*محمد سهيل أحمد
لعله العمل اللاروائي الأخير للكاتب الأميركي أرنست همنغواي. وموضوعه المحوري يدور حول مصارعة الثيران في أسبانيا، وقد شرع في كتابته عام 1959 وأتمه في غضون عام. لكنه بقي طي الأدراج إلى أن قام الناشر شارلز سكربنرز وأولاده بإصدار الكتاب في يونيو 1985 أي بعد وفاة كاتبه بأكثر من عقدين من الزمان.
كتاب “الصيف الخطر” يتألف من 288 صفحة، تروي فصوله حكاية التنافس الحاد بين اثنين من أفضل مصارعي الثيران الأسبان هما لويس ميغيل دومنيغوين وصهره الماتادور القادم أنطونيو أوردنيز.
أصل الحكاية أن همنغواي أنجز العمل على أن ينشر، تنفيذا لعقد ثنائي مع مجلة “لايف الأميركية”. في ضوء ذلك قام همنغواي باستدعاء صديقه المقرب ويل لانج طالبا منه المجيء إلى أسبانيا من أجل العمل على موافاة المجلة بفصول العمل. والواقع أن النص الأصلي للكتاب مؤلف من 75000 كلمة، إلا أن مجلة لايف قامت بنشر خلاصة له لم تتجاوز الــ30000 كلمة وعلى دفعات أي بشكل فصول متعاقبة.
لقد بدأ ولع همنغواي بعالم الماتادور عام 1920 عندما حضر أحد مهرجانات مدينة بمبلونا الأسبانية ليمسي بالتالي واحدا من عشاق هذه الرياضة المفعمة بالقسوة والمتعة. وقد صور ذلك الولع في أكثر من عمل روائي مثل “وتشرق الشمس أيضا”. أما في “موت في الظهيرة” فيسعى همنغواي إلى الغوص في غيبيات عالم المصارعة بافتراضها طقسا فيه قدر كبير من النزوع الديني بما يشبه التمازج الصوفي. إن همنغواي دائم البحث عن جوهر اللعبة، إذ يقول إنه -من خلال المعايشة- التقى بالطبيعة الجوهرية للحياة والموت.
يسرد همنغواي وقائع حفلات المصارعة التي كانت تجري بين المصارعين المتنافسين؛ ميغيل الحنكة، وصهره انطونيو الفتوة والمهارة الفطرية. كان ميغيل ملتهب الشهرة عبر المصارعة ومن خلال حياته الرومانطيقية مع المشاهير. كانت له علاقة غرامية مع الممثلة الأميركية ذائعة الصيت آفا غاردنر التي انبهرت برجولته الرومانطيقية قبل انبهارها به كماتادور.
وكمصارع كان يشكو فقط من الشهرة العريضة التي اكتسبها من خلال المصارعة. لذا فقد منح لنفسه استراحة لبضع سنين قبل أن يعود إلى الحلبة تسبقه تلك الشهرة. غير أنه، مقارنة بمنافسه أنطونيو كان يفتقد الموهبة العفوية التي كان يتمتع بها صهره الشاب. لقد جرفته الثقة العالية بالنفس إلى أتون التنافس مع أنطونيو أوردنيز.
وهكذا التقى الاثنان عام 1959 ولأكثر من مرة. لقد بدا من الواضح أن أداء أنطونيو كان مذهلا قاطعا للأنفاس ذلك لأنه لم يكن يتورع عن إلقاء نفسه في أشد المجازفات خطورة، بينما كان ميغيل يتقن حركاته المخادعة تمام الإتقان أمام أعين جمهور ملتهب بالحماس وفي الوقت نفسه كانت تلك الحركات أكثر أمانا. ومع ذلك قام الثور المهاجم ببقر بطن ميغيل كما أن منافسه أنطونيو تعرض لعدد مماثل من الطعنات أثخنت جسده بجراح شبه قاتلة.
ولم يمض شهر حتى عاد الماتادوران ليلتقيا في عرض وصفه همنغواي كتابة “لم أشهد قتالا بتلك البراعة منذ أن ألفت مصارعة الثيران. كان قتالا من دون ألاعيب. أما لقاؤهما التالي فجرى في مدينة بلباو حيث تلقى دومنيغوين ضربة شبه مميتة، بينما أبدى أنطونيو هيمنة لم تخل من القلق”، لكنه ختم المشهد في نهاية الأمر بالضربة القاتلة (Recibiendo Kill) وهي واحدة من أعرق الحركات في تاريخ المصارعة وأكثرها خطورة. لقد تطلبت تلك الحركة ثلاث محاولات قدم فيها الماتادور كل ما لديه من مقدرة فنية ممزوجة بشجاعة لا نظير لها، ما حدا بهمنغواي إلى أن يقارنه بالماتادور الأسطورة بيدرو روميرو.
_______
*العرب
شاهد أيضاً
العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة
(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …