ترجمة: أحمد فاضل
عندما نشرت الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ روايتها التي تنتمي إلى عالم الفانتازيا ” النباتي ” منذ ما يقرب من عقد من الزمان وجد نقاد الأدب حيرة في قراءة الرواية ، فالقصة تقدم بطلتها على أنها تتحول إلى شجرة بعدما انتابتها أحلام غريبة نتيجة شغفها بأكل اللحوم ما جعلها تحاول التخلص من ذلك الشغف ، إلى هنا يتبين أن الرواية تسير في خط فانتازي بحت ، غير أنها سرعان ما تأخذ منحى آخر في مشاهد لا تنسى من الاستعارات الجنسية المبتذلة حيث نراها تلجأ إلى استخدام لغة مثيرة حولها لتجعل من النباتات المزهرة تعج في مزيج من الجنس والعنف وهو ما لم يتوقعه النقاد من السيدة هان الشاعرة والروائية الشهيرة الحائزة على عدة جوائز رفيعة ، وكان جميع الذين استقبلوا روايتها قالوا أنها رواية غريبة ، لكن هان ومن خلال مقابلة عبر الهاتف من منزلها في سيول قالت :
– بالتأكيد لقد فوجئ القارئ بها فلم يكن يتوقع أن تؤول أحداثها بالشكل الذي جرت عليه وهو ما كنت أخطط له وأسعى إليه وسوف تتبين للقارئ أسباب ذلك التحول .
ومع كل تلك الدهشة والإثارة ، فقد استقبلت الرواية استقبالا كبيرا وأصبحت من أكثر الكتب مبيعا وتم بيع حقوقها في نحو 20 بلدا وتم تكييفها في فيلم كوري شارك في عدة مهرجانات منذ عام 2010 ، ومع ذلك ظلت السيدة هان التي كتبت الرواية إضافة لكتابتها للشعر غير معروفة لأكثر من عقدين من الزمن تقريبا للناطقين بالإنكليزية حتى واتتها الفرصة في بداية تعرف الجمهور الإنكليزي لها عن طريق المترجمة البريطانية ديبورا سميث البالغة من العمر 28 عاما والتي قرأت النسخة الكورية من رواية ” النباتي” قبل أربع سنوات عندما كانت تدرس للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة كلية لندن للدراسات الشرقية والأفريقية فأصابها الذهول حينما تعرفت على هذه القصة غير العادية بلغتها الأقرب إلى النثر فحاولت ترجمتها بنفسها ، ولكنها كانت لا تجيد حتى الآن اللغة الكورية ما يكفيها للقبض على لغة الرواية الأصلية ، وبعد ذلك بعام حاولت مرة أخرى وأرسلت ترجمة عينية قصيرة منها إلى الناشر البريطاني الذي قرر نشر الرواية .
” لقد كانت هذه الرواية عبارة عن تصوير لأحداث تحدث غالبا في عقول مرهفة الحس وتعيش خيالات الواقع بصورة مغايرة ” ، هكذا راحت تقول السيدة سميث عنها وأضافت : ” وهذا هو السبب الذي دعاني لترجمتها مع أن في المقام الأول أن هان من أفضل الكتاب في كوريا حاليا ” .
ويبقى أن نرى ما إذا كانت رواية ” النباتي” والتي سيتم الإفراج عنها في الولايات المتحدة هذا الأسبوع سوف يتردد صداها مع القراء الأميركيين هناك ، مولي ستيرن الذي أخذ على عاتقه نشر الرواية قال : ” الحماس ، أي حماس ، ينتشر مثل الفيروس دائما معلنا حدوثه وسوف نرى إذا ما انتشر هذا الفيروس واقصد هنا رواية هان كيف ستكون ردود أفعال الجمهور حينها ” .
تتركز القصة على يونغ هاي وهي ربة منزل دائما ما نراها حزينة تطاردها أحلام عنيفة تدفع بها إلى التوقف عن تناول اللحوم التي كانت على رأس مائدتها المفضلة التي انقلبت إلى أن تصبح نباتية والتي تحولت إلى كابوس يقض مضجعها في كل ليلة حيث تتحول تلك النباتات التي كثيرا ما تشتريها من الأسواق إلى أشباح عارية تحاول اغتصابها والنوم معها في سريرها كل هذا يدور في عقلها الباطن ليفرض سطوته عليها نتيجة للمعاملة السيئة التي كانت تتلقاها من زوجها الذي لم يعجبه هذا التحول فيها معتبرا فعلتها نوعا من أنواع التمرد محاولا هجرها حتى في فراشهما فتبدأ في تجويع نفسها انتقاما من زوجها على أمل أن تتحول إلى شجرة .
السيدة ماكبرايد الكاتبة والمترجمة الأمريكية المعروفة قالت عن رواية هان في رسالة حملها بريدها الإلكتروني إلى ناشر الرواية جاء فيها : ” أنها قد كتبتها بأسلوب نثري غنائي ، لكنه عنيف وصاخب وحتما ستنال روايتها إعجاب القراء هنا في أمريكا بعد أن أصبح الناشر الأمريكي أكثر استعدادا على ترجمتها ونشرها كما حدث من قبل مع ايلينا فيرانتي، كارل اوفه وهاروكي موراكامي ، وعلى الرغم من قلة الكُتاب من كوريا الجنوبية فقد تم مؤخرا نشر بضعة كتب لكتاب آخرين في الولايات المتحدة بما في ذلك يونغ ها كيم وكيونغ سوك شين ، فمن غير المعقول أن يتم تجاهل هذه الثقافة الأدبية الزاخرة بالحيوية والتنوع هذا إذا ما علمنا أن الكثير من الأعمال الأدبية الكورية تلقى إعجابا هناك وهي بحاجة إلى من يقوم بنقلها إلى الإنكليزية لتأخذ حصتها بالانتشار كما البوب الكوري الذي انتشر في جميع أنحاء العالم ” .
وهناك المزيد من الكتب بدأت في التقاطر قبل ثلاث سنوات على الولايات المتحدة حصلت عليها مؤسسة دالكي للأرشيف والصحافة وهي ناشر مستقل تنشر بصفة خاصة الرواية والشعر والنقد الأدبي ولها فروع في إلينوي ودبلن ولندن وغالبا ما تنشر الكتابات الطليعية ، دالكي بدأت بنشر سلسلتها تحت عنوان من مكتبة الأدب الكوري وهذه السلسلة تمول جزئيا من قبل معهد الترجمة والأدب الكوري نشرت 19 ترجمة منها حتى الآن بما في ذلك الروايات المعاصرة والكلاسيكية الصادرة في القرن العشرين المنصرم وسوف يتم الإفراج عن ستة أعمال أخرى منها هذا العام .
ولدت السيدة هان في عام 1970 في غوانغجو ، والدها هان سونغ – وون وهو روائي أيضا كافح لكسب العيش من كتاباته ، وتنقلت عائلتها كثيرا عندما كانت صغيرة ، تقول عن تلك المرحلة : ” لقد ولدت كبيرة لأنني كنت محاطة بالكتب ” ، في التاسعة من عمرها انتقلت مع عائلتها إلى سيول قبل أربعة أشهر فقط من انتفاضة غوانغجو عام 1980 التي هاجمت القوات الحكومية المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وقتها بإطلاق النار على الحشود وقتل المئات على الرغم من أنها لم تشهدها مباشرة ، الحملة شكلت بعمق وجهات نظرها من قدرة البشرية على العنف ، ولكن أيضا من أجل المقاومة والفداء ولها سحر خاص مع تلك الدوافع المتناقضة التي حفلت بها الكثير من رواياتها ومنها روايتها ” نباتي ” :
” كنت أفكر في السلوك البشري وكيف ينتقل بسرعة من كونه كإنسان بالغ الرفعة إلى مناطق أقل منها بكثير وأتساءل : هل يمكن حقا للبشر أن يعيشوا حياة آمنة وبريئة تماما في هذا العالم العنيف ، وماذا سيحدث إذا حاولوا تحقيق ذلك ؟ قالت هان “.
درست الأدب الكوري في جامعة يونسي، ونشرت أولى قصائدها في عام 1993 ، كما أصدرت عام 1998 روايتها الأولى ” أسود العام ” وهي تتحدث عن لغز امرأة مفقودة ، وفي ذلك الوقت كانت لديها فكرة عن قصة قصيرة عن امرأة تتحول إلى شجرة استلهاما من إحدى قصائد الشاعر الكوري الجنوبي يي سانغ الذي كتب : ” أعتقد أن البشر أصلهم نبات ” ، وقد أمضت السيدة هان ثلاث سنوات حتى أنجزت روايتها نشرت بعدها ثلاث روايات أخرى منذ ذلك الحين ، لكنها قالت أنها ما زالت متمسكة ببطلة الرواية التي تنتهي حكايتها بموتها في ظروف غامضة حيث قالت عنها : ” لم أكن أريد ليونغ هاي الموت بل أردت أن أبقيها على قيد الحياة” .
_________
عن: نيويورك تايمز/المدى