*منى ابو صبح
عمان – كخطوة مهمة تهدف إلى النهوض بالمسرح الأردني، تم تأسيس مشروع مسرح الشمس، الذي يفتتح عمله بعرض مسرحية “بحر ورمال” من إعداد وإخراج الدكتور عبد السلام قبيلات على خشبة مسرح المركز الثقافي الملكي ابتداء من تاريخ 25-5-2016، ويستمر العرض لغاية خمسة أيام.
تدور أحداث المسرحية “بحر ورمال” المستوحاة من نص للكاتب ياسر قبيلات داخل سفينة تبحر منذ وقت طويل، حيث الزمن توقف، القبطان نائم، والركاب يعانون من طول انتظار أمام المرفأ، بعد أن رفضت السلطات أن ترسو سفينتهم.
ويتمنى المخرج قبيلات في حديثه لـ “الغد” أن تحظى مسرحية “بحر ورمال” باقبال الجمهور، ليروا أحداث المسرحية ويكتشفوا بنفسهم مضامينها الفكرية وغير الفكرية، واستنتاج لماذا سميت بهذا الاسم.
ويشارك في عرض المسرحية: الفنان الكبير خالد الطريفي، وعدد من الممثلين الشباب: هلا بدير، بلال زيتون، محمد جيزاوي، النص الأدبي: ياسر قبيلات، التأليف الموسيقي موسى قبيلات، السينوغرافيا فيكتور انطونوف، ونصوص شعرية علي شنينات.
ويؤكد أن الشخصيات في العمل تتصرف في إطار بنيتها النفسية والثقافية والإجتماعية، هي معادلة درامية رياضية في سياق بنية العمل.
يقول قبيلات “أنا حاولت فهم الشخصيات والنص لمدة عامين متتاليين، لحين الوصول لفهم معين.. بالتالي الرؤية الإخراجية نابعة من الحالة التي تمر بها الشخصيات.
وحول مسرح الشمس الذي ما يزال قيد التأسيس في الوقت الحاضر، يذهب قبيلات أن الفكرة ولدت من عدم وجود مسرح يومي في الأردن، وهناك رغبة شديدة أن يكون مكان خاص بالمسرح تعرض فيه مسرحيات جادة وهادفة وتلتزم بالمستوى الفني العالي، تأخذ بالتقاليد المسرحية العالمية والتراث المسرحي العالمي وتيارات المسرحية”.
ويأسف قبيلات لعدم وجود مكان مخصص للمسرح في الأردن، وغياب المسرح اليومي، وتقاليد العمل المسرحي المفترض أن تكون، وخلال نقاشات وأحاديث مع زملائه المسرحيين في الأردن وصلوا لهذه الفكرة، والبحث عن أمكنة مختلفة في دور السينما القديمة الموجودة في عمان.
ويضيف انه تم اختيار موقع سينما الكونكورد سابقا عمارة الاتحاد المهني، والآن هم بالمرحلة الأخيرة في توقيع العقود الرسمية والأوراق المطلوبة لاتمام إقامة المسرح.
قبيلات الذي عاش لسنين طويلة في روسيا لمدة تجاوزت 30 عاما، كان خلالها متابعا للمجتمع المسرحي، وعمل في الإخراج والإنتاج هناك.
وعن أسباب تفكيره في وجود المسرح اليومي يقول، “عشت في بلد تقاليد المسرحية به عريقة، ومكانة المسرح مهمة وعالية، ووعي الإنسان الروسي لأهمية المسرح كبيرة جدا، قد تصل لأهمية التلفاز، وعليه أصبح لدي طموح أنا وزملائي المسرحيين بذل جهد في هذا الاتجاه، ونتمنى أن ننجح فيه”.
يأمل قبيلات أن تحظى المسرحية باستمتاع الجمهور، من خلال جذبها للمشاهد وشد انتباهه طوال عرضها لمدة ساعة ونصف، كما يتمنى أن يوصل للجمهور الافكار الأساسية المطروحة في العمل المسرحي.
وبحكم غياب قبيلات طويلا عن الأردن والعالم العربي، حاول أن يلخص ويكثف رؤيته الفكرية بدون استخدام أساليب مباشرة أو مقحمة، وتقديم خلاصة مركزة مكثفة لرؤيته التي تشكلت عن بعد جغرافي.
وأثناء التدريبات اكتشف أشياء مختلفة فيما يتعلق بالنص والشخصيات وتطور الأحداث، موضحا أن وضع الرؤية الإخراجية على الورق، تنبع عن التصور العام عن الشكل الفني في العمل وعن طبيعة الشخصيات وعلاقتها وتسلسل الأحداث، ولكن عندما يتم مباشرة العمل على الخشبة يتم اكتشاف الكثير من الأشياء الجديدة، وقد يضطر إلى تعديل الكثير من الأمور.
وواجه قبيلات اشكالية كبيرة أثناء العمل لأنه موجود بمخيلته فقط، وعليه احتاج الأمر للشرح والنقاشات وإيراد الأمثلة في الحياة الواقعية وغيرها من أجل ايصال طبيعة الشخصيات الداخلية ومشاعرها وأحاسيسها وعلاقاتها الحقيقية والداخلية تجاه ما يحيط بها من أحداث.
يقول، “الشخصيات في المسرحية كما الحالة الموجودة فيها، هي شخصيات واقعية لكنها موجودة في حالة غير طبيعيها، هذا ترك أثرا على وضعها النفسي (الحالة النفسية) طبيعة تصرفاته، وبالتالي احتاج لجهد كاف لتتبع مسار تطور كل شخصية تبعا للأحداث الدرامية”.
ويعتقد قبيلات أن الشخصيات في الواقع والمسرح تتحرك على أساس واقعي، لكن الأحداث التي تمر بها قد تجعلها تتصرف بشكل غير منطقي (عبثي)”.
وعن المسرح الروسي يقول، “مسرح عريق وقطع شوطا كبيرا في التجربة المسرحية، ومن خلال هذه التجربة وصل المسرحيون الروسيون إلى استحداث أساليب مميزة للعمل مع الممثل، إن كان على أساس الجانب السيكولوجي أو الحركة، بالإضافة إلى استحداث أشكال فنية جديدة، منهم ستانسلافسكي، مايرهولد، فاختانغوف وميخائيل شيخوف وغيرهم”.
وكان تأثير المسرح الروسي عالميا وفق قبيلات، أثر على الحركة المسرحية بشكل عام، وبالتأكيد لا يمكن لأي مسرحي تجاوزها، فقد أعطت هذه التجربة للعالم أساليب وأشكال ونظريات جديدة في الفن المسرحي. ويتمنى أن نستطيع الإفادة قدر المستطاع من خلال العمل المسرحي الجديد في الأردن من خلال التجربة الروسية بحكم دراسته وعمله هناك، فقد عاش في الوسط الفني في روسيا، ولديه رغبة شديدة بنقل هذه التجارب الغنية لمسرحيين قدامى ومعاصرين.
يقول “أرغب بأن أعطي حصيلة تجربتي المسرحية للمسرح في الأردن إلى جانب زملائي المسرحيين الآخرين، لعلنا نستطيع أن نخلق حالة جديدة قد تساعد في استقطاب جمهور مسرحي يشعر بأهمية المسرح”، لافتا إلى أننا في الأردن نفتقد إلى الحالة التي تجعل المسرح جزءا أساسيا من حياة الناس ونشاطهم على الصعيد الإجتماعي والثقافي.
وعند سؤاله ما الذي يحتاجه المسرح الأردني للنهوض والتحول إلى أداة للتغير قال، “المسرح الأردني يحتاج إلى الاهتمام بالمستوى الفني بعيدا عن الأشكال الفنية المقحمة والشعارتية والبحث عن أشكال فنية المهم فيها غرابتها”.
ويشير إلى أهمية العودة إلى الأرض بإعتماد الأشكال المبنية على أساسيات الفن الواقعية، لأن الواقع هو الأساس، فعلينا إذا أن نتمسك بمفهوم الصدق الفني، سواء كان على صعيد التمثيل أو الإخراج.
ولكن من الصعب على المسرح أن يتطور ويأخذ دوره الطبيعي في المجتمع من دون اهتمام الجهات المسؤولة عن الثقافة والفن ومؤسسات الدولة بشكل عام. ويأسف لعدم اهتمام الجهات المعنية في الأردن بالثقافة، فهناك تجاهل للفن والمسرح بشكل خاص.
ويؤكد أن “وجود المسرح يعني وجود حضارة وعندما يهمل المسرح تأخذ المجتمعات بالإنهيار”. ولا يمكن لأي مؤسسسات أخرى أن تلعب الدور الذي ممكن أن يؤديه المسرح بما يحمل من مضامين ورسائل أخلاقية وثقافية مهمة وبأساليب قريبة للناس ومؤثرة فيهم بشكل أكبر.
ويعود قبيلات ليؤكد معاناة الفنانين الأردنيين من سوء اهتمام ومن أوضاع اقتصادية صعبة، وافتقادهم الدعم لنشاطاتهم المسرحية ومع ذلك ما زالوا يتمسكون بالمسرح لعل وعسى أن يتغير الحال، وفق قبيلات.
ويذكر أن قبيلات قدم على المسرح الروسي العديد من العروض المسرحية باللغة الروسية وابرزها “ليننغرادكا”، الحاصل على جائزتين ذهبيتين الأولى من المهرجان الدولي للمسرح في موسكو العام 2009، والثانية لافضل عمل مسرحي تجريبي في مدينة سان بيترسبوغ العام 2009.
_______
*الغد