*باريس ـ أنطوان جوكي
“سبعة حجارة للمرأة الزانية” هي رواية فينوس خوري غاتا الثامنة عشرة، لكنها الرواية الأولى التي تقارب فيها مباشرة وضع المرأة المأسوي في العالم الإسلامي اليوم. طبعاً الشرق حاضرٌ بقوة في شعرها وفي العديد من رواياتها السابقة، على الرغم من استقرارها في باريس منذ أكثر من ربع قرن، وبالتالي سبق لها أن خطّت في هذه الكتب بورتريهات مؤثّرة لنساء شرقيات وثارت مرّات عديدة على قدرهن الذي لا يحسَد. لكنها المرة الأولى التي تخصص فيها رواية كاملة لموضوعٍ محدد ـ تقليد رجم الزانية الممارَس مع الأسف الى حد اليوم في بعض مجتمعاتنا ـ تنفذ من خلاله الى وضع المرأة المسلمة ككل فتفضح ظروف حياتها وتندد بتقاليد قبلية وحشية تتحكّم بمصيرها على الرغم من براءة الإسلام وأي فكر إنساني منوَّر منها. وكأن كتابة هذا النص الروائي لم تكن ممكنة بالنسبة الى فينوس، بالرقة والعنف والطرافة والبصيرة التي يتميّز بها، لولا حفرها مسافة معيّنة من الشرق الذي تنتمي إليه، مسافة في الزمن والجغرافيا… والانتماء أيضاً.
وبالفعل، مَن يقرأ هذه الشاعرة والروائية المميّزة ويطلع على بعض أحاديثها، يلاحظ بسرعة أنها لم تغادر الشرق إلا جغرافياً. لكن عودتها إليه في كل مرة، إن من خلال دواوينها أو بعض رواياتها، ادرجت في السابق في سياق تعزيمي حميم غايته التحرر من أشباح حياتها الشخصية في لبنان، بعكس الرواية الحالية التي تعود فيها الى الشرق لكن كغريبة. فمن يعرف فينوس عن قرب يستنتج منذ الصفحات الأولى الشبه الكبير بينها وبين شخصية المرأة الفرنسية التي تأتي الى الشرق لمحاولة إنقاذ امرأةٍ تدعى نور من رجمٍ محتّم.
وعلى طول الرواية، تبقى هذه المرأة الفرنسية “أجنبية” وغريبة الطباع بنظر سكان تلك المنطقة النائية التي “يعبرها الجراد بعيون مغلقة كي لا يرى بشاعتها”، وذلك على الرغم من مشاركتها واقعهم اليومي خلال فترة طويلة ومن جهدها الثابت في تحسين ظروف معيشتهم. فهل ان فقدان عشيقٍ وهرّ يكفي في شرقنا للانحدار الى قعر العالم؟ أليس خيارُ استقرارها في تلك القرية البائسة التي تقع على حدود الصحراء طريقةً لمعاقبة ذاتها؟ الأكيد بالنسبة الى جيرانها الجدد أنها أتت لملء حياتها من فتات حيواتٍ أخرى، حياة أمينة التي كانت تعمل كخادمة في مركز البعثة الإنسانية الفرنسية وتحوّلت بعد إغلاقه الى متنبّية تقذف بتعويذاتها وطلاسمها في جميع الجهات، ولكن خاصة حياة نور الخاضعة لحُكمٍ بالرجم لتعرّضها الى الاغتصاب من قبل أجنبي خلال ليلة عاصفة.
ولأن عواقب الخروج عن التقليد في شرقنا وخيمة، تأسرنا هذه الشخصيات النسائية الثلاث بمواقفها وخياراتها الجريئة، وبالتالي بسيرها على حافة الموت أو الجنون بدون ورع: الأجنبية بالجهد المؤثّر التي ستبذله لإنقاذ نور في بلدٍ لا مكان للمرأة فيه إلا داخل الجدران، نور بإصرارها على قبول عدالة الرجم تحت ذريعة المتعة التي شعرت بها أثناء الاغتصاب، ثم بمغادرتها القرية في نهاية الرواية وهي حامل في شهرها التاسع على أمل العثور على مغتصبها، وأمينة بمساعدتها للأجنبية في سعيها الى إنقاذ نور، أو بتسلّقها في كل مرّة شجرة نخيلٍ لفضح خبث سكان القرية ومحاورتها المؤذّن. لكن الحجارة المرصودة للرجم تبقى جاهزة حتى النهاية في ساحة القرية، وأحدٌ لن يجرؤ على بعثرتها قبل تنفيذ الحُكم… ولو بامرأةٍ أخرى!
أكثر من أية رواية سابقة، تعبّر فينوس في عملها الجديد عن غضبٍ عارمٍ لا يطال فقط المجتمع الذكوري الشرقي بل جميع الرجال بدون استثناء. فمن عشيق الأجنبية في باريس الى زوج نور مروراً بمُغتصِب هذه الأخيرة وموظف البعثة الإنسانية الفرنسي وسائق الباص عبدول الذي ستُضطر الأجنبية الى عقد قران مؤقّت معه كي تتمكّن من مقابلة المولى الكبير في المدينة ومن المدافعة عن براءة نور…، جميعهم يتشابهون في قسوتهم وجبنهم ونذالتهم. وهذا ما يشرح بالتأكيد حدّة الأسلوب المستخدم في هذه الرواية وغزارة الاستعارات الفجة والعنيفة. لكن، في قلب هذه المآسي التي تفتت الصخر و”تشيخ السهول والنساء”، تتمكّن فينوس من إضحاكنا مرات عديدة، خصوصاً خلال الحوارات التي تدور بين النساء ويتم فيها مقارنة تقاليد القرية بالتقاليد السائدة في الغرب، وذلك بفضل حسّ هزلي وساخر ينبع من داخل اليأس ويمنح كتابتها نكهة طريفة ومميَّزة نعثر عليها في جميع أعمالها
باختصار، تخط فينوس في هذه الرواية بورتريهات لنساء تعيش في حالة تمزّقٍ دائم بين احترام التقاليد والتوق الى الحرية والحق في الحب والمتعة، ولرجالٍ خاضعين لتقاليدهم البالية، لا يفكّرون ولا يثورون على الوضع القائم، إيمانهم، بدلاً من أن يرتكز على ديانتهم المتسامحة، هو في الحقيقة مجرّد خليط من المعتقدات القبلية الآتية من أزمنة غابرة والتي حان وقت تكييفها أو التخلص
__________
*(المستقبل)