خاص ( ثقافات )
ليس غريباً على طالبة الصيدلة التي تجيد تركيب الدواء الشافي للأبدان، أن تتقن مزج الكلمات لتخرج نصوصاً تتسلل إلى الروح، فتشع فيها نوراً وضياء.
الكاتبة الشابة جمانة خالد الياسين، في كتابها” طفرة”، الصادر حديثاً عن الآن ناشرون موزعون، تكتب نصوصاً نثرية وشعرية من الحياة، لا تكلُّفَ فيها، تكتب في موضوعات لامست حياتها الخاصة، وأخرى نعيشها جميعاً، كتبتها بأسلوب أدبي شفاف، مليء بالأحاسيس، ولغة شعرية. تقول عن كتابتها: أكتب”.. لحُزني، لسعادتي، للشِّتاء، للصَّديق، للأماكنِ، للوجوهِ، للأيّام والأوراقِ والأزهارِ والنّدى.. “
وفي نص عن جدِّها لأمها بعنوان ” العشقُ: جدّي”- وقد انتسبت إليه أدبيا،-” كأيِّ حوّاء على وجه الخصوص.. وكأيِّ إنسانٍ على وجهِ العموم.. كان ليستحيلُ إلى ضمورٍ قلبي دون أن يشوبَهُ ودقٌ مِن غيوم الحبّ! ولكن -بحُكمِ ما جنيتُهُ مِن جيناتٍ قد اعتادتْ الألم- فقد كانَ لِزاماً أن يشيبَ عِشقي قُبيلَ أن تلوّحَ لي شمسُ السادسةِ بيدها البريئة «جدّي ياسين»؛ العشقُ الذي قد أُشبِعَتْ ملامحهُ بالثرى قبلَ أن يُشبِعَ ملامحي والرواية التي قد ماتَ عنها يراعُها قبل أن يَصوغَ لها النهاية”
وعن ذكريات الطفولة كتبت تحت عنوان” ها أنا ذا أعيش” ها أنا أنزعُ عنّي فستانيَ الأزرق بإشارةٍ مِن القانون المدرسـي إلى أنني قد كبرتُ «يا للخيبة! وذاك الكون مِن الطفولة في داخلي.. ما عسايَ أفعلُ به.. وكيف تكبرُ دواخلنا.. وأيُّ لونٍ يتوجَّبُ علينا أن نُلبِسها حتى تكبر..!» وتضيف: «لا ينتظرنا العمرُ حتّى نجرِّبَ كلّ الأشياءِ المخطوطةِ في قوائِمِه.. أحياناً يصيرُ لزاماً علينا أن نضع علامة (تمّ) محاذاةَ أشياءٍ لم نعملها، ولكن حتى نتخطّى مراحلَ حياتنا كلها قُبيلَ انتهاء العمر».
الكاتبة رغم حداثة سنها إلا أنها تعيش هموم أُمتها، فهي تكتب عن بغداد في نصِّها” أحداق بغدادية”: أنْ تسكنكَ روحٌ بغداديّة… يعني ذلكَ أنّ الفرحَ في عمركَ قد أمسى معدوداً.. كلآلئ الجلنّار.. أن تنغمِسَ في الفرح بكلّ أعماره.. في شبابه مروراً بمشيبِه وحتى التحلّل.. أن تتراءى لكَ أحداقُ أحدهم مبلَّلةً بلونِ الليمون في أوّل خطوةٍ مِن الدّرب.. وتنتهي رماديّة بعد عامٍ ونصف.. ” وتقول أيضا: «حذارِ أن تنغمسَ في نصفِ لحنٍ عراقيّ.. فالموت في المنفى أهون بألفِ مرّةٍ مِن الموت على حافّة الطريق إلى الوطن..» وتكتب في ذات السياق: «عنِ الإيمان لا تحدّثني.. فمنذ أن نزغ الرحيل بين ممشايَ وممشاك، ما عاد في الهذيان سوى بقايا عراق.. وخِدرُ الأمنياتِ قد جفّ سوى مِن أمانٍ برائحةِ عِراق»
الكتاب صادر عن الآن ناشرون لسنة 2016، و يضم خمسة وخمسين نصا ويقع مئة وعشر صفحات.