات الكتب قديمًا، غير قابلةٍ للطعن في أهميتها التي عادت بالنفع على البشرية جمعاء. أمّا اليوم، فقد بات محالًا الحديث عن أيّ كتابٍ هو الأجدى، أو الأنفع، أو الأكثر مبيعًا.. بعدما دخلت الثقافة في لعبة المكائد التنافسية، والانتاج الدعائي الفارغ.
_____
*المدن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *