السرقات الأدبية والبحث عن مجد كاذب



*شدري معمر علي


عندما يفقد المجتمع قيمه ويفقد بوصلته، تنتشر فيه ظواهر اجتماعية كثيرة تمس كل الطبقات بدون استثناء، فإن كانت السرقة انحرافا سلوكيا يعاقب عليه القانون والسارق المادي ينفر منه المجتمع ويعزله، وتكون شهادة سوابقه العدلية حاملة لجرائمه، مانعة له من أن يتبوأ بعض المناصب والمسؤوليات، لأن السارق المحترف عنصر خطير على المجتمع، يدمر النسيج الاجتماعي.
فماذا عن السارق الأدبي، لص الأفكار والكتابات، الباحث عن مجد كاذب، وشهرة
مزيفة، على حساب الآخرين. إن اللص الأدبي يحتاج إلى وقفة من علماء النفس والاجتماع لدراسة سلوكياته ودوافعه والأسباب التي تدفعه إلى تسلق قمة لم يستعد لها.
الأسباب التي تدفع الكاتب إلى السرقة الأدبية
عندما نتأمل في البواعث والأسباب التي تجعل مدعي الكتابة يلجأ إلى السرقة الأدبية بدون خوف من افتضاح أمره نعرف مدى فقدان هذا اللص للكرامة الإنسانية والقيم السامية والشرف وعزة النفس، كل هذه الأمور لا توجد في قاموسه.
الشيء الوحيد الذي يحركه نحو هدفه هو البحث عن الشهرة، أو الحصول على مبالغ مالية معتبرة، في المسابقات العربية خاصة الخليجية التي تغدق على المبدعين آلاف الدولارات التي تسيّل لعاب اللص الأدبي، لاسيما أن كثيرا من الكتاب وأشباه الكتاب يعيشون وضعا اجتماعيا مزريا يدفعهم إلى سلوك هذا الطريق.
وهناك سبب آخر نجده عند الباحثين وحملة شهادة الدكتوراه الذين يتقنون بعض اللغات فيترجمون كتبا من لغات أخرى ويغيرون فيها بعض الشيء ثم ينسبونها لأنفسهم، ظانين أنهم في منأى عن اكتشاف أمرهم وفضحهم.
والبعض الآخر، خاصة عند اساتذة الجامعة، فالبحث عن الترقية وتبوؤ مناصب عليا، يدفعهم إلى سرقة أبحاث زملائهم أو من عرب وأجانب، وهذا ما حدث في حالات كثيرة في الجامعات الجزائرية من بعض الأساتذة الذين قبضوا متلبسين بفعل السرقة الفكرية، وقد تعرض بعضهم إلى عقوبات إدارية، كحرمانه من الترقية وإنزاله من رتبته ومنصبه.

وقوع بعض الكتاب الكبار في السرقة الأدبية
وقع الأديب عبد القادر المازني في السرقة وفضحه الشاعر عبد الرحمن شكري، في مقدمة الجزء الخامس من ديوانه وفيها يقول: (لقد لفتني أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها «الشاعر المحتضر» البائية التي نشرت في عكاظ، واتضح لنا أنها مأخوذة من قصيدة «أوديني» للشاعر شيلي الإنكليزي، كما لفتني أديب آخر إلى قصيدة المازني التي عنوانها «قبر الشعر» وهي منقولة عن هيني، الشاعر الألماني، ولفتني آخر إلى قصيدة المازني التي عنوانها «فتى في سباق الموت»، وهي للشاعر هود الإنكليزي، ولفتني أيضا أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها «الوردة والرسول» وهي للشاعر ولز الإنكليزي. وقرأت له في مجلة ‘»البيان» مقالة «تناسخ الأرواح» وهي من أولها إلى آخرها من مجلة «السبكتاتور» لأديسون الكاتب الإنكليزي.
فهذا كاتب كبير يدرس في منظوماتنا التربوية للثانويي،ن ولا يشار إليه في سيرته الذاتية بأنه لص أدبي، وكل القصائد التي سرقها المازني هي من كتاب «الذخيرة الذهبية في الشعر الإنكليزي «وكيف دافع المازني عن نفسه؟ قال: «يثقل على نفسي اتهام شكري لي بالسرقة لأني أعرف من نفسي أني لم أتعمد سطوا ولم أغر على شاعر، وإنما علقت المعاني بخاطري أثناء المطالعة وجرى بها القلم وأنا غافل، لأنني ضعيف الذاكرة سريع النسيان».
واتهم أيضا مصطفى صادق الرافعي العقاد في تسمية أجزاء ديوانه بـ»يقظة الصباح» و»وهج الظهيرة» و»أشباح الأصيل» و»أشجان الليل» في قوله: «إن العقاد رجل دعوى وتدجيل وغرور فيسرق ويدعي الملكية، وهو يعترف بأن الأسماء ليست على مسمياتها، إذن لم يضعها عضو الأكاديمية الفرنسية رواية شعرية mecloredevogue، وقد وضعها الشاعر الفرنسي الكبير «وجعلها أربعة أناشيد سمى النشيد الأول «الفجر» والثاني «الظهيرة jean de agrene سماها» والثالث «الأصيل» والرابع «الليل».
وقد أشار بدوي طبانة إلى سرقة كاتب وناقد كبير هو رجاء النقاش، عندما أخذ كلمات العقاد في صفحة 708 من مجلة «الكتاب» التي صدرت في شهر ديسمبر/كانون الأول 1949هذه الأسطر: «إنه فرض عليّ أن أقول لنفسي إني أنا الذي أوردتها موارد الهلاك إلا إذا ألقى نفسه بيده في تلك المهالك إني أحاول أن أقول هذا القول وهذا الحكم القاسي أصدره على نفسي في شفقة أو رحمة».
وفي صفحة 78 من كتاب «التماثيل المكسورة» لمؤلفه رجاء النقاش يقول: «إنه واجب عليّ أن أقول لنفسي، إني أنا الذي أوردتها موارد الهلاك ولا أحد في الدنيا مهما يكن عظيما أو حقيرا بقادر على أن يدفعك إلى موارد الهلاك، إني أصدر هذا الحكم القاسي على نفسي في غير شفقة ولا رحمة».
كيف نعاقب لصوص الأدب والفكر؟
اعتبر الكاتب فواز أحمد طوقان جهد الكاتب أو الباحث اليوم بلغة الأرقام مالا، سواء أكان المال ماديا أم معنويا، لا فرق فإن الذي يسرق جهد كاتب أو باحث، إنما هو كالسارق الذي يسرق المال وليس المال بالضرورة أوراقا نقدية أو معادن ثمينة. وإذا كان التشريع الإسلامي يقضي بقطع يد السارق، يتساءل فواز ويقول، لم لا نوسع الباب ونقول: «السارق سرقة أدبية فاقطعوا قلمه ونعني بقولنا هذا أن لا نتيح له أي مجال للنشر، لا فرق عندي إن قطع قلم السارق أو سجن قلمه، فإن السرقة الأدبية يجب ألا تمر من دون عقاب رادع وقصاص زاجر، وهذا ذكرني بما اقترحته محكمة إسبانية أن كل ناقد ينقد كتابا لم يقرأه يتعرض للسجن. وتقدم فواز باقتراحات ضرورية للحد من السرقة الأدبية والفكرية :
أولا: يفتح ملف في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألسكو) اسمه ملف «السرقات الأدبية».
ثانيا: تودع في هذا الملف كل حالة من حالات السرقة الأدبية.
ثالثا: يصدر تعمــــيم شهري على الــدول العربية والهيئات الأهلية ما استجد في الملف مع إشعار بالعقوبة وبمدتها.
رابعا: يتواصى كل الناشرين بألا ينشروا في المستقبل لأي سارق أدبي مهما كانت الظروف بدون أخذ شهادة «حسن السلوك» عن كل مقال أو بحث يريد نشره، وذلك
بالرجوع إلى هيئة «ملف السرقات الأدبية» في جامعة الدول العربية.
وختاما لم نرد أن نفتح ملف السرقات الأدبية في الجزائر الموثقة والمعروفة سترا لأصحابها وشعارنا «من تاب تاب الله عليه»، وليس الفضح والإشهار وغفر الله للجميع.
_____
٭ القدس العربي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *