المال والجنس في أدب «جين أوستين»


*سليم البيك


فيلم آخر مأخوذ عن واحد من أعمال الكاتبة الإنكليزيّة جين أوستين.. المواضيع المسيطرة على أعمالها كالمال والجنس وما يدور حولهما، وهي مواضيع إنسانيّة تماماً، وتبقى أساسيّة وآنيّة في كل الأمنة، لعلّها كانت المحفّز الأساسي للتبنّي الدائم لواحد من أعمالها سينمائياً أو تلفزيونياً، فأعمال كـ«EMMA» و«MANSFIELD PARK» و«BRIDE AND PREJUDICE» و«SENSE SENSIBILITY» وغيرها تمّ نقلها إلى أفلام عديدة لمخرجين عديدين ضمن سياقات متنوّعة.
آخر هذه الأفلام اتّخذ سياقاً كوميدياً، لكنّه كذلك اتّخذ رواية قصيرة (نوفيلا) لتكون أرضاً جديدة في عالم أوستين، يمكن القول إنّها اكتُشفت سينمائياً من قبل المخرج الأمريكي ويت ستيلمان، والحديث هنا عن رواية «Lady Susan» التي كتبتها أوستين في شبابها، في أعوام الـ1790، والتي نشرت لاحقاً في 1871.
الحكاية هنا عن سوزان (كيت بيكينسيل)، أرملة جميلة وشابة، قدمت إلى بلدة تشرشل حيث يعيش أقارب زوجها، بعد موته، لتتفادى شائعات عن علاقات خارجيّة لها. هناك، تحاول تدبير زواجها هي وابنتها لتأمين حياتهما مستقبلاً، لها صديقة في تشرشل، قادمة من أمريكا، تتواطأ معها في ما تنوي فعله. تتعقّد الأمور بوصول صهرها وهو رجل وسيم وعاقل يسعى للزواج منها، ورجل آخر غني وأحمق يسعى للزواج من ابنتها. لا يبدو وجود سوزان مرّحباً به لدى البعض، لكنّها لشخصيتها القوية تعرف كيف تأسر الجميع وتنال ما تريده. بعد أخبار متزايدة ومتناقلة عن سوزان تلحقها إلى تشرشل، تتخذ الامرأة قرارات بخصوص زواجها هي وابنتها، تبقيها الرّابحة في المجتمع المحيط بها.
هذه موضوعات يكثر تناولها سينمائياً في الحديث عن تلك الفترة الزمنيّة، القرن الثامن عشر، حياةً وأدباً. وأي محاولة جديدة لنقل واحد من الأعمال الأدبية لتلك الفترة يجب ألا يكتفي بالبحث عن نصٍّ مختلف وجديد ليقدم شيئاً مختلفاً عن الموجود، فالمخرج اختار هنا جين أوستين صاحبة العديد من الأعمال المنقولة إلى السينما. لذلك، على المخرج إجمالاً مسؤولية قد تفوق اختيار النّص، الذي يمكن أن يكون قد اختير من قبل آخرين كثر غيره، تفوقه لتصل إلى الأسلوب في تصوير النص، إلى الكيفيّة التي يمكن أن ينقل الحكاية فيها إلى الشاشة، وهذه مسؤولية تتخطى مجرّد فكرة نقل النَّص الأدبي إلى السينما، إلى طبيعة هذا النَّص، فموضوعات كالجنس والمال هي، إلى جانب العنف، من أكثر الموضوعات المتناوَلة سينمائياً، وإن أتيا ضمن سياق زمني محدّد، كأن نقول إنكلترا أو أوروبا في القرن الثامن عشر، فإن ما يحوم حول هذين الموضوعيْن سيتشابه في كل تصوير سينمائي له، كالزّواج المدبَّر والرّياء الاجتماعي لدى الأرستقراطيّة آنذاك. على المخرج مسؤولية في إقناع المُشاهد بأنّه، رغم كلّ ذلك، ما يقدّمه جديد ومختلف، بذلك يمكن أن يجد أساساً لفيلمه يطمئِن المُشاهد بأنّه لا يذهب إلى الصّالة لمشاهدة مجرّد فيلم آخر من تلك التي تحكي عن المجتمع الأرستقراطي آنذاك.
«حب وصداقة» أتى أولاً بقصّة جديدة، لكنّه، والأهم، ميّز نفسه بالكوميديا، «كوميديا السّلوك» تحديداً، وهو الأسلوب النّقدي الذي اتّخذه الكثير من أدب تلك الفترة في تناوله للمجتمع آنذاك وريائه، أو الهيبوكريسي فيه. الفيلم هنا ركّز على هذه النّقطة كمنطلق يبني عليه أساساته، المواقف المضحكة، الآتية من دهاء بعض الشخصيات من جهة وحماقة أخرى من جهة. والحماقة هنا، لسذاجة صاحبها وهو من يسعى للزواج من ابنة سوزان، تبرز أكثر كلّما أتت مجاوِرة مع دهاء سوزان كما مع رزانة صهرها، وهذا التّجاور يكثر في الفيلم. 
ويكون الفيلم بذلك نتاجاً طبيعياً للدّمج بين ما للمخــرج من تجارب سابقة في أفلام كوميديّة كـ«ميتروبوليتان»، وبين أدب جين أوستين وموضوعاته.
إضافة للمذكور أعلاه، اعتنى الفيلم (Love & Friendship) بموسيقى وأزياء جميلة ولافتة، مع أداء ممتاز لكيت بيكينسيل في دور سوزان. وهو كتابة مخرجه، وإنتاج عدّة شركات، ما يجعله فيلماً مستقلاً، وقد شارك في مهرجان سندانس في الولايات المتحدة، وهو المهرجان الأكبر للأفلام المستقلة هناك.
____
*القدس العربي

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *