أمين معلوف وi24: ما بين التّطبيع القديم وازدواجيّة المنتقدين




فجّرت مقابلة الأديب اللّبنانيّ – الفرنسيّ، أمين معلوف (67 عامًا)، مع قناة i24 الإسرائيليّة، جدلًا واسعًا في المشهد الثّقافيّ والإعلاميّ العربيّ، تحديدًا اللّبنانيّ والفلسطينيّ، والّذي انطلق مع مقالة كتبها الصّحافيّ والنّاقد الثّقافيّ اللّبنانيّ، بيار أبي صعب (55 عامًا)، تحت عنوان ‘أمين معلوف… ليون الإسرائيليّ!’.
‘قبّة حديديّة في وجه الصّحافة العالميّة’
I24 قناة تلفزيونيّة إسرائيليّة، تبثّ بثلاث لغات، العربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة، وتستهدف أساسًا المجتمع العربيّ. يموّل القناة رجل الأعمال اليهوديّ الفرنسيّ، باتريك دهري، أمّا رئيس مجلس إدارتها فهو فرانك ملول، الّذي تربطه علاقات وطيدة مع عدد من السّياسيّين في سُدّة الحكم في إسرائيل، تحديدًا من حزب ‘اللّيكود’، والّذي كان قد أعلن لدى تأسيسها عام 2013، بأنّه سيسعى إلى محاربة ما أسماه بـ ‘الجهل والأحكام المسبقة’ ضدّ إسرائيل!
تُعدّ هذه القناة الّتي لها مكاتب في يافا، وهي مسجّلة في لوكسمبورغ، وفق موقع عرب 48، ‘أهمّ الأذرع الإعلاميّة الصّهيونيّة في أوروبا والعالم، وتسعى دائمًا لاستضافة محلّلين عربًا من الدّاخل والعالم العربيّ، بهدف الظّهور كقناة موضوعيّة ونزيهة’. وكانت قد أطلقت خلال العدوان على غزّة عام 2014، إعلانًا تسويقيًّا وصفت نفسها فيه بأنّها ‘القبّة الحديديّة في وجه الصّحافة العالميّة’، في إشارة إلى نظام اعتراض الصّواريخ الإسرائيليّ.
‘خيانة المثقّف’
وقد جاء في مقالة أبي صعب [الأخبار]: ‘في أيّ زمن نعيش؟ لقد ’طقّ شلش الحياء‘، وتلاشت الرّوادع، وصار بوسع كاتب لبنانيّ كبير أن يشهد بالزّور، من دون أن يرفّ له جفن، ومن دون أن يحاسبه أحد… أهو سهو أو إهمال، ’انفتاح فكريّ‘ أم لامبالاة؟ لحظة طيش وتخلٍّ، أم خطوة محسوبة وبداية مرحلة جديدة ترتسم ملامحها ببطء، ستشهد سقوط الأقنعة، وتساقط بعض نخبنا كالتّفاح المهترئ؟ مرحلة سيقتفي فيها كثيرون أثر بوعلّام صنصال على طريق تل أبيب المعبّدة بالجثث، وسيركع آخرون عند أقدام القاتل الإسرائيليّ على طريقة محسن مخملباف في القدس… وهم يتغنّون بالحرّيّة والعدالة، ويمجّدون ’القبول بالآخر!‘’
أمّا الشّاعر والصّحافيّ اللّبنانيّ – الفلسطينيّ، إسكندر حبش، فقد تساءل في مقالته ‘خيانة ’مثقّف‘’ [السّفير]: ‘هل هي ’خيانة المثقّفين‘ (فيما لو استعدنا تعبير المفكّر الفرنسيّ جوليان بندا في كتابه الموسوم الصّادر العام 1927)؟ لا أعتقد أنّ المفاجأة تكمن في ظهور أمين معلوف على تلك المحطّة، بل المفاجأة أن لا نكون قد قرأنا كتبه فعلًا. لنعد مثلًا إلى رواية ’سلالم الشّرق‘ الّتي نشرها في منتصف تسعينيّات القرن الماضي، ألم يجعل من بطلة روايته هذه شخصيّة ’إسرائيليّة‘ تأتي إلى فلسطين، بعد قرار التّقسيم، لتسكن مدينة حيفا؟ صحيح أنّ بطلته هذه ليست من ’اللّواتي يعشقن الذّبح‘ (كما يكتب) بل وتحلم ’بإقامة مدينة مشتركة بين العرب واليهود‘، بيد أنّ السّؤال: كيف يمكن لهذا التّعايش أن يتحوّل واقعًا حين تعتبر حيفا ’مدينتها‘؟’
اعتذار
بدورها، أصدرت حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان، بيانًا استنكرت فيه قبول أمين معلوف إجراء مقابلة مع قناة i24، جاء فيه: ‘إنّ موافقة أمين معلوف على إجراء المقابلة مع هذه المحطّة، وبغضّ النظر عن أنّه لم يتعرّض فيها من قريب أو بعيد للسّياسات الإسرائيليّة الإجراميّة، ’يطْمس‘ هذه السّياسات، ويبرّئ هذه المحطّة – ومعها سائر وسائل الإعلام الإسرائيليّ ـ من تواطئها مع تلك السّياسات؛ وكأنّنا به يقول: لا يعنيني ما تفعله الدّولة الّتي تنطلق منها هذه المحطّة، ولا تعنيني سياسات هذه المحطّة الدّاعمة لإسرائيل، وإنّما يعنيني فقط هذا ’الحوار‘ الأدبيّ الرّاقي الّذي يجري حاليًّا حول كتابي الجديد وحول الأكاديميّة الفرنسيّة!’
وقد طالب البيان أمين معلوف بالاعتذار عن تلك المقابلة، ‘احترامًا للشّهداء والأسرى وعائلاتهم، وللمشرّدين واللّاجئين اللّبنانيين والفلسطينيّين، ولدور الثّقافة (المفترض) في خدمة العدل والإنسانيّة’، وجدّد الدّعوةَ لكافّة ‘الكتّاب والمثقّفين العرب إلى مقاطعة كيان العدوّ، ومقاطعة مختلف مؤسّساته الإعلاميّة والنّشريّة والأكاديميّة والفنّيّة، على طريق عزله في عين العالم، بوصفه كيانًا مرفوضًا، لا مكان له في عرف المظلومين والأحرار.’
تطبيع قديم
واستشهد البعض بما جاء في مقالة للصّحافيّ البريطانيّ روبرت فيسك، نُشرت في صحيفة الإندبندنت عام 2011، ليؤكّدوا على أنّ تطبيعيّة أمين معلوف وموقفه المتصالح مع وجود إسرائيل ليس بجديد: ‘ممّا يستحقّ تذكّره ـ ما دام أمين معلوف لا يفعل ـ أنّه، وبالعودة إلى عام 1983، كان جزءًا من الوفد الّذي زار إسرائيل من أجل أمين الجميّل، عندما كان الرّئيس اللّبناني ماضيًا مع الرّغبة الأمريكيّة اليائسة من أجل اتّفاقيّة سلام إسرائيليّة لبنانيّة. تفقّد معلوف الدّمار الّذي سببته قذائف الكاتيوشا الفلسطينيّة لبلدة كريات شمونا اليهوديّة. أستطيع أن أفهم لماذا دفن نفسه في فكرة أنّ ‘كلا الطّرفين يخسران’، لكن ثمّة أخلاق، جانب أخلاقيّ يبدو مفقودًا في كتابات معلوف. عام 1982، ألحق الإسرائيليّون في لبنان معاناة (17500 قتيل، معظمهم من المدنيّين)، أكثر ممّا (17500 قتيل، معظمهم من المدنيين) أكثر ممّا تسبّب به الفلسطينيّون في إسرائيل.’
ازدواجيّة المنتقدين
وقد أشار بعض الكتّاب والنّاشطين المهتمّين، إلى أنّ المنابر الّتي تصدّرت الانتقاد الموجّه إلى أمين معلوف بسبب مقابلته مع قناة i24 الإسرائيليّة، تنحاز للنّظام السّوريّ وحلفائه، وأنّها تصمت إزاء الجرائم الّتي ارتُكبت وما زالت تُرتكب بحقّ السّوريّين والفلسطينيّين واللّبنانيّين على أيديهم، وأنّها تصمت أيضًا إزاء تحالف روسيا وتنسيقها مع إسرائيل من أجل حفظ أمن الأخيرة وبالتّالي وجودها في المنطقة. وقد انتقدت تلك الأصوات سياسة الكيل بمكيالين وازدواجيّة المعايير الّتي تنتقد التّطبيع من جهة، لكنّها تبارك التّحالفات مع قوًى عالميّة توفّر حماية لإسرائيل، أو تلك الأصوات الفلسطينيّة الّتي تنتقد أمين معلوف بينما تصمت إزاء التّنسيق الأمنيّ بين السّلطة الفلسطينيّة وإسرائيل.
كتب المخرج الفلسطينيّ، نصري حجّاج، على صفحته في فيسبوك: ‘الحماقة التّي ارتكبها أمين معلوف في الضّجّة القائمة حول ظهوره على قناة إسرائيليّة، هي في أنّه أعطى جريدة ’الأخبار‘ الممانعة والمدافعة عن سفك دماء السّوريّين، فرصة ناجحة لتقود حملة مقاومة التّطبيع مع إسرائيل، في الوقت الّذي تقود حملة تدمير الشّعب السّوريّ.’
وفي السّياق ذاته، كتب النّاقد الأردنيّ إبراهيم خليل في صفحته على فيسبوك: ‘الصّهاينة محظوظون، فالكلّ يهرول باتّجاههم والتماس رضاهم، وربّما تقبيل نعالهم، فزعيم أكبر دولة ورثت الاتّحاد السّوفياتي يهرول باتّجاههم، ورؤساء المقاومة والممانعة يهرولون، ورئيس السّلطة في رام الله لا يفتأ يتغنّى بالتّنسيق الأمنيّ مع الإسرائيليّين، ويصرّح بلا حرج أنّ هذا التّنسيق يحميه ويحمي أولاده واستثماراتهم في الضّفّة الغربيّة بعد أن كانوا لا يملكون شروى نقير، فهل وقفت على أمين معلوف؟ ألا يعلم المثقّفون العرب أنّ من شاء أن يطمح لحيازة جائزة نوبل عليه أن يهرول باتّجاه الإسرائيليّين؟ ألم يفعل ذلك أدونيس من قبل وغيره… وغيره؟ خفّفوا عن الرّجل فهو يقتفي أثر السّابقين، شأنه في هذا شأن اللّاحقين. ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلًا ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد.’
معلوف
يُذكر أنّ أمين معلوف (و. 25 فبراير 1949)، كاتب وروائيّ لبنانيّ – فرنسيّ، ولد في لبنان ويعيش في فرنسا منذ عام 1976. يكتب بالفرنسيّة، وله أعمال مترجمة لأكثر من لغة. نال جائزة گونكور عام 1993 عن روايته صخرة طانيوس، كما نال أيضًا جائزة أمير أستورياس للآداب عام 2010. انتخب معلوف عضوًا في الأكاديميّة الفرنسيّة في 23 يونيو 2011، المقعد رقم 29، ليكون بذلك أوّل لبنانيّ يصبح عضوًا في الأكاديميّة، وقد شغل هذا المقعد خلفًا للأنثروبولوجيّ وعالم العرقيّات الفرنسيّ، كلود ليڤي – ستروس.
____________
*فُسحة من عرب 48

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *