تشريح المرايا وخطاب نقـد النقـد العربي


*وليد عــطية


خاص ( ثقافات )
يجمع كتاب تشريح المرايا في نقــد مشــروع عبـد العزيـز حـمودة، لنبيل محمد صغير مجموعة مــن المــجالات المعرفية المــرتبطة بالنقد العربي الحديث والمعاصــر، وكذلك النقد الغربي الحــداثي وما بعد الحـداثي، وأيضا بــالبلاغة العـربية التي كانت ولا تزال أساس أيّــة نظرية نقـدية قائمة أو بديلة.
يأتي الجمع بيــن خـطاب تشريح المرايا، وخطاب نقد النقد العربي ، باعتبار مشروع عبد العزيز حمودة المتمثل في قراءة النقد الحداثي العربي، في مجموعة من رواده؛ يمنى العيد وجابر عصفور، وكمال أبي ديب، وهدى وصفي. وقد حاول حمودة عبر نصوص هؤلاء أن ينتــج خطابا نقد نقدي، ليخلخل تلك الخطابات التي ،حسبه، ادعت لنفسها صفة الحداثية ، وماهـي بحداثية.
لكي يخـرج حمودة مما أسماه أزمة شرخ في النقد العربي اقترح مشاريع ومنجزات البلاغة العربية بديلا، وحاول أن يستنتج ويبيّــن عناصر النظرية النقدية البديلة، التي حصرها في نظرية أدبية وفي أخرى لغوية. 
جاءت تشريحية المرايا لنبيل محمد صغير تشريحا لخطاب نقد نقدي، فحاول الكاتب أن يرجع إلى مرجعيات حمودة التي تمثل في :
1- النقد الجديد الأنجلوسكسوني.
2- نقد النقد التفكيكي.
3- بعد ما بعد الحداثة.
حاول محمد صغير نبيل أن يبيّـــن كيف استمد حمودة مجموعة من المفاهيم النقدية في خطابه النقدي، فأخذ عن النقد الجديد مفهوم النسق، ورؤية الذات، وأخذ عن النقد الذي وجهه النقـــاد الغــربيين ( جــــون إليس وجوناتان كللر) للتفكيك مرجعية لنقـد التفكيك الغـربي والعربي. لاحظ نبيل محمد صغير ميل الكاتب الضمني إلى طروحات النقد الجديد، وفي قراءة تاريخية منه، يكتشف أن ذلك التأثّــر يعود إلى اشتغال عبد العزيز حمودة بالنقد الجديد تنظيرا وتطبيقا في الستينيات، وهذا يظهر في كتابه النقد الحديث وعلم الجمال( طبع سنة 1963، وأعيد طبعه سنة 1999.) 
استندا إلى المرجعيات التي كشفها الباحث في فكر حمودة النقدي، يحـاول أن يشتغـل على نـقود عبد العزيز حمودة للنقاد العـرب الحــداثيين، فجعل عمله في مباحث نقدية متنوعة؛ يقول:” بدأنا بالفصل الموســــــــوم:” تفاعـل المرجعيات النقـدية والفـكرية في تأسيس خطاب نقد النقــد”، لتقديم صورة عامة عن أهـــم المرجعيات والقضايا النقدية والفـكرية التي أطّـــرت نقد حمــــــودة، وجعلته ينحــــــو المنحى الذي سار عليه، فتحدثنا عن تأثره، في المبحـــــث الأول، بالنقد الجديد الأنجلوسكسوني، ثم اهتديـــــنا إلى ضبط اشتـــــغال أطـــــــــروحـــة الـــذات والتاريـــخ فيه، واشتغالها في التفكيك الذي رفضه حمودة، كما تحدثنا عن النسقيـــــة التي حاول من خلالها حمودة أن ينـــــــأى، من خلالها، بالنقد الجديد عن البنيوية وما بعدها، حفاظا على انسجام طرحه النقدي. في حــــين خضـــنا، في المبحث الثاني، في حضور نقد النقد التفكيكي، الذي استند من خلاله حمودة على نقد الطرح التفكيكي، فركّــــزنا على فهمه لغموض وزيــف خطاب التفكيك، وكذلك ضياع الهوية والمــعنـــــى، واختلاف المرجعيات الفلسفية له، واستحالة نقله إلى الثقافة العربية. أما حديثنا في المبحث الثـــــالث، فارتكز على التأثير الذي قدمته بعد ما بعد الحداثة، عبر عودتها إلى النص، ومحاولتها نقد التفكيك، ونقد تشتت الدلالة وضياعها”. تشريح المرايا، ص: 17،16.
بعد أن أبان الباحث عن المرجعيات الفلسفية والنقدية للناقد عبد العزيز حمودة طرح في الفصل الثاني من الكتاب الصراعات والسجالات النقدية التي خاضها حمودة مع نقاد عرب حداثيين، يقول:” أما الفصــــل الثـــــاني، المـــوســـــــوم:” آليـــات القــراءة والـفــــهـم فـــي سجــــــالات خطـــــاب نقـــــد النقد”، خصّصناه للكشف عن كيفية قـــــــراءة حمودة لمعاصريه من النقاد، فتطرقنا، في المبحـــــث الأول، إلى قراءة حمودة لقضية التبسيط والغموض في النقد العـــربي المـعاصر. فيما جاء المبحث الثاني ليحـــاول الحفر في قراءة حمودة ليمنى العيد، واعتراضــــه على القصــــور المنهجي لديها من خلال مسألة الداخل والخارج في مشروعها النقدي، أما قـــــــراءته لكمال أبي ديب فقــــد ارتكزت على مسألة غموض الخطاب النقــــدي، واختلال الطـــــرح الإبستمولوجــــــي بينه وبين البنيويــة الغربـــيـــــة وكانت قراءة حمودة لهدى وصفي منكبـــــــة على نقد الأشكال الهندسية والمعادلات الرياضية، التي شكلنت النقد وهندسته. وآخر عنــــصر تطرقنا إليه في هذا الفصل، هو قراءة حمودة لفهم جابر عصفـــور للبنيـــويــــة والتراث، هل بينهما قطيعـــة أم امــــــتداد؟، فجـــــاء الاعتــراض والدحـــض، لدى حمــــودة، فـــــي هذا الفصــــــل، أساس القـــــراءة النــــــقديـــة وغايتــــــــــها، هـذا ما جــــــعلنا نقــــــدم فــــرضية أوســع وأشمـــل، نتـــــــجت عـــن فكـــــرة تشـــريح المــــــرايا وتبيـــــان ارتــــــكــــازاتها واستراتيجياتها المــنطقـــيـة، وهــــذه الفــــرضيـــــة تـــقـــــول بـــــوجــــــود استـــــراتيجيــــــة الاعتــــراض من أجـــل الاعتراض في كامل مشروعه الفكـــــــري والنـــــقدي” تشريح المرايا، ص 17.
أما الفصل الثالث فقد كان خلاصة الكتاب، لأنه حلل البدائل اللغوية والبلاغية والفكرية التي عرضها حمودة للنقد العربي، فيذهب الباحث إلى أن سعى ” في الفصل الثالث، الموسوم:” البـــــدائل النظـــــرية والنــــقدية فـــي مـــراجعات نقــد النقــــد “، للكشــــف عن مسوغات تأسيس البديل النقدي وحيثياته، في مبحثنا الأول، التي جعلت حمودة يشــــرع في قراءة التراث البلاغي والنقدي، كما عالجنا في المبــــــحث الثاني، مفهوم النظرية لدى عبد العزيز حمــــودة، التي ظهر فيها مستنــــــدا إلى طـــــــرح سوســير، لنتساءل هل يمكن أن يكون هذا تحيــّـــــزا لسوسيــر؟ خصوصا أنه أظهــــر اهتمامه الكبـــــــير بالثنائيات السوسورية، إلى درجة اعتماده إيــاهـــا، كأسس في إرســـــاء أســــاسيــــات النظرية المعرفية العربية البديلـــة، ثــــــــم حـــــاولنا الكشــــف عن خيوط وامتدادات النظريــــــة عند النقاد التــــراثييـــــن. وفــــــــي المبحث الثــالث تنـــاولنا إوالــــيات النظــــــرية اللغويــة العربية، التي قدّمـــها حمـــودة، لنكشف عن إمكانيــــــة تجـــــاوز الفـــــهم البنيــــــوي للبــــــلاغة الجرجانيـــــــة؛ المتمــــركــــزة على نظــــرية النظم، إلى الأبعاد التداولية والسيميـــائيـــة، وبعض معالم نظرية التلـــــقي. أمـــــا المبحث الأخيــــــــر، فقـــد خصصناه لفهم الأركـــان التي قدّمـــــها عبد العزيز حمــــودة، كأسس تقوم عليها النظرية الأدبية العربيـــــة، فتــعـــرضـــنا إلـــى الفهـــم الذي يمكــــــن أن يُــــــقـــدّم للأدب مـــن زاوية كــــونه محاكــــاة أو تخييـــــلا، ثم إلى الفهم الــــذي يخوض في الأدب من منظـــور أنّــــه تغــريب لغـــــــــوي، أو خروج عن مألوف الاستعمال اللغــــوي، كـــما حفــــــرنا في مسألة الصدق والكــذب، بوصفها مـــــــؤطــــــــرا للتجربة الشعرية، وانتقلنا بعدها، إلى مسألــــة سجاليـــة في النقد ونقـــد النقــــد العــــــــربي؛ ألا وهـــي قضية السرقات الأدبيــــة وعلاقتها بالتنــــــــاص، لنختـــــــم المــــبحث الأخيـــــــر، بمحاولـــــة السبـــــر في ثنائيـــــــة الشكل والمضمون؛ هذه الثنائية التي تم سحبــــها على مفهومين نقدييـــــن غــــــــربيين، هما: الداخل والخارج. ينظر :ص 18 وللمزيد من التفصيل ينظر: 155، ومابعدها
الكتاب طرح فكري في مجال نقد النقد يعرض لخطاب نقدي بكل حصافة ودقة دون التسرع في اخذ مواقف فكرية دوغمائية أو الدخول في السجالات الثنائية بين النقاد العرب، وإنما التحليل العميق والمحايد لها.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *